توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لوضع أسس قوية تعزّز انطلاقتك في الصحافة

قد يكون من الصعب تحديد الطريقة الأمثل لتوظيف تقنية الذكاء الاصطناعي في تغطيتك الصحفية. وبالنسبة للصحفيين وغرف الأخبار الصغيرة التي تواجه ضغوطًا في الالتزام بالمواعيد النهائية وتعاني من محدودية الموارد، فإنّ استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنجاز المهام التي تستغرق وقتًا طويلًا يُعد أمرًا بالغ الأهمية. وبالنسبة للطلاب الذين يطوّرون مهاراتهم الأساسية لمسيرتهم المستقبلية في مجال الصحافة، فلا يُمكن تجاهل هذه التكنولوجيا.

فكّر في أدوات الذكاء الاصطناعي على غرار استخدامك للتطبيقات الشائعة مثل ميكروسوفت إكسل وأدوبي فوتوشوب: وتساعدك تطبيقات الذكاء الاصطناعي في توفير الوقت لتتمكن من إعداد تقارير صحفية أكثر عمقًا، وكتابة محتوى إبداعي، وإنشاء رسوم بيانية، والعمل في مجال التسويق، وغيرها من المزايا الأخرى.

وقد كشف استطلاع الرأي الذي أجراه معهد رويترز للصحافة عام ٢٠٢٤ أن ٣٦٪ فقط من العينة المستطلعة آراءهم يشعرون بالارتياح نحو استهلاك الأخبار التي ينتجها البشر بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي، أما النسبة الأقل فكانت لدى المبحوثين الذين يفضلون استهلاك الأخبار بمساعدة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير بشرط أن يكون ذلك بإشراف بشري. لذلك، ليس من المستغرب أن يعتقد ناشرو الأخبار أن الذكاء الاصطناعي سيكون أداة بالغة الأهمية في تحسين الكفاءة التشغيلية وأتمتة المهام خلال عام 2025.

في هذه المقالة، أقدّم لكم بعض الأدوات المجانية ومنخفضة التكلفة، التي تُمثل نقطة انطلاقتك للعمل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي لتدعيم تقاريرك الصحفية، بالإضافة إلى إرشادات مهمة حول كيفية استخدامها بشكل أخلاقي وفعال.

Google’s NotebookLM
ووفقًا لما أوضحته مجلة LatAm Journalism Review، فإنّ أداة Google’s NotebookLM تعتبر مساعدًا بحثيًا يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، وتقوم بتحليل مصادر المعلومات مثل المقالات البحثية، ونصوص المقابلات، والرسوم البيانية، والصور، والمواقع الإلكترونية من خلال إدخال روابطها. وتساعد هذه الأداة على عمل ملخصات للملفات المرفوعة، وتحديد الموضوعات أو الرؤى المشتركة بين الوثائق، واقتراح أسئلة يمكن التعمق فيها لاحقًا.
وعلى سبيل المثال، يُمكن للأداة أن تربط تصريح وُرد في مقابلة ببيانات منشورة في ورقة بحثية، أو تسليط الضوء عندما تشير وثيقتان إلى نفس السياسة أو الحدث، مما  يساعد المستخدمين على بناء سرد أكثر ترابطًا في عملهم، وتحديد الفجوات أو النقاط المشتركة.
كما أن الميزة الجديدة Discover في الأداة أنها تجمع مصادر من الإنترنت حول الموضوع الذي يبحث عنه المستخدم. وتُرفق كل إجابة بمجموعة من المراجع مما يُتيح للمستخدمين التحقق من دقتها. (ومن المهم الإشارة إلى أن روبوتات الدردشة مثل شات جي بي تي تُوفر أيضًا مصادر للمعلومات التي تُقدّمها).
من جانبه، قال ستيفن ليفي، الكاتب في مجلة Wired في مقال كتبه عن الأداة: "أعطتني الأداة ملخصًا مثيرًا للإعجاب ومدعومًا بعشرة مراجع، لكنه لم يعكس وجهة النظر الأهم – وجهة نظري. وهذا أمر منطقي، لأن من مسؤوليتي التعبير عنها".

