أخلاقيات تغطية أخبار الأطفال ضحايا الحروب

Jun 28, 2023 في موضوعات متخصصة
ًصورة لمكتب وكتابة

إنّ إجراء مقابلةٍ مع طفل عانى ويلات الصراعات، تعني مبدئيًا أنّ الصحفي سيتلقى الكثير من الكلام "غير المنمق، أو المرتب"، فالأطفال كفئة من الفئات الهشة في أي مجتمع، لا يستطيعون تحديد ما يمكن أن يقال وما لا يجب أن يقال، ولا يعرفون ما إذا كان ما يقولونه سيتسبب بضرر لهم أو للعائلات التي ينتمون إليها فيما بعد. 

ولهذا، هناك ضوابط مهنية واعتبارات أخلاقية مضاعفة يجد الصحفي نفسه مطالبًا بالالتزام بها أثناء العمل على تغطية أخبار الأطفال ضحايا الحروب، فللمقابلات الصحفية معهم خصوصيةٌ تختلف عن أي مقابلاتٍ أخرى؛ لأسبابٍ منها ما يتعلق بالمقابلة ذاتها وما ستخرج به من مضمون، ومنها ما يتعلق بطبيعة الطفل نفسه. 

قد لا يدرك الأطفال فكرة أن الكاميرا التي تصورهم أو الكلمات التي تُدون على ألسنتهم، قد تبقى "وصمةً" تلاحقهم إلى الأبد داخل نظامٍ معلوماتيٍ يحتفظ بذاكرةٍ طويلة الأمد، ولا يخطر ببالهم أن مقابلاتهم تلك يمكن أن تُستجلب عبر محركات البحث بعد سنواتٍ طويلة، بمجرد كتابة الاسم أو تاريخ الحدث الذي أُجريت خلاله، بما قد يجعلهم عرضةً للخطر أو التنمر على الدوام، في حال عدم الالتزام بأخلاقيات إجراء المقابلة معهم من قبل الصحفي معد المادة. 

وفي هذا السياق، تقول المدربة في مجال تغطية القضايا الإنسانية، آلاء أبو عيشة: "عند إجراء مقابلةٍ مع طفل من ضحايا الحروب، على الصحفي أن لا يتوقع منه التصرف كراشد. بل إن تصرفاته العفوية في تلك اللحظات قد تصبح "مأخذًا" عليه بعد حين. يمكن أن يرى لعبةً فيعبث بها بينما الصحفي يسأله عن مقتل والده، يمكن أن يغنّي، أو يتثاءب مللًا. يمكن أن ينتقل من بكاء حارٍ إلى اللعب فجأة، وهذا لا يعني أنه تعافى، لكن ليس كل من سيشاهدون المقطع، أو يقرأون الوصف مكتوبًا، سيفهمون أن الأمر لا يتعدى كونه "ميكانيزما دفاعية" للخروج من حزن الفاجعة". 

وتضيف الصحفية أبو عيشة لـ "شبكة الصحفيين الدوليين": من المهم أن يدرك الصحفي أربع إشارات هامة قبيل إجراء مقابلة مع الأطفال ضحايا الحروب، وهي: 

 1.التكوين الجسدي والعقلي للطفل

الطفل مجبولٌ على خشية الحديث مع الغرباء، فقد يخيفه اقترابك كصحفي منه، بالمعدات التي تحملها (وقد تكون أول مرةٍ يراها فيها)، أكثر من الحدث الذي عاشه نفسه، خاصة إن كانت المقابلة في المناطق الساخنة ذاتها، وحينها يستلزم إجراء المقابلات وفق طريقة مختلفة عن تلك المتبعة عند إجراء المقابلات الصحفية في سياقها الطبيعي وفي أوقات الهدوء. 

2.قرب أو بعد الطفل من بؤرة الحدث 

خصوصية مقابلة طفل، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعلاقته بدائرة الحدث. هل هذا الطفل من الأطفال الذين فقدوا بيوتهم بقصف؟ إذًا هو (الطفل) مدمرٌ كما دُمرت ألعابه، تائهٌ يبحث عن سريره الدافئ. هل هو شقيق أحد القتلى؟ إذًا فقلبه مشروخٌ يبحث عن سنده. هل هو ابن قتيل أو قتيلة؟ إذًا فقلبه ينزف وهو يبحث عن المتَّكأ. صديق قتيل أو زميل صف؟ كل حالةٍ لها خصوصية أكبر، وفقًا لدرجة اقتراب الطفل من بؤرة القصة. 

3. الإنسانية أولًا

المقابلات مع الأطفال في بؤر الحرب، يجب أن يؤدي فيها الصحفي دور "المساعد النفسي" فلا تقدم نفسك كصحفي في البداية، من الجيد أن تبدأ حديثك مع الطفل من وحي حالته في تلك اللحظة، ولا تتردد في مساعدته على الهدوء، وحاوره إن كان مذهولًا صامتًا بلغةٍ بسيطة، وإذا رفض الطفل إجراء المقابلة فمن الأهمية احترام رغبته، وأن تتجنب التقاط صورٍ له من غير علمه وعلم ذويه. 

4.خصوصية اللحظة

إنّ تجربة الفقد قاسية على الكبار قبل أن تكون على الصغار، وهذا يجعل من الصعب على الأطفال التعبير عن مشاعرهم بالكامل، أو يدفعهم للتعبير عن مشاعرهم بالصراخ، أو بالصمت، أو الذهول أو اللعثمة، أو بعض التصرفات غير الوازنة، وهنا، ليس من حق أحد اختراق خصوصية اللحظة، ليس من حق أحد توثيقها لتصبح لقطةً عابرةً للقارات، أو أن تستغل في منصات التواصل الاجتماعي لجذب المشاهدات.  

وحين سألنا أبو عيشة "هل من الضروري إجراء لقاءات مع الأطفال في مناطق الأحداث من الأصل؟"، كانت الإجابة "نعم، لو لم يكن هناك بالغون يمكنهم تعويض "المادة" التي سيقدمها الطفل خدمةً للرسالة، ولكن وفق شروطٍ وأخلاقيات واضحة، لا يمكن تجاوزها". 

وتتلخّص أبرز الأخلاقيات التي يجب على الصحفي أن يتحلى بها قبل وأثناء أو بعد إجراء مقابلة مع طفل من ضحايا الحروب، في النقاط التالية: 

  • قبل المقابلة: 
  • لا يجوز مقابلة طفلٍ، مهما كان عنوان القصة، ومهما كانت درجة قربه من بؤرة الحدث، قبل أخذ إذن ولي أمره، وشرح الهدف من المقابلة له. 
  •  عرف عن نفسك وفريق العمل والوسيلة التي تعمل لصالحها، مع إبلاغ الطفل وولي أمره إذا كان اللقاء مصورًا، أو مكتوبًا، أو مسجلًا. 
  • طمئن الطفل بأنه قائد هذه المقابلة، إذا أراد أن يستريح عليه فقط أن يحرك يده للمصور، أخبره أن يبدأ كما يريد، ويتحدث بما يريده، قبل أن تتسلل كصحفي إلى السياق بأسئلتك المدروسة لتكتمل عندك الصورة. 
  • التحلي بالتعاطف، وأن تضع نفسك مكانه، قبل أن تسأل عن أي شيء، انظر ما لو كنتَ ستقبل أن يطرح عليك هذا السؤال بهذه الطريقة؟ 
  • أثناء المقابلة
  • تذكر أن مهمتك كصحفي تكمن في إجراء حوار، لا في الإملاء على الطفل ما يقوله أو يفعله. 
  • تجنّب طرح الأسئلة التي لا تراعي حساسية الموقف، أو التي تستدعي ذكريات الألم، وركز على المواقف الجيدة التي تجمعه بالشخص أو المكان، اسأله عن حلمه في هذه الحياة، فهذا كفيلٌ كي يقوده إلى سرد الحدث. إنّ نقل ذاكرة الطفل إلى لحظات الألم تشبه "التعذيب"، ولهذا يجب أن يطرحها الصحفي بحذر، مع إعطاء الفرصة للاستراحة. 
  • انظر إلى عيون الطفل طوال الوقت. ابتسم له إن ابتسم، وامسح دموعه إذا بكى، واطلب له الماء، ولكن تجنب أن تقدم له المناديل كي يمسح دموعه، فهذه الحركة تبدو وكأنك تقول له: "لا تبكي، اكبح مشاعرك، وتظاهر بالقوة أمام الكاميرا". 
  • انتبه للمكان الذي تجري فيه اللقاء مع الطفل، كأن تصوره فوق حجارة بيته المهدوم، أو قرب مكانٍ تنتشر فيه بقايا الدماء، وتأكد أنّ هذا الطفل لن يتأثر سلبًا بإظهار صورة منزله. 
  • احرص على تصوير الطفل بما يحافظ على كرامته الإنسانية، مثلًا "ألا يتم تصويره كجريحٍ على سرير الشفاء بدون ملابس". 
  • بعد المقابلة
  • لو انتبهت بعد إجراء المقابلة بأن الكلام الذي قاله الطفل، أو المكان الذي أجريت فيه المقابلة، قد تشكل خطرًا على حياته، ومستقبله، فينبغي عليك حينها تغطية وجه الطفل، والتعمية عن اسمه بعيدًا عن أهمية ذلك في صلب المادة المقدمة، أو إلغاء المادة بالكامل إن لزم الأمر. 
  • لا تجتزئ أثناء معالجة المادة الخام تسجيلات أو مقاطع قد تفهم في غير سياقها العام وتضر الطفل أو عائلته. 
  • احترم رغبة ولي أمر الطفل إن طلب الاطلاع على المادة قبل النشر، أو إن طلب التعديل على المقابلة أو تأجيل النشر. 
  • حافظ على خصوصية ما جاء بالمادة الخام عند نقلها إلى أرشيف المؤسسة. 

وختامًا، فإنّ توقيت إجراء المقابلة مع الطفل هو أمر في غاية الأهمية، فقد يؤخذ على بعض الصحفيين العاملين في مناطق الأحداث، "ضرب الحديد وهو حامٍ" كما يقول المثل الشعبي، إذ تعنيهم مشاهد البكاء كثيرًا، توديع القتلى أو في لحظات ما بعد الفاجعة مباشرة، وفي هذه الحالة يكون (شكل الطفل، وتلعثمه، وشتات كلماته) كلها مغفورة له وقت الحدث، لكن بعد سنوات، الحدث يموت، وتلك المشاهد تبقى حيةً، وقد تشعره بالحرج من نفسه، وتجعله دائم التساؤل: كيف قلتُ ذلك الكلام؟ كيف بكيتُ بهذه الطريقة؟ ماذا لو رآه أصدقائي اليوم؟. 

في ذات السياق، أصدرت منظمة اليونيسف نشرة حول مبادئ رئيسية حول التغطية الإعلامية المسؤولة بخصوص الأطفال واليافعين، مؤكدة أن التغطية الإعلامية حول أوضاع أطفال معينين قد تؤدي إلى تعريضهم أو تعريض أطفال غيرهم لخطر الانتقام أو الوصم. ويمكن قراءة النشرة مختصرة من هنا أو مطالعتها وتحميلها بالكامل من هنا

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة أليخاندرو إسكاميلا.