الذكاء الاصطناعي في خدمة الصحافة: أداة للتمكين أم سلاح خفي؟

بواسطة سيرين عبيدي
Sep 6, 2024 في موضوعات متخصصة
صورة تعبيرية عن الذكاء الاصطناعي

في ظل التقدم السريع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، برزت مخاوف جديدة تتعلق بالتهديدات التي تواجه الصحفيين، وخاصة الصحفيات الاستقصائيات.

لم يعد التهديد يقتصر على المخاطر التقليدية التي اعتاد الإعلاميون مواجهتها، بل أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية تُستغل بطرق خبيثة لاستهداف الصحفيات العاملات في مجال التحقيقات. هذه الظاهرة المثيرة للقلق تتزايد مع تعقيد الأساليب التي يتم بها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإسكات الصحفيات، سواء عبر حملات التشهير، أو نشر الأخبار الزائفة، أو حتى التلاعب بالمعلومات بشكل يهدد أمنهن الشخصي والمهني. كيف يتم توظيف هذه التقنيات بشكل يساهم في تفاقم التحديات التي تواجه الصحفيات الاستقصائيات؟ وكيف يمكن للإعلاميين والمجتمع مواجهة هذا الخطر المتزايد؟ 

في الحلقة الثانية من بودكاست شبكة الصحفيين الدوليين، ناقشنا مع الدكتورة رضوى عبد اللطيف، وهي محاضرة في الإعلام الرقمي في الجامعات المصرية ومديرة تحرير صحيفة الأخبار المصرية والمتخصصة في الذكاء الاصطناعي، كيف يتم توظيف الذكاء الاصطناعي لاستهداف الصحفيات الاستقصائيات، وهي ظاهرة باتت تثير قلقاً متزايداً في أوساط الإعلاميين. 

أوضحت الدكتورة رضوى أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم في تعقب الصحفيات من خلال تتبع سلوكهن على وسائل التواصل الاجتماعي وتحليل تفاعلاتهن الرقمية. هذا التتبع يمكن أن يشمل استخدام برامج تجسس مثبتة على هواتفهن المحمولة لرصد تحركاتهن ومراسلاتهن، مما يجعلهن عرضة للابتزاز الرقمي. كما يتم تحريف الصور والفيديوهات الشخصية ونشرها في مجموعات مشبوهة، أو استخدامها لإنتاج محتوى ضار يشوه سمعة الصحفيات ويخرج أقوالهن عن سياقها الحقيقي. 

الذكاء الاصطناعي ودوره في نشر المحتوى الزائف 

تطرقت الدكتورة رضوى أيضًا إلى دور الذكاء الاصطناعي في نشر المحتوى الزائف، موضحة أن تقنيات التزييف العميق (Deepfake) التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تُستخدم بشكل متزايد لإنشاء فيديوهات وصور مزيفة يصعب تمييزها عن الحقيقية. هذا النوع من المحتوى الزائف يمكن أن يؤثر بشدة على مصداقية الصحافة الاستقصائية، إذ يتم التلاعب بالحقائق وتقديم روايات كاذبة تضلل الجمهور. 

تساهم هذه الأدوات في تضخيم المحتوى الكاذب وتوجيه الرأي العام بعيداً عن الحقائق، مما يشكل تحدياً كبيراً للصحفيين الاستقصائيين الذين يعتمدون على الدقة والموضوعية في تقاريرهم. 

أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في حماية الصحفيات الاستقصائيات 

إليك بعض الأمثلة على أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تساعد الصحفيات الاستقصائيات في حماية أنفسهن من التهديدات الرقمية والهجمات الإلكترونية: 

أدوات الحظر والتحليل الذكي للصور والفيديوهات 

PhotoDNA: تساعد هذه الأداة في تحديد الصور التي تم التلاعب بها أو استخدامها بطرق غير قانونية عبر الإنترنت. 

Truepic: توفر وسائل للتحقق من صحة الصور ومقاطع الفيديو، مما يساعد في اكتشاف التزييفات العميقة (Deepfakes). 

أدوات التنبؤ والتحذير من الاختراقات 

FireEye: شركة متخصصة في الأمن السيبراني تستخدم الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الهجمات السيبرانية والتحذير منها. 

CrowdStrike: توفر حلولًا تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة وحماية الأجهزة والشبكات من التهديدات المحتملة. 

أدوات التلخيص والترجمة 

GPT-4: نموذج للذكاء الاصطناعي يمكنه تلخيص النصوص الطويلة وتحويلها إلى معلومات مختصرة وسهلة الفهم. 

DeepL Translator: مترجم يستخدم الذكاء الاصطناعي لترجمة النصوص بدقة عالية إلى لغات متعددة، مما يمكن الصحفيات من التواصل مع جمهور أوسع. 

برامج تحويل النصوص إلى محتوى مسموع 

Audm: أداة تحول المقالات والتقارير الطويلة إلى محتوى صوتي يمكن الاستماع إليه عبر التطبيقات الصوتية. 

NaturalReader: تحويل النصوص المكتوبة إلى صوت باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. 

أدوات التدقيق والتحقق 

Grammarly: أداة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتدقيق النصوص المكتوبة والتأكد من خلوها من الأخطاء النحوية والإملائية. 

Factmata: منصة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل وتقييم المحتوى للكشف عن الأخبار الزائفة والتحيزات. 

أدوات لتحليل المصادر المفتوحة 

Maltego: أداة قوية تستخدم لجمع وتحليل المعلومات من المصادر المفتوحة، مما يساعد الصحفيات في إجراء تحقيقات معمقة. 

OpenAI Codex: يمكن استخدامه لتحليل البيانات الضخمة واستخراج المعلومات المهمة التي تدعم التحقيقات الاستقصائية. 

أدوات لصناعة المحتوى الاستقصائي 

Descript: برنامج يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحرير وتعديل الصوتيات والفيديوهات، مما يسهل إنشاء محتوى استقصائي متنوع. 

Trint: أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحويل التسجيلات الصوتية إلى نصوص، مما يوفر الوقت والجهد في عمليات التفريغ. 

أدوات الترجمة المتقدمة 

iTranslate: تتيح هذه الأداة ترجمة المحتوى إلى أكثر من 100 لغة، مما يضمن وصول المحتوى الاستقصائي إلى جمهور عالمي. 

Google Translate: أداة شائعة تساعد في الترجمة الفورية للنصوص، ويمكن دمجها في التطبيقات لتوفير خدمة الترجمة المباشرة. 

أدوات الحماية الشخصية الرقمية 

Signal: تطبيق مراسلة مشفر يستخدم الذكاء الاصطناعي لضمان سرية الرسائل والمكالمات بين الصحفيات ومصادرهن. 

LastPass: مدير كلمات مرور يستخدم الذكاء الاصطناعي لتأمين وحفظ كلمات المرور بطريقة مشفرة، مما يحمي الحسابات الشخصية من الاختراق. 

باستخدام هذه الأدوات، يمكن للصحفيات الاستقصائيات تعزيز حمايتهن وتحقيق مستويات أعلى من الدقة والمصداقية في أعمالهن، مع مواجهة التحديات التكنولوجية الحديثة. 

ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الصحافة الاستقصائية، تنشأ مجموعة من التحديات الأخلاقية والقانونية التي تحتاج إلى اهتمام خاص. في هذا السياق، أكدت الدكتورة رضوى عبد اللطيف أن الأطر القانونية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة ما زالت في مرحلة التطوير وتختلف بشكل كبير من بلد إلى آخر. بناءً على هذا الوضع، يصبح من الضروري أن يكون الضمير المهني هو القاعدة الأساسية التي يعتمد عليها الصحفيون عند استخدام هذه التقنيات. 

الضغوط الأخلاقية 

حماية البيانات الشخصية: تختلف قوانين حماية البيانات الشخصية من بلد إلى آخر، وقد يصبح الصحفيون في مواجهة تحديات قانونية إذا لم يلتزموا بالقوانين المتعلقة بجمع ومعالجة البيانات الشخصية. من الضروري أن يكون الصحفيون على دراية بالقوانين المحلية والدولية المتعلقة بحماية البيانات لضمان الامتثال والتقليل من المخاطر القانونية. 

احترام الخصوصية: في ظل تزايد قدرات الذكاء الاصطناعي على تتبع وتحليل البيانات الشخصية، تبرز قضية انتهاك الخصوصية كأحد التحديات الكبرى. يجب أن يكون الصحفيون حذرين بشأن استخدام هذه الأدوات بطريقة تحترم حقوق الأفراد. يتطلب ذلك الحصول على موافقات واضحة عند جمع البيانات وتجنب استخدام التقنيات التي قد تؤدي إلى انتهاك الخصوصية الشخصية بشكل غير مبرر. 

التحيز والتوازن: تعتمد أدوات الذكاء الاصطناعي على البيانات التي قد تحتوي على تحيزات ضمنية. هذا يمكن أن يؤدي إلى تقارير غير متوازنة أو مضللة. لذا، من الضروري أن يكون الصحفيون واعين للتحيزات المحتملة في البيانات وأن يسعوا إلى تحقيق التوازن والموضوعية في تقاريرهم. 

التحديات القانونية 

الحقوق القانونية والتراخيص: قد يتداخل استخدام الذكاء الاصطناعي مع حقوق الملكية الفكرية، خاصة عند تحليل بيانات محمية أو إنشاء محتوى يعتمد على مواد محمية. الصحفيون بحاجة إلى فهم قوانين حقوق الطبع والنشر والتراخيص لتجنب التعرض لمشكلات قانونية تتعلق بالملكية الفكرية. 

الافتقار إلى التشريعات الموحدة: نظراً لأن تشريعات الذكاء الاصطناعي ما زالت في طور التطوير، فإن الصحفيين قد يواجهون تحديات في ظل قوانين غير مكتملة أو غير واضحة. يتطلب ذلك من الصحفيين اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على مبادئ الأخلاقيات المهنية ومراعاة الأطر القانونية الحالية. 

الضمير المهني والنزاهة 

في ظل هذه التحديات، أكدت الدكتورة رضوى عبد اللطيف أن الضمير المهني يجب أن يكون الحكم الأساسي في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك من الصحفيات الالتزام بالمبادئ الأخلاقية والنزاهة في عملهن، بما في ذلك: 

الشفافية في استخدام الأدوات: يجب على الصحفيات الكشف عن استخدامهن لأدوات الذكاء الاصطناعي في تحقيقاتهن كجزء من الأمانة المهنية. هذا يشمل توضيح كيفية استخدام هذه الأدوات وما إذا كانت قد أثرت على نتائج التحقيقات. 

المهنية في جمع وتحليل البيانات: ينبغي أن تكون هناك معايير واضحة لجمع وتحليل البيانات لضمان دقة المعلومات وموضوعيتها، مما يعزز مصداقية الصحافة الاستقصائية. 

التزام بالأخلاقيات القانونية: يجب على الصحفيات الالتزام بالقوانين واللوائح المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وحماية البيانات، حتى في ظل غياب الأطر القانونية الموحدة، لضمان عدم تعرضهن للمساءلة القانونية أو الأخلاقية. 

ختامًا يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين؛ إذ يمكن أن يكون أداة قوية في أيدي الصحفيات الاستقصائيات لحمايتهن وتحقيق إنجازات مهنية كبيرة، ولكنه أيضًا يشكل تحدياً كبيراً إذا ما استُخدم لأغراض ضارة. تبقى مسؤولية الصحفيات في البقاء على اطلاع دائم بالتطورات التكنولوجية والاستفادة من الأدوات المتاحة لحماية أنفسهن ولضمان أن تبقى الصحافة الاستقصائية قوة فاعلة في المجتمع. 

 

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة إيجور أوميلوف.