أداة Bellingcat الذكية لفرز الصور

في أغسطس/آب 2024، أطلقت مجموعة الصحافة الاستقصائية Bellingcat أداة "الفرز الذكي للصور"، وهي أداة مفتوحة المصدر صُممت لمساعدة الصحفيين على تصنيف كميات ضخمة من البيانات البصرية وتصنيفها وتنظيمها إلى مجموعات. وعلى سبيل المثال، يُمكن للصحفي الاستقصائي أن يُحمّل آلاف الصور من مجموعة على تطبيق  تيليجرام، واستخدام الأداة لتحديد الصور أو مقاطع فيديو التي تتعلق بالأسلحة.

وهذه الأداة مجانية ولا تتطلب من المستخدمين معرفة مُسبقة بالبرمجة، كما تتوفر دروس تعليمية مُفصلة تُساعد في فهم كيفية استخدام الأداة وتبين حدود إمكانياتها.

PubMed.AI

قد تُشكل الكتابة في مجالي العلوم والطب تحديًا كبيرًا إذا لم يكن لديك خلفية في هذا التخصص. وبالنسبة للصحفيين الذين يرغبون في تغطية هذه الموضوعات، يُمكن أن تكون عملية البحث المدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي على موقع PubMed أداة فعّالة للوصول إلى ملخصات سهلة الفهم للأبحاث، مما يُغنيك عن قراءة العديد من الأوراق البحثية لاختيار المقالة الأنسب منها.

لنفترض أنك تكتب مقالًا عن لقاح الحصبة في الولايات المتحدة وتريد تزويد مقالتك بمعلومات من الأبحاث والدراسات الطبية. يُمكنك البحث باستخدام عبارة "لقاح الحصبة في الولايات المتحدة" أو طرح سؤال مُفصل، سينتج البحث ملخصًا عن اللقاح، وأبرز الرؤى المستخلصة من الأدبيات الطبية، بالإضافة إلى روابط للدراسات التي استُمدت منها هذه المعلومات.

إذا لم يكن الملخص كافيًا، فستظهر لك أيضًا قائمة بالأبحاث ذات الصلة ببحثك، تتضمن ملخصًا لكل دراسة، والمنهجية المستخدمة، والنتائج. وبمجرد تحديد المقالات ذات الصلة بقصتك، يمكنك تنزيلها أو طلب الوصول إليها من المؤلفين، وبالتالي تساعدك هذه الأداة في تحديد الباحثين والأطباء لإجراء مقابلات معهم بشأن قصتك التي تعدها.

إنشاء نسخة مُخصصة من شات جي بي تي

قد يكون من المفيد إنشاء نسخة مُخصصة من شات جي بي تي إذا كانت لديك احتياجات محددة عند مراجعة مجموعة واسعة من المستندات لإجراء تحقيق استقصائي أو تقرير. وتكمُن الميزة الرئيسية لإنشاء نسخة مُخصصة من شات جي بي تي في أنك لن تضطر إلى كتابة أوامر طويلة ومُفصلة في كل مرة تريد فيها استخراج رؤى مماثلة من مستندات مختلفة.

وعلى سبيل المثال، أنشأ الصحفي الفلبيني جيمارك تورديسيلا نسخة مُخصصة من شات جي بي تي باسم the COA Beat Assistant لمساعدة الصحفيين في تحليل التقارير المالية المعقدة الصادرة عن لجنة التدقيق التابعة للحكومة الفلبينية COA. وقام بتخصيص الأداة للتركيز على قسم "ملخص ملاحظات وتوصيات التدقيق المهمة" في كل تقرير، من أجل استخراج المعلومات والبيانات المتعلقة ببنود المشاريع المتأخرة وقضايا المشتريات. ووفقًا لما أشار إليه تورديسيلا فإن النموذج يقوم أيضًا بتوليد أسئلة المتابعة، وعلى الرغم من أنه واجه صعوبة في التعامل مع ملفات PDF الكبيرة والتنسيقات غير الموحدة في الوثائق الحكومية، إلا أنّ الأداة ساهمت بشكل كبير في تقليل الجهد المطلوب لتحليل عدد كبير من الوثائق.

