خلال السنوات الأخيرة، عرفت صناعة البودكاست إقبالًا كبيرًا وحظيت بمتابعة قاعدة جماهيرية تتزايد يومًا بعد يوم، ويعود ذلك بالأساس إلى وجود قنوات مختلفة وتجارب رائدة ساهمت بالنشر والتعريف بهذا المحتوى في العالم العربي بعد سنوات من ظهوره في الغرب، وتحديدًا سنة 2004.
ويعود أصل التسمية إلى الصحفي البريطاني في صحيفة الجارديان بين هامرسلي، حيث تمّ اقتباسها من كلمة "Pod" المستوحاة من جهاز شركة آبل ''iPod'' و"Cast" المستوحاة من كلمة Broadcast والتي تعني إذاعة.
وفي هذا الصدد، يؤكد عبد الإله أرحال وهو صانع محتوى مغربي منذ العام 2006، في مقابلة مع شبكة الصحفيين الدوليين على ضرورة رفع اللبس في تسمية البودكاست الذي يتم الخلط بينه وبين بعض المحتويات المصورة، ففي السنوات الأخيرة نجد المحتوى الصوتي مصورًا على منصات عرض الفيديو مثل "يوتيوب" وذلك لتحقيق انتشار أكثر وألا يظل حبيس منصات البودكاست.
ويقول أرحال الذي راكم سنوات من الخبرة مع عدة شركات في صناعة الوثائقيات والبودكاست قبل أن يتجه إلى تقديم محتوى تعليمي خاص به في مجال البرمجيات، إنّ نجاح البودكاست يعتمد بالأساس على:
- نقل معلومات مستجدة وغير مستهلكة للمتلقي.
- المصداقية والابتعاد عن المعلومات الخاطئة أو المضللة.
- احترام المتلقي.
وفي حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين، يوضح يوسف التبالي، صاحب بودكاست ''الحلم المغربي'' وهو برنامج يعرض على مجموعة من المنصات الرقمية، ويهدف إلى استضافة شخصيات وقصص ملهمة في مجالات متنوعة، ويتابعه الملايين من المغاربة، سبب اختياره للبودكاست، موضحًا أنّ رغبته في تقديم محتوى إيجابي ومفيد وإيمانه بأنّ التدوين الصوتي يعدّ صناعة واعدة، كانا الدافع للعمل في هذا المجال بالإضافة إلى كونه يتماشى مع شخصيته وقدرته على الاستماع للآخر والحديث معه وجعله يعبّر بارتياح.
ويضيف التبالي في حديثه، أنّ على من يرغب في ولوج عالم البودكاست أن يطرح على نفسه سؤال ''لماذا أريد هذا النوع بالذات؟''، هل فقط لإقبال الجمهور عليه أو لأنه ما يناسب رؤيتي وأهدافي؟. وليس هذا فحسب بل يتوجب عليه أيضًا إتقان مجموعة من المهارات كمهارة الإلقاء والقدرة على شد انتباه المتلقي لمدة طويلة بدون ملل.
ويعتبر أنّ الصحفيين أولى بصناعة البودكاست، موضحًا أن "الصحفي مؤهل أكثر للبحث عن المعلومات والتدقيق في المصادر وتكوينه يجعله أفضل من غيره من صناع المحتوى البعيدين عن مجال الإعلامي، إذ ما عليه إلا أن يستثمر معارفه وقدراته الصحفية والتقنية ومواكبة تطورات وتقدم الإعلام الرقمي".
ويعد خلق شخصية مميزة لها بصمتها الخاصة وتعبر عن صانع المحتوى بعيدًا عن القوالب الجاهزة والتقليد، من أهم أسباب نجاح البودكاست حسب التبالي، الذي يؤكد أنّ اعتياد مشاهدة الأشخاص للفيديوهات القصيرة "ريلز" ليس عائقًا أمام نجاح البودكاست الذي قد يصل في بعض الأحيان لساعتين من الزمن. ويكمن التحدي في تقديم معلومات مثيرة للاهتمام بطريقة سلسة وتبسيطها لتصل لأكبر عدد ممكن من الأشخاص، بالإضافة إلى أنّ الحديث كلما كان تلقائيًا وعفويًا سيجذب انتباه المتلقي حتى نهاية الحلقة.
ومن جهته، يعتبر أرحال أنّ مستقبل البودكاست يبعث على التفاؤل، لكنّ "سوق البودكاست" كما أسماه سيعرف زخمًا كبيرًا من حيث العدد ولن ينجح سوى المحتوى المتميز و المعدّ جيدًا من ناحية الشكل والموضوع. وهذه بعض النصائح التي يقدمها للراغبين في تقديم محتوى البودكاست:
- الاستمرارية: تعدّ من أهم أسس النجاح. بحيث إذا كنت تنشر حلقة/فيديو واحدًا في الأسبوع استمر مهما حدث، فالتوقف عن النشر سيعيدك إلى نقطة الصفر، ولكن ليس على حساب جودة المحتوى.
- تحري المصداقية: لأنّ محاولة الكذب في العناوين أو المعلومات من أجل زيادة عدد المشاهدات مضر جدًا بسمعتك وسوف يجعل الناس يبتعدون عنك.
- لا تكن مثاليًا: البحث عن المثالية أو انتظار تحقيقها هو أمر يقتل الحافز والاستمرارية ويمكن أن يجعلك تتأخر أو تتخلى عن فكرتك.
- اعمل الآن: يجب عليك أن تعمل على تطوير نفسك بشكل مستمر وتأجيل الراحة حتى تنهي عملك مهما يكن، لتقطف ثمار مجهوداتك في المستقبل.
ويؤكد أرحال أنّ مستقبل البودكاست في المنطقة العربية سيكون مشرقًا على اعتبار أنّ مجموعة من الوسائل الإعلامية الكبرى أصبحت تتجه لصناعة محتوى البودكاست وتخصيص موارد مهمة له، وهو الأمر الذي يبشر بصناعة تنافسية سيتصدّر فيها "البودكاست" المشهد الإعلامي في المنطقة العربية، مشيرًا في الوقت ذاته إلى ضرورة التركيز على المحتوى الإيجابي والهادف لضمان الاستمرارية والوصول لفئات واسعة من الجماهير.
في السياق ذاته، يؤكد يوسف على ضرورة التمتع بمهارات جيدة لتحقيق الفرق والتميز في البودكاست ولعلّ أبرزها حسن الإنصات والسلاسة في تدفق المعلومات بالإضافة إلى العفوية والتلقائية في محاورة الضيوف، مشيرًا إلى أنّ العديد من الصحفيين يتمتعون بمهارات جيدة لإنجاح البودكاست وخبراتهم في التقصي والبحث عن المعلومات ستؤهلهم لصناعة محتوى أكثر جاذبية وله فائدة بالنسبة للمتلقي.
وفي الختام، أكد الضيفان على القيمة المضافة لأي محتوى، مشددين على الابتعاد عن الأفكار النمطية والمحتوى المتشابه، حيث يؤكد أرحال أنّ كسب ثقة الجمهور هي معادلة صعبة تحتاج لجهد كبير ومحاولة متواصلة للإبداع والابتكار.
يشاركه في الرأي يوسف إذ يقول إنّ على الراغبين بالتخصص في صناعة البودكاست أن يبتعدوا عن المحتوى المستنسخ والرائج، وأن يكونوا دائمًا مواكبين لتطور الأحداث ولاهتمامات الجمهور، خصوصًا في ظل تسارع الأحداث وتطور الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي التي ستؤثر بشكل كبير على صناعة المحتوى.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة أوستن ديستيل.