تعمل الصحفية الهندية بريانكا دوبي بدأب على كتاب يبحث حول الاغتصاب في الهند. وخلال الخمس سنوات في مسيرتها المهنية كصحفية إستقصائية أجرت مقابلات مع عدد لا يحصى من النساء عن مواجهتهن الوحشية مع المغتصبين.
ولكن وأثناء قيامها بالبحث في الموضوع للتحضير للقصص، اكتشفت الحاصلة على جائزة نايت للصحافة الدولية أن هناك توثيقاً محدوداً لموضوع الاغتصاب في الهند. وقالت دوبي، إن حادث الاغتصاب الجماعي الذي وقع في كانون الأول / ديسمبر 2012، أثار ضجة كبيرة ولكن لا يوجد "كتاب حقيقي غير قصصي" يدرس المسألة.
وسوف يعتمد جزء كبير من محتويات الكتاب على التقارير التي أنتجتها دوبي في الماضي كصحفية مستقلة، وكذلك أثناء عملها لمجلة هندية اسمها تيهيلكا هندي، وهندوستان تايمز. ومع ذلك، فدوبي مستمرة في البحث عن سبب استمرار الاغتصاب في الهند وما الذي يحدث للضحايا والناجيات بعد تعرضهن للاعتداء الجنسي.
دوبي ليست غريبة على سرد القصص الحساسة. فابنة مدينة بوبال والبالغة 28 عاماً تكتب في كثير من الأحيان حول قضايا النوع الاجتماعي والاتجار بالأطفال. من التحدث مع الأطفال المفقودين الذين يجبرون على العمل في المزارع للشرطيات اللواتي تواجهن المعاملة القاسية من زملائهن الضباط، أتقنت دوبي فن الصدق كمحاورة.
تحدثت دوبي لشبكة الصحفيين الدوليين عن تجاربها كصحفية إستقصائية، وأكدت على هذه النصائح للصحفيين:
كن صادقاً
كل قصة تغطيها دوبي هي "محاولة متواضعة"، كما أوضحت. لا ينبغي أبداً لأي مراسل دخول منزل أحد الأشخاص متوقعاً الحصول على قصة جيدة إذا كان إجرائهم لمقابلة هو مهمتهم الوحيدة.
أثناء إجراء مقابلات مع الناجيات من الاغتصاب، تتفاعل دوبي مع النشطاء المحليين الذين قد يعرفون الضحية. وتستغرق دوبي وقتاً في التعرف على قصته أو قصتها أولاً. ثم تجلس مع الشخص حتى يصبح مستعداً للحديث. ربما يكون الجميع صامتين في اليوم الأول. ولكن دوبي تعود دائماً.
"بالنسبة للقصص الإنسانية حول مواضيع حساسة مثل الاغتصاب، فالمفتاح هو الصمت"، تقول دوبي. "عليك في البداية مشاركتهم حزنهم وأن تكون معهم. ولأن هذا العمل سيساعد في ضمان حصولهم على العدالة، فأنا دائماً أسأل سؤالاً إفتتاحياً من سطر واحد مثل، ماذا تريدين أن تقولي، أو ماذا تريدين أن يحدث؟ إذا بدأت في الحديث معها، فسوف تكسب ثقتها".
واجهت دوبي أشخاصاً لا يريدون التحدث، لكنها تثابر بشكل هادىء وحذر. رفضت نيتو كومار في البداية التحدث مع دوبي، وهي شرطية تعرضت لاغتصاب جماعي بينما كانت في الطريق إلى جنازة شقيقتها.
كانت كومار قد تعبت من التحرش اللفظي الذي تعرضت له من قسمها، مركز شرطة لاتيهار، عندما تحدثت مع وسائل الإعلام عن قضيتها.
وتتذكر دوبي أنه بعد رفض كومار الحديث، فقد قدمت لها طلباً أخيراً قبل أن تغادر، "إذا تحدثتي معي، فستكون هذه مساعدة كبيرة . سيساعد هذا على إخراج الأمر للنور، وأن نظهر للناس أن هناك رسالة".
تراجعت كومار، وأضافت قصتها إلى سلسلة دوبي ذات الثلاث أجزاء حول وضع الشرطيات في الهند. قام زملاء دوبي الصحفيون كذلك بتغطية القضية، وبعد أشهر قليلة من نشر سلسلة دوبي، أعلنت حكومة دلهي أنها ستزيد نسبة النساء ضمن قوة الشرطة.
وتتذكر دوبي أنها قالت لكومار، "سعادتك وسلامتك العقلية أكثر أهمية بالنسبة لي من هذه المقابلة".
وأضافت "أعتقد أن هذا أثّر فيها". "عليك فقط أن تكون صدقاً. في معظم الحالات، يكون هذا مؤثراً ومفيداً".
قم بواجبك
تقيم دوبي في دلهي، ولكن حتى الآن، فإن العديد من تقاريرها قامت بها في جميع أنحاء المناطق الشمالية من الهند. وعلى الرغم من أنها ولدت في بوبال وغطت قصصاً في جميع أنحاء ولاية ماديا براديش، إلا أن الهند ضخمة جداً بحيث أنه سيكون من المستحيل معرفة كل قرية أو مدينة جيداً.
قبل الذهاب إلى المنطقة التي ستقوم بالتغطية الصحفية فيها، تقوم دوبي بأبحاث واسعة، وتشجع صحفيين آخرين على القيام بواجبهم.
توصي دوبي بقراءة الصحف المحلية الصادرة باللهجات الإقليمية، وبالبقاء على اتصال مع المراسلين في المنطقة، والتحدث إلى خبراء وتطوير الكثير من الخطط لمعرفة ما يجب عمله عندما تنزل فعلاً إلى الشارع. ولكي تقوم بعمل صحفي لمدة يومين، تقول دوبي إنها قد تستغرق حوالي 20 يوماً في الاستعداد.
أثناء قيامها بتغطية موضوع الأطفال المختطفين من دلهي للعمل في المنطقة المنتجة للسكر في ولاية أوتار براديش، كان الواجب الذي على دوبي القيام به هو تصميم استبيان حتى يمكن أن تتظاهر بأنها باحثة زراعية. توجهت دوبي إلى مزارعين، وسألت أسئلة بحثية بسيطة وتعاملت بود معهم. وكان من المعتاد أن يقدموا لها المرطبات، وكانت تنتظر لترى من الذي سيجلب لها الماء.
"كنت أرى أن الصبي الذي يجلب لي المياه ليس من المقيمين بالمكان"، تتذكر دوبي. "لون بشرته، وملامحه، والطريقة التي يتحدث بها- تدرك على الفور أنه ليس من هناك".
استخدمت دوبي كاميرا "الباحث" لالتقاط صور للأطفال، وظهرت الصور في تقريرها،الذي نشر في تيهيلكا.
القيام بمهام بشكل سري يبدو مثيراً، وقيام دوبي بالمهمة كباحثة يصنع قصة جيدة، ولكن ذلك لم يكن ليصبح ممكنا إذا لم تكن قد خططت دون كلل أو ملل لهذه الرحلة.
بناء الشبكات الشخصية والمهنية
على مدى السنوات الخمس الماضية كصحفية، بنت دوبي شبكة جيدة من المصادر المهنية في مناطق مختلفة في شمال الهند. يساعد هؤلاء دوبي على التركيز على البحث عن المعلومات في أي مكان تقوم فيه بعملها. وتساعدها هذه المصادر على الاستعانة بسائقين يمكن الاعتماد عليهم إذا كانت في الميدان. وهذا أمر ضروري، لا سيما عندما تقوم دوبي بالعمل في قرى نائية حيث تقل أو تنعدم الإتصالات.
في حين أن المجتمع المهني هو الأمر الحاسم بالنسبة لدوبي لحسن سير العمل، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على شبكة الموارد البشرية الخاصة بها، والتي تصفها بأنها "أكبر رأسمال لأي مراسل. "
"يمكن أن تتغير المؤسسات، كل شيء قد يموت أو يسقط، ولكن الأسرة من المصادر المحلية والمراسلين المحليين التي تقومون بتطويرها هي الداعم الحقيقي لكم"، تقول دوبي. "الشبكة المهنية لها حدودها. لا أحد سيضع حياته على المحك من أجلك مقابل بضعة دولارات أو بضعة آلاف روبية. ولكن (بفضل) شبكتي الشخصية، الجميع يعرف أنه لا يمكن لمسي وأن هناك عواقب لذلك".
اعتن بنفسك
دوبي الآن صحفية مستقلة. غادرت تيهيلكا لتكريس الوقت للقصص الهامة طويلة الأمد. الموضوعات التي تغطيها غالباً ما تكون كئيبة، وتعترف دوبي أن هذا أثّر سلباً على صحتها النفسية والجسدية، قائلةً إن الصحفي يشعر بالقلق أكثر.
"ما زلت أشعر شعوراً جيداً لأنني لم أصبح قاسية"، تقول دوبي. "ما زلت أبكي أحياناً أثناء الكتابة كما اعتدت أن أفعل في بداية عملي... أدركت منذ سنة أنني قد فقدت القدرة على الشعور بأنني طبيعية وسعيدة".
وحتى تعتني بنفسها، تحاول دوبي الحصول على راحة ما بين القصص وتقوم بقضاء بعض الوقت مع الناس. بغض النظر، هي ملتزمة بعملها. وبدأت بالفعل التفكير بالخمس سنوات القادمة. "يوما ما، أخطط لبدء منصة للموضوعات الطويلة باللغتين الهندية والإنجليزية. نحن في حاجة لبدء حركة لإنقاذ صحافة الموضوعات الطويلة".
الصورة الرئيسية لآشلي نجوين.