إليكم دليلًا تفصيليًا حول كيفية إنشاء نسخة مُخصصة من شات جي بي تي. ملاحظة: بإمكان المستخدمين الذين لديهم نسخة مدفوعة من ChatGPT إنشاء نسخ مُخصصة فقط.

الإفصاح عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملك
وفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجراه الأعضاء في مبادرة ثقة الأخبار ورابطة الأخبار الرقمية (ONA) لعام ٢٠٢٤، فإنه ما يقرب من ٩٤٪ من المشاركين قد كشفوا عن استخدامهم لتقنيات الذكاء الاصطناعي في عملهم. كما أظهرت دراسة  أخرى أجرتها جامعة كانساس أن الناس يميلون إلى الثقة بالمقالات الإخبارية بدرجة أقل عندما يعلمون أن الذكاء الاصطناعي شارك في إنتاجها — حتى وإن لم يفهموا تمامًا مدى تدخله. وأضاف الباحثون في الدراسة أنه إذا لم يكن واضحًا كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي أو الغرض منه سيدفع الجمهور إلى التكهن بشأن استخدامه. لذلك، فإن الإفصاح المُفصل عن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدًا.

إليكم الطريقة التي اقترحها مبادرة "ثقة الأخبار" للإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي:
"في هذه القصة استخدمنا (الذكاء الاصطناعي/الأداة/وصف الأداة) للمساعدة في معرفة (فيما فعله الذكاء الاصطناعي/الأداة أو ساعدنا في إنجازه)، وعند استخدام (الأداة/الذكاء الاصطناعي)، قمنا بـ(التحقق من المعلومات، والمراجعة، والتأكُد من مطابقتها لمعايير الدقة والضوابط الأخلاقية). وقد مكّننا ذلك من (زيادة عمق التغطية الصحفية، وإنتاج المحتوى على مختلف المنصات الرقمية، إلخ)".

وهناك بعض الطرق الأخرى التي يمكنك من خلالها تضمين إفصاحات الذكاء الاصطناعي في عملك:
طوّر صياغات متسقة وواضحة:

(1) "استخدم هذا التحليل [اسم الأداة] لتحديد الأنماط في [مجموعة البيانات المحددة]".

(2) "تم جمع المعلومات الأساسية في هذه المقالة باستخدام أدوات بحث مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي [مثل NotebookLM] وتم التحقق منها بدقة من قِبل فريق الصحفيين والمحررين".

(3) "أُنشئ هذا الرسم المتحرك/المحتوى المرئي عن طريق [كتابة اسم الأداة]، مع التدخل البصري في التصميم [لوصف المساهمة التي قام بها المصمم]."

وضع الإفصاحات في السياق: يجب وضع الإفصاحات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بطريقة  توضح السياق بدون أن تعيق تجربة القراءة.

• بالنسبة للمشاريع الاستقصائية، قم بتضمين قسم "المنهجية" والذي يحتوي على التفاصيل التقنية. ويمكن أن يكون ذلك رابط يحيلنا إلى مستند جوجل أو صفحة ويب توضح كيفية الاستخدام الدقيق للذكاء الاصطناعي.
• وفيما يتعلق بالرسوم البيانية، يجب الإشارة إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليقات التوضيحية.
• وإذا كنت تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل منتظم لأداء مهام معينة مثل التحرير الصحفي  أو توليد الصور، فأنشئ لغة نموذجية قياسية.

تنويه: تم استخدام ChatGPT 4o في تلخيص وصف نسخة شات جي بي تي المُخصصة "COA Beat Assistant" التي أنشأها الصحفي جيمارك تورديسيلا.

فريتزشنز فريتز / صورة  GPU etched 3 / حاصلة على رخصة الاستخدام بموجب CC-BY 4.0