مرحبًا.. اسمي ماتيا بريتي وأنا زميل بزمالة نايت التابعة للمركز الدولي للصحفيين للعام 2024، وأصبحت زميلًا لأستكشف كيف باستطاعة المؤسسات الإخبارية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لخدمة مجتمعاتها بطريقة أفضل، وقضيت الأسابيع الماضية في الحديث مع الكثير من الأشخاص الخبراء في المجال لفهم بيان المشكلة هذا، ومعرفة ما يمكن بناؤه منه.
لقد تعلمت أمورًا كثيرة، لكن أهم نقطتين هما: أولًا، بيان المشكلة في حاجة لقلبه رأسًا على عقب: إذ إنّ التعبير "كيف يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي" يُعد تأطيرًا خاطئًا، وثانيًا، لقد وصلنا إلى نقطة تحول في مجال الصحافة وهناك تزايد في توافق الآراء: لا يمكننا أن نجعل مهنتنا أكثر استدامة بدون حلول جذرية جديدة وتطوير منتجات يريدها المستخدمون بالفعل. وفي هذا السياق، فالدور الذي قد يلعبه الذكاء الاصطناعي في تطوير هذه المنتجات غير ذي صلة نوعًا ما.
وقررت تكريس زمالتي لوضع الأسس لإنتاج شيء جديد: مجتمع يضم الأشخاص الذين يؤمنون بأنّ الذكاء الاصطناعي بإمكانه مساعدتنا في بناء مستقبل مستدام للصحافة، ولكن سينجح هذا فقط إذا ركزنا أولاً على الشكل الذي نرغب أن يكونه هذا المستقبل، وحينئذٍ فقط يُمكننا تقييم مدى قدرة الذكاء الاصطناعي - أو عدم قدرته - على مساعدتنا في بناء هذا المستقبل وكيف يمكنه القيام بذلك.
أقدم إليكم ما أفكر فيه، وكيف يُمكنكم المساهمة فيه.
نحن نستكشف الذكاء الاصطناعي التوليدي، ولكن الجمهور غائب عن المحادثة إلى حد كبير
لقد انغمست في موضوع الذكاء الاصطناعي في الصحافة لمدة خمس سنوات، ولكن مؤخرًا فقط توصلت إلى استنتاج مهم: نحن نفهم مسألة الذكاء الاصطناعي بطريقة خاطئة إلى حد كبير.
فالصناعة التي اعتبرت نفسها "في أزمة" منذ ما لا يقل عن 15 عامًا (لا أختلق هذا الرقم: قادني بحث سريع إلى مقالة من عام 2009 تتحدث عن أزمة الصحافة، وعلى الأرجح وجود مقالات أقدم تتناول هذا الموضوع)، والتي تُدرك أنّها أخفقت بالفعل في التحول إلى الرقمنة، انضمت الآن إلى موجة الذكاء الاصطناعي لأننا "فهمنا الأمر بطريقة خاطئة في المرة الماضية، ولكن لن نُكرر نفس الخطأ مجددًا!".
ومع ذلك، فنحن نرتكب نفس الأمر. قد لا نُكرر الخطأ السابق، ولكنّنا نفهم الأمر بصورة خاطئة مجددًا. نحن نُجاري وادي السليكون، من خلال التدافع للتوصل إلى حالات استخدام لكل منتج رائع جديد يصدرونه (يا للروعة.. رائع للغاية!)، بدون وضع استراتيجية متماسكة لكيف نريد أن تُستخدم إمكانات الذكاء الاصطناعي لخدمة رؤيتنا من أجل صحافة مستدامة تُثري حياة الناس.
وبدأ الأشخاص ممن يفوقونني ذكاءً في الاعتقاد بأنّ الصحافة، كما نعرفها، لا يمكن إنقاذها، وأنا أتفق مع هذا، ولكنّني متفائل لا يلين، لذلك أؤمن أيضًا بأنّه يُمكننا إعادة اختراعها. إلا أنّ هذه المهمة لن يؤديها الذكاء الاصطناعي نيابة عنا، ولن ننجح بمجرد رشّ القليل من الذكاء الاصطناعي على ما نقوم به بالفعل. لا يمكننا إعادة اختراع الصحافة إلا من خلال تبني حقيقة أنّ مهمتنا لا تكمن في أن نكون صانعي محتوى، وإنمّا تقديم خدمة مبنية على الاستماع، وإذا ركزنا بلا هوادة على تلك المهمة، وتخلينا عن عادات التدمير الذاتي القديمة، حينئذٍ قد يكون الذكاء الاصطناعي نافعًا بالفعل.
ولقد بدأت زمالة نايت التابعة للمركز الدولي للصحفيين هذا العام بملاحظة بسيطة: لقد بدأنا في 2023 تجربة الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن غاب الجمهور تمامًا عن المحادثة في كثير من الأحيان، ولا تزال الصورة على حالها حتى الآن. إنّ الهدف وراء أغلب الأعمال المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإخبارية هو الركض وراء مكاسب هامشية في الكفاءة والإنتاجية، ونادرًا ما يكون الهدف هو استكشاف كيف يُمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي مساعدتنا في إعادة التفكير والابتكار في الطريقة التي نخدم بها جماهيرنا.
