الصحفي والحماية النفسية من الضغوط والصدمات

Oct 10, 2022 في موضوعات متخصصة
صورة للحملة

في الوقت الذي يتعرّض فيه الصحفيون والعاملون في المجتمع المدني للضرر النفسي والإجهاد المستمر نتيجة المتابعة المستمرّة للأخبار السلبية والمقلقة، إلى جانب طبيعة عملهم الضاغط وغير الآمن، برزت مبادرات محدودة في العالم العربي تسلّط الضوء على أوجاعهم ومشاكلهم، ومن بينها "سلامتك تهمنا"، وهي حملة أسّستها مجموعة من الصحفيين والعاملين بالمجتمع المدني في مصر، بهدف جعل اليوم العالمي للصحة النفسية هذا العام فرصة للحديث عن هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون أحيانًا في محيط ضاغط.

ويتفاوت تأثير هذا الضغط من شخص إلى آخر، وتكون حالات الضعف أكثر لدى أولئك الذين يواجهون مشكلات كبيرة، ويجدون أنفسهم عاجزين عن حلّها، ويمكن تصنيف العمل الصحفي تحت هذا النوع، أو ما يمكن أن يطلق عليه "العمل في بيئة ضاغطة". 

وتلعب البيئة المحيطة دورًا مهمًّا ومؤثرًا في تقديم الدعم النفسي، وذلك من خلال أمور تبدو بسيطة، مثل وضع روتين يومي، إضافة إلى الحصول على الدعم الأسري، خصوصًا وأنّ الدعم من المقربين كالأهل والأصدقاء، يظهر تأثيره جليًّا من حيث سرعة التعافي من الصدمة أو الضغوط. 

في هذا السياق، تقول الصحفية إيناس سالم (اسم مستعار): "حاولت الانتحار مرتين. فقد وصلتُ إلى مرحلة من الشعور بأنني غير قادرة على مساعدة نفسي، وإعطاء نوع من الأمل للمظلومين الذين أكتب عنهم. وعوضًا عن الضغط الشديد الذي عانيته بسبب عملي وتغطيتي للكثير من القصص المأساوية، واجهت انتهاكات أخرى تمثلت بالتشهير بي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحريض أسرتي والمجتمع ضدي". 

كما واجهت إيناس شائعات ولاحقتها اتهامات متعددة تهدف إلى إسكات صوتها، حتى وجدت نفسها عاجزة، كما أنّ عائلتها تحولت إلى سبب إضافي لتردي حالتها النفسية، لا سيما أنّ أفرادها يواجهون ضغط المجتمع ويستجيبون له. وعقب أشهر من الانكفاء الذاتي، بدأت إيناس تتحسس طريقها نحو النجاة عبر مساعدة إحدى صديقاتها، وتضيف: "لقد كان إحساسي بوقوفها إلى جانبي وتقديم نصائح وإرشادات يومية للتخلص من الضغوط والمخاوف الذاتية أمراً بالغ الأهمية. فقد كنت بحاجة إلى التقليل من شعوري بخسارة الجميع من حولي. وكانت صديقتي هي من تبقى لي في ظل معاناتي، وهي من ألهمتني للصمود والعودة مجددًا".

تضعنا تجربة الصحفية التي فضلت عدم ذكر اسمها أمام تساؤل مهم يتعلق بالصحة النفسية والعقلية للصحفيين، لا سيما أولئك الذين يعملون على قضايا مرتبطة بالانتهاكات وحالات الاختفاء القسري والتعذيب ويقابلون الضحايا والتداعيات التي تترك آثارًا سلبية لديهم في حياتهم العملية، وكذلك الشخصية والتي تغذيها الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة. فهل نحن قادرون على تجاوز الضغوط النفسية وحدنا؟ وهل يمكننا الحيلولة دون الوقوع في الاكتئاب الشديد والوصول إلى التفكير بالانتحار؟ 

"يستطيع أي شخص يواجه ضغوطًا نفسية بأشكالها المتعددة أن يحدّ منها بطريقة ذاتية قبل أن يصل إلى مرحلة زيارة الطبيب النفسي، إذ أنّ قدرة الفرد على تحمل الضغوط ليست قليلة، فالإنسان يتمتع بقدرة فطرية على التكيف، وتحمل الضغوط ومحاولة التعامل معها بطرق كثيرة. لكن أحيانًا لا تستطيع هذه القدرة استيعاب المزيد من الضغوط، أو تفشل الطرق التقليدية في تجاوزها، وهنا تأتي أهمية اللجوء إلى استشارة الطبيب النفسي في مراحل معينة"، بحسب ما قالته دانيا بشناتي، وهي أخصائية نفسية ومستشارة اجتماعية، في ندوة متخصصة حول المحافظة على الصحة النفسية عند الإبلاغ عن القصص المؤلمة والصدمات، نظمها منتدى باميلا هوارد لتغطية الأزمات العالمية التابع للمركز الدولي للصحفيين (ICFJ).

 

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                            

وأشارت بشناتي إلى أنّ أهم الخطوات التي يفضل أن يبدأ بها الصحفيون والعاملون في مجال حقوق الإنسان تكمن بالاعتراف بالمشكلة وعدم تجاهل مؤشراتها التي عادة ما تكون بمثابة تشتت ذهني، وقلق وشعور دائم بالإرهاق، أو الغضب الزائد، والشعور بالذنب وغيرها من علامات تشكل أجراس خطر على الصحفي أن يتعامل معها بجدية. 

ومن المهم أن نعرف أنّ الكثير من قضايا المجتمع ومشاكله التي يتعامل معها الفرد تؤثر بصورة أو بأخرى على حياته، ومن الصعب أن يتخلص من كل ما يواجهه من تحديات، فالشعور النفسي يبقى حاضرًا، وعلينا التعامل معه بطريقة موضوعية ومنهجية.  

ولعل واحدة من أهم النصائح التي يتحدث عنها المستشارون النفسيون في دليل العناية الذاتية للصحفيين المعرّضين للصدمات النفسية الذي أنتجه مركز دارت للصحافة والصدمات هي الحاضنة الإيجابية للصحفي لإبقائه في حالة من الاستقرار النفسي والعاطفي، وتلك الحاضنة يمكن أن تكون أصدقاء أو أسرة أو فريق عمل وغيرهم.  

وتتمثّل الخطوة الأولى في رحلة الصمود في وجه الصدمات النفسية والتعافي منها، في خلق منظومة داعمة تساعد في تحسين الصحة النفسية، فكل ما قامت به صديقة الصحفية التي ذكرنا قصتها في بداية المقال هو محاولة التصدي للمخاوف الداخلية لصديقتها، وتعزيز النقاط الإيجابية. إنّ جعل الفرد الذي يواجه وضعًا نفسيًّا مضطربًا يشعر أنه ليس وحيدًا يعدّ من أبرز الوسائل الناجحة لتجاوز حالات الشعور بالخيبة وتوجيه اللوم للذات.  

من جهته، نصح د. خالد ناصر، وهو أخصائي نفسي، أثناء ورشة تدريبية نفذها لفريق منصة المشاهد نت اليمنية التي شاركَ ممثلوها في برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين، باقتطاع جزء من الأسبوع لأخذ استراحة بعيدًا عن كل ضغوط العمل، والخروج مع أصدقاء مقربين؛ إذ تعد خطوة مهمة وضرورية. كما يحتاج الصحفي بين فترة وأخرى إلى قضاء وقت بعيدًا عن الضغوط التي تحملها طوال الأسبوع، وبالتالي فإنّ كسر الرتابة في برنامجك اليومي هو أمر في غاية الأهمية.  

كذلك من المهم أن تحاول التعامل مع مخاوفك بنوع من الصراحة، أي أن تعترف بالقلق الداخلي، وبالشعور المتقلب الذي يسكنك؛ لأن ذلك مهم حتى تستطيع التكيف بشكل إيجابي معه، والتخلص التدريجي من كل المشاعر السلبية. 

نصائح عامة للصحفيين ليحافظوا على صحتهم النفسية: 

  • تذكر أنك لست محصنًا ضد التأثير العاطفي، وأن أي خبر تغطيه يمكن أن يؤثر على صحتك النفسية ويراكم القلق، لذا من المهم مراقبة حالتك النفسية طوال الوقت ومعرفة متى تحتاج إلى زيارة طبيب نفسي. 
  • قبل الانطلاق لتنفيذ أي مهمة، كن مدركًا لذاتك وحاول أن يكون لديك فهم واضح للمكان الذي تقف فيه مع مواقفك ومحفزاتك ونقاط قوتك وضعفك فيما يتعلق بمهمتك. 
  • من المهم معرفة كيفية إجراء مقابلات مع ضحايا العنف ووضع حدود فاصلة حتى لا تتأثر عاطفيًا بحالتهم.
  • التركيز على صحافة الحلول وليس المشكلة فقط، فهذا من شأنه إصدار بريق أمل للصحفي والجمهور على عكس صحافة الأخبار التي تسلط الضوء على المشكلة فقط.   
  •  بعد إجراء مهمة عمل شاقة وكبيرة خذ قسطًا من الراحة ابتعد فيه عن بريدك الإلكتروني والأخبار الجادة، ولا تبدأ مهمة عمل أخرى سوى بعد الشعور بأنك مستعد لها.  

إذا شعرت بالضغط النفسي بسبب عملك أو أنك غير قادر على الإنتاج أو الاستمرار في العمل، يمكنك التسجيل لحضور جلسات تدريبية ضمن برنامج "المرونة" للصحة النفسية الذي أطلقه المركز الدولي للصحفيين ومؤسسة The Self Investigation وحضور دورة تدريبية متخصصة بمخاطر التوتر ومهارات إدارة الإجهاد، وإدارة الانتباه، ووضع حدود مع العالم الرقمي، والإدارة العاطفية.

كما يمكن طلب الدعم من الجهات التالية: 

منظمة روري بك.

لن أبقى صامتة من أريج.

فرونت لاين ديفيندر.

مركز النديم لضحايا العنف والتعذيب.
 

أعدّ هذا المقال فريق "سلامتك تهمنا" ونشرته شبكة الصحفيين الدوليين.

الصورة الرئيسية من فريق الحملة.