كيف غطّت وسائل الإعلام المستقلّة في لبنان الإحتجاجات؟

بواسطةأينا دي لابارينتMay 26, 2021 في موضوعات متخصصة
صورة

خيّمت أوضاع صعبة على لبنان، بدءًا من الأزمة الإقتصادية التي تتفاقم في وقت تُتهم الحكومة بعدم القدرة أو الإرادة لوقف الإنهيار. توازيًا، اندلعت حرائق كبيرة في سلسلة جبال لبنان الغربية جنوبي بيروت، ولم تتمكّن الدولة من السيطرة عليها بسبب عدم صيانة مروحيات الإطفاء، وصولًا إلى تشرين الأول/أكتوبر 2019 عندما أقرّت الحكومة اللبنانيّة عددًا من الإجراءات التقشفية، ومن ضمنها فرض ضريبة على واتسآب، وبعدها وتحديدًا في 17 تشرين الأول/أكتوبر، عمّت التظاهرات المناطق اللبنانية.

وفي ذلك الوقت، تحوّل عمل منصّة ميغافون الإعلامية التي كانت قائمة على مواقع التواصل الإجتماعي، إلى إنتاج محتوى توضيحيّ متعدّد الوسائط لتغطية الأخبار المحليّة، واستخدم فريق العمل البث المباشر على إنستجرام لنقل مشاهد التظاهرات والحرائق. وقال الصحفي والمنتج في المنصّة جوناثان داغ: "لم نكن نعلم ماذا يحدث، نقلنا بشكل مباشر على إنستجرام لتغطية الحدث". 

ومع زيادة الإحتجاجات في لبنان، توالى العمل الصحفي، واندفع الصحفيون إلى التغطية، ومن بينهم لودي عيسى وهي رئيسة تحرير منصة بيروت اليوم، التي كان قد أنشأها ناشطون قبل ثلاث أعوام بهدف نقل الأخبار والآراء التي لا تغطيها وسائل الإعلام التقليدية، باللغتين الإنجليزية والعربية. وتعتمد منشورات المنصّة على مساهمات من المجتمع وعلى صحفيين محترفين.  

 إقرأوا المزيد: "17 تشرين" صحيفة لبنانية بلغة الشعب.. فماذا عن تأسيسها وتمويلها؟

في ليلة الإحتجاجات الأولى، استعانت عيسى بمشاهد مصوّرة نشرها مواطنون وصحفيون على وسائل التواصل الإجتماعي، وأعدّت فيديو يظهر التظاهرات التي تعمّ لبنان. ولم يتم إخفاء صوت المحتجين في الفيديو مع إضافة كلام مكتوب على المشاهد من أجل إيصال الوقائع الأساسية للمشاهدين. وقد حطّم الفيديو رقمًا قياسيًا بالنسبة لفريق العمل بعدما حظي بحوالى 150 ألف مشاهدة على منصات التواصل الإجتماعي. وتقول عيسى: "إنّ الناس كانوا قد اكتفوا من الوضع وكان هناك الكثير من الأمل في تلك اللحظة".  

الإعلام في لبنان والموضوعية 

وبحسب مرصد ملكية وسائل الإعلام، تتمركز وسائل الإعلام التقليدية في لبنان بيد مجموعة نافذة صغيرة، وهناك قصور بالشفافية ما يجعل من الصعب قياس مدى المشكلة بالأرقام الدقيقة، لكن على الأقل 43% من وسائل الإعلام اللبنانية مملوكة من 12 عائلة.  

وضمن هذه البيئة الإعلاميّة، تتأثّر وسائل الإعلام ببعض الجهات السياسية، وبشخصيات أو رجال أعمال لصالح أجندات سياسية، ويتمّ تهميش أو تسييس التحقيقات في المشاكل العميقة مثل البنية التحتية المختلة، وحقوق مجتمع الميم أو اللاجئين، لتحقيق مكاسب معيّنة. 

ودخلت وسائل إعلام مستقلة إلى هذه البيئة، ومعظم المساهمين فيها لديهم علاقات وثيقة مع ناشطين وأكاديميين، ولا يعتبر مؤسسو هذه الوسائل الحياد جزءًا من الحل. 

على سبيل المثال، بعد احتجاجات انطلقت عام 2015 وبعدها عام 2016 إثر أزمة النفايات التي عانى منها اللبنانيون، قدّمت لائحة "بيروت مدينتي" مرشحين مستقلين لخوض الانتخابات البلدية في بيروت ودعت إلى تحقيق الشفافية والمساءلة وتحسين البنية التحتية، وبعد عدم نجاحهم في تلك الإنتخابات، خلص مؤسسو منصّة ميغافون إلى أنّ لبنان يفتقر إلى وسيلة إعلامية تقدم الروايات البديلة، وولدت ميغافون بعدما اجتمع 8 ناشطين وصحفيين ومصممين وطلاب وأنشأوها عام 2017 بهدف التغيير. 

وعن العمل في المنصّة، يقول داغ: "نفكر كثيرًا في التمييز بين الصحافة والنشاط، شخصيًا لا أرى الفارق بينهما باستثناء النهج"، مضيفًا: "أرى الهدف واحدًا يتمثّل بدفع المجتمع نحو تحقيق المساواة بين الناس، وميغافون لديها موقفًا نشطًا ولهذا يعتقد الناس أننا صوت الثورة".  

 توازيًا، قررت رئيسة التحرير لارا بيطار إطلاق "مصدر عام" وهي وسيلة إعلامية تنشر مقالات طويلة وتقارير معمّقة، في كانون الثاني/ يناير 2020، وقالت إنّ النهج المتبع في العمل يكمن بالوقوف إلى جانب الأشخاص الذين يكافحون بهدف تحقيق المصلحة العامة.

التغطية الصحفية لأحداث تشرين الأول/أكتوبر 

خلال ثورة تشرين الأول/ أكتوبر، تقدّمت الكثير من وسائل الإعلام لنقل الأحداث وأصوات الناس، ما ساعدها على زيادة أعداد المتابعين، فعلى سبيل المثال ارتفع عدد متابعي ميغافون من 8000 إلى 60000 على إنستجرام. كذلك الأمر بالنسبة لبيروت اليوم، التي تضاعف عدد متابعيها على إنستجرام وتويتر منذ بداية الثورة، وزاد إنتاج المحتوى فيها أيضًا، من مقال أو اثنين أسبوعيًا إلى نشر مقالات يومية. 

وقد انعكست ديناميكية المجتمع المدني خلال تغطية الأحداث التي قامت بها الصحافة المستقلة. وعندما زاد العنف واستخدام القوى الأمنية القنابل المسيلة للدموع، بقي فريق "بيروت اليوم" مركزًا على التغطية من خلال التركيز على ثