تشارك شبكة الصحفيين الدوليين أهم ما جاء في الدليل الذي أصدرته المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة IWMF عن "الصحة النفسية في مواجهة العنف الرقمي"؛ والذي يعد واحدًا من أشكال العنف ضد النساء.
قامت بإعداد الدليل المتخصصة النفسية آنا ماريا زيلهوبر بيريز بالتعاون مع خوان كارلوس سيجارا بيريز، ويركز على توضيح مفهوم العنف الرقمي، وأنّه لا يتعلق فقط بالسلامة الرقمية؛ لأن الأمر له أبعاد تتعلق بالتأثير على الصحة النفسية والتأثير على حرية الصحافة؛ ما ينطبق على صحفيات من خلفيات وهويات متنوعة.
يضمّ الدليل خمسة فصول نعرضها بالترتيب أولها عن "فهم العنف الرقمي"، ويتم فيه شرح العوامل النفسية التي تجعل المعتدين على الإنترنت يستهدفون العاملين في مجال الإعلام، وكيف يتأثر الجسم والعقل عند التعرض للعنف الرقمي.
يقدم الدليل تعريفًا للإساءة وهي عبارة عن عنف الهدف منه السيطرة أو التخويف نتيجة شعور المهاجمين بالتهديد ويعتبر فهم هذا السبب هو المفتاح لحماية الشخص لنفسه من أجل تقليل المخاطر والتأثير السلبي للهجوم، هذا بالإضافة إلى وجود خطة سلامة نفسية تساعد على فهم المشاعر والأعراض بالتالي لا يمكن الإصابة بالصدمة.
وبحسب الدليل يعد العنف الرقمي واحدًا من أشكال الإساءة التي يمكن أن يكون لها تأثير طويل الأمد على الصحة النفسية للصحفيين، وعادة ما تسيطر على المعتدي مشاعر الغيرة الناقمة والتي تعرفها المحللة النفسية ميلاني كلاين بأنها: "الشعور الغاضب بأن شخصًا آخر يمتلك ويستمتع بشيء آخر مرغوب فيه مصحوبًا بالرغبة في الإفساد"، وفي حالة الصحفيين يكون الدافع الأساسي هو الرغبة في إسكاتهم.
يحدث العنف عبر الإنترنت عبر شكلين أساسيين هما: تهديد حياة الشخص وسلامته أو- وتهديد سمعته، ولهذه الهجمات تحيز جندري؛ حيث تتعرض النساء لهجمات أكثر عنفًا، كما أن المهاجمين في بعض الأحيان يمكن أن يكونوا مصابين بأمراض عقلية منها: "الاعتلال الاجتماعي" وهو ما يؤدي لعدم القدرة على الشعور بالتعاطف وفهم الضرر الذي يلحقونه بالآخرين، وكذلك مرض "الاضطراب الوهمي" والمصابون به يستهدفون السيطرة على الآخرين ومحيطهم من أجل الشعور بمزيد من الأمان، وينقسم المسيئون عبر الانترنت عادة إلى ثلاث فئات هم من أصحاب معدل الذكاء والدخل الاقتصادي المنخفض وأصحاب معدل الذكاء المرتفع وذوو الشأن الهام.
أما عن التأثير العاطفي والعقلي للعنف الالكتروني، يوضح الدليل أن هذا النوع من العنف يهاجم سمعة الصحفي وهويته وهو بمثابة طريقة رمزية لمحو هذا الشخص؛ وهذا التأثير من شأنه الشعور بالخوف ما يؤدي للتأثير على درجة التركيز، كما يؤثر على الروتين اليومي وقد يؤدي لتغييره، وإذا استمرت الهجمات الالكترونية لفترة طويلة ربما تظهر الأعراض التالية:
- الصداع أو مشاكل المعدة أو آلام الرقبة أو الأرق أو فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام
- الدخول في عزلة
- قد تبدأ في الشعور بالاكتئاب أو عدم القدرة على العمل أو الانخراط في أي نشاط آخر
- قد تشعر أيضًا بالحزن والوحدة وقد تسأل نفسك، "لماذا أنا؟"
- من المحتمل أن تشـعر بمشاعر الغضب، مما قـد يؤدي إلى توتر العلاقات الشخصية والمهنية
- إذا استمرت هذه المشاعر لفترة طويلة قد يصاب الشخص باضطراب ما بعد الصدمة
يمكن تجنب ما سبق ذكره من أعراض عبر التركيز على الرعاية الذاتية عبر الاستمرار في ممارسة الرياضة وتناول الطعام بشكل جيد والتواصل الاجتماعي مع الأصدقاء وغيرها من التقنيات التي يقترحها الدليل.
يتناول الفصل الثاني من الدليل "تقييم المخاطر" ويضم أدلة مبسطة لكيفية تقييم الصحفيين للمخاطر التي يمكن أن يتعرض الصحفيون لها، وقياس ردود الفعل النفسية والعاطفية، ومن خلال استبيان يقدمه الدليل يمكن فهم المخاطر التي يتم التعرض لها ما يساهم في تقييمها بصورة صحيحة، ومخطط الدعم النفسي المقابل للمخاطر التي تم رصدها ونموذج للتقييم الذاتي.
يقدم الفصل الثالث تمارين صحة نفسية للتعامل مع العنف الرقمي تساعد على تحسين الصحة النفسية، وهي تمارين مستخدمة من قبل في علاج المرضى الذين يعانون من الإجهاد الحاد والقلق والإكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
في البداية، تم توضيح كيف يستجيب جهازنا العصبي في حالة الشعور بالخطر حيث يدخل الجسم في وضع الطوارئ من أجل إتخاذ فعل وزيادة الفرصة نحو النجاة، ما يؤدي لإنتاج مستويات عالية من التوتر وينتج الجسم مستويات عالية من الأدرينالين وهرمون الكورتيزول؛ يزيد الكورتيزول من مستوى السكر في الدم ويجعل الأدرينالين القلب ينبض بوتيرة أسرع من أجل زيادة تدفق الأوكسجين إلى عضلاتنا، مما يمكننا من الجري وإذا لم نتمكن من العودة للإسترخاء مرة أخرى يتعرض الجسم للانتفاخ والذي يسـبب آلام الظهـر والصداع والتهاب المعدة وصعوبة النوم.
من ضمن التمارين التي يقدمها الدليل: "التنفس الحِجابيَ" أي بالحجاب الحاجز، وهو عبارة عن أخذ نفس عميق ببطء من البطن وحبسه لمدة أربع ثوانٍ ثم الزفير ببطء، ويمكن تكراره 3 مرات، ويمكن القيام بذلك أثناء الوقوف أو الجلوس أو الإستلقاء أو أثناء المشي؛ ويعتبر وسيلة فعالة في حالة التوتر والقلق والإجهاد الحاد ونوبات الهلع والأرق، ويشرح هذا الفيديو كيفية القيام بالتمرين.
يوجد أيضًا تمرين: "تقنيات إدارة القلق" وهو مفيد في حالة الشعور بالقلق من أجل العمل على تقييم الوضع ما إذا كان التهديد حقيقيًا أم أم أنه مجرد غير عقلانيًا أي ناتج عن الشعور بالقلق والخوف، ويتم عبر الجلوس في وضع مريح ثم التنفس من الأنف بثلاث عدات ثم التوقف وإعادة التنفس مرة أخرى، يتبع ذلك الإنتباه إلى البيئة المحيطة بك وتأملها بتفاصيلها وألوانها وخاماتها، ثم إغلاق العين والتنفس بثلاث عدات مجددًا مع التركيز على الأصوات وتحديد مصدرها، وبعدها يتم فتح العين والمزج بين الصور التي نراها والأصوات التي نسمعها.
يقدم الدليل تمرين "إدارة نوبات الهلع"؛ وهي نوبات تحدث عندما يصبح الشعور بالخوف الشديد خارج السيطرة، وحينها يفرط الشخص في التنفس ويركز العقل على أسوأ سيناريو ويمكن الشعور بقرب الإغماء أو الإصابة بنوبة قلبية وهي أمور غير صحيحة، ويمكن القيام بالتمرين التالي:
- إغلاق أحد فتحات الأنف بإصبع واحد والتنفس من الفتحة الأخرى، ثم التبديل مع الفتحة الأخرى للأنف ما يساهم في السيطرة على نوبة الهلع في بدايتها، ويقدم هذا الفيديو كيف يمكن للدلاي لاما السيطرة على نوبة الهلع.
- تمرين آخر من خلال أخذ نفس لمدة أربع ثوانٍ ثم حبسه وزفره لنفس المدة وتكرار هذا التمرين ثلاث مرات.
يقدم الفصل الأخير من الدليل معلومات عن الأنواع المختلفة من الإساءة وهي:"نفسية- جسدية- جنسية- اقتصادية"، وكذلك موارد الدعـم المتاحة وهي:" دعم السلامة الرقمية والمساعدة في حالات الطوارئ ودعم الصحة النفسية ودعم غرف الأخبار وإرشادات السلامة البدنية.
"سوبر وومان" مبادرة أطلقتها آية منير عام 2016 وتهدف لخلق مساحة دعم للسيدات وتعمل على عدة ملفات منها العنف الرقمي، وقبل حوالي عام تم إطلاق أول عيادة رقمية نسوية، إلى جانب التوعية وتقديم تدريبات عن الأمان الرقمي وخدمات دعم لاستعادة الحسابات المسروقة كما تقدم دعمًا قانونيًا ونفسيًا.
وفي حديثها لشبكة الصحفيين الدوليين، قالت منير إنّ مستخدمي شبكات التواصلات الاجتماعي عادة ما يرتكبون بعض الأخطاء التي تفتح باب العنف الرقمي؛ ومنها مشاركة تفاصيل شخصية وكذلك مشاركة الصور الخاصة مع الشركاء العاطفيين وإجراء محادثات قد تعرضهم للخطر فيما بعد ويمكن استغلالها بشكل سلبي عبر ممارسات الابتزاز والتشهير ويتم بطريقة ذكية ليس من السهل دائمًا الكشف عنها.
كما نبّهت آية منير من غياب الوعي الرقمي عبر الحذر عند استخدام التطبيقات المختلفة على الهاتف المحمول والقراءة الجيدة للعناصر المكتوبة عند التحميل، علاوة على وضع كلمات سر قوية وغير مرتبطة بمعلومات شخصية يسهل توقعها. وأضافت أنّ السيدات عادة هن الضحية المثالية للعنف الرقمي، حيث يمكن للعنف أن يمس نمط اختيارهم لملابسهم وأخلاقياتهم وحياتهم الشخصية وأفكارهم ومواقفهم؛ ما يجعل في بعض الأحيان العنف الرقمي جماعيًا.
وأضافت منير أنه ينصح بتجنب النقاش عبر المجموعات على شبكات التواصل الاجتماعي، لاسيما فيسبوك والتي عادة ما تكون مخترقة، يصعب وجود مساحة آمنة تمامًا، كما ينصح في حالة المشاركة في نقاشات القيام بحذف كل ما يتعلق بالحياة الشخصية من صور وتعريف بالأسرة والأقارب؛ لأنهم في حالة العنف الرقمي عادة ما يكونوا معرضين للمضايقات أيضًا، حيث يتم التفتيش عن أي معلومة تكشف جانبًا من الحياة الشخصية من أجل استغلالها.
وفي حالة التعرض للابتزاز، ينصح بتنجب فتح الرسائل وقراءة محتواها؛ لأن هذا هو هدف المعتدي ويمكن إفشاله عبر تجاهله، وعدم الرد عليه وينصح بعدم حظر الحساب لأنّ هذا يعني وصول الرسالة، كما أنّ هذا الإجراء لا يفيد في حالة اللجوء للسلطات التي تقوم بتتبع الحساب، ولو تم التواصل أو مشاهدة الرسالة ينصح بالمماطلة حتى لا يتم غلق الحساب مع إتخاذ الإجراء القانوني في الوقت نفسه.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة كريستين هيوم.