دعوني أكون واضحًا: من الأهمية بمكان مواصلة العمل لجعل الذكاء الاصطناعي التوليدي يعمل لصالحنا، من خلال جعلنا أكثر سرعة وفعالية، ولكن هذا فقط لا يكفي. نحن نضيع فرصة لا يُمكننا تحمل تفويتها إذا توقفنا عند هذا الحد وفشلنا في الاستفادة من الحماس للابتكار الذي يغرسه الذكاء الاصطناعي التوليدي لنصبح أكثر استشرافًا للمستقبل ونبتكر حقًا كيفية تقديم القيمة لعملائنا. قد يساعدنا ذلك في دفع الفواتير لفترة أطول قليلًا (وهذا أمر جيد)، ولكنّه لن يساهم في تحقيق أي استدامة مالية طويلة الأجل.
وأنا لا أؤمن أنّه ينبغي قياس حالة الصحافة بعدد الموظفين في المجال، ولكنّني لستُ غافلًا عن حقيقة أنّ جولات تسريح الموظفين العديدة في الشهور القليلة الماضية تُعد عرضًا واضحًا لمرحلة الاضطراب التي نواجهها، ولن يتحسن الوضع قريبًا، بل على العكس تمامًا: ستزداد حركة البحث مع هيمنة محرك بحث الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وما لا ندركه هو أنّ أزمة الصحافة هي مشكلة في نموذج الأعمال بقدر ما هي مشكلة في المنتج: "قد تكون وسائل الإعلام السائدة الصناعة الوحيدة في العالم التي تواصل توريد منتج لا نهاية له بدون وجود معلومات حقيقية عن حجم الطلب عليه، فهي عالقة حيث بدأت منذ عقود مضت، مع عدم وجود أدنى فكرة عن احتياجات المستخدمين، أو عاداتهم، أو توقعاتهم، وبدون أي استراتيجيات توزيع جديدة، أو أي طرق جديدة لكسب الأموال".
نحن في ورطة لأنّنا لا نلبي احتياجات مستخدمينا، وبدلًا من ذلك، نحن مهووسون بالكفاءة والإنتاجية من خلال التكنولوجيا لتحسين ما نقوم به، ولكنّنا نستمر في الأساس في مواصلة فعل ما اعتدناه دائمًا، ولكن بطريقة أرخص وأكثر فعالية قليلًا.
صناعة المحتوى ليست المهمة
إليكم ما اقترحه:
ويتحتم علينا تبني مرة واحدة وإلى الأبد تحولًا جذريًا في طريقة التفكير: قد يكون عملنا هو صناعة المحتوى، ولكن مهمتنا ليست صناعة المحتوى، وفي كثير من الأحيان ننسى هذا الفرق، وهذا يُصعب كثيرًا التفكير بإبداع في مهمتنا والطريقة المثلى لإنجازها.
وينبغي علينا التركيز على مستخدمينا واحتياجاتهم، وأن نسأل الناس عن رغباتهم واحتياجاتهم، ونستمع بصدق لما يقولونه. ويجب القيام بذلك مع الشباب على وجه الخصوص؛ لأنّهم الجمهور الذي يجب علينا أن نبني من أجله إذا أردنا الاستدامة في المستقبل.
ويتعين علينا منح أنفسنا الفرصة لتخيل منتجات وتجارب إخبارية جديدة كليًا، بدون الشعور بالتقيد بالطريقة التي تسير بها الأمور والتي ربما كانت عليها دائمًا، وبالحاجة الملحة لبناء شيء مربح على الفور لأنّنا في حالة أزمة مستمرة. نحن في حاجة إلى تبني روح الدعابة، ولكن مع هدف محدد. بعبارة أخرى، نحن في حاجة إلى تبني ثقافة البحث والتطوير: وهي مجموعة من الأنشطة المبتكرة الذي يتم تنفيذها لتطوير خدمات أو منتجات جديدة بدون الحاجة إلى تحقيق الربح الفوري.
ونحن بحاجة إلى وضع نظرية للتغيير توضح كيف نعتقد أنّ أنشطتنا ستؤدي إلى النتائج والآثار المرجوة. ما هي المشكلات التي نحاول حلها وكيف نُحددها؟ كيف يبدو المستقبل طويل الأمد الذي نريد بناءه، وما هي التغييرات قصيرة الأمد التي نحتاج إلى إحداثها لتمهيد الطريق للوصول إلى هناك؟
وبادئ ذي بدء، يتحتم علينا أن نكون على استعداد لإعادة التفكير في كل شيء: ما نفعله، وكيف نفعله، ولماذا نفعله، وما نعرفه وما لا نعرفه. وكما قال الناشر في صحيفة "نيويورك تايمز"، إيه جي سولزبيرجر، في مقابلة حديثة مع معهد رويترز: "يكمن الطريق إلى الأمام في أي فترة تحول عملاقة دائمًا في طرح الأسئلة، والتشكيك في الإجابات، وعدم التصديق حقًا في أي حلول سحرية".
وأنا أؤمن أنّه ينبغي علينا القيام بكل هذا معًا، وليس كل فرد بمفرده في مكتبه أو منزله. وأودّ اغتنام فرصة سنة الزمالة هذه، والفرصة الفريدة التي أتاحها لي المركز الدولي للصحفيين؛ لجمع مجموعة من الأشخاص الذين يؤمنون بضرورة هذا التغيير، ويرغبون في أن يكونوا جزءًا منه. أريد أن نفهم الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح معًا، ونتوقف عن اللحاق بالركب، ونستخدمه باعتباره أداة للتطلع إلى المستقبل بدلًا من ذلك.
هل تودّ الانضمام إلى هذه الحركة؟ أرسل لي بريدًا إلكترونيًا على mperetti[at]icfj[dot]org، يحتوي على بضع كلمات حول أكثر ما أثار اهتمامك في هذه المقالة، ودعونا نبدأ العمل.
الصورة الرئيسية: ياسمين أبو ضيف وLOTI / Better Images of AI / Data Processing / CC-BY 4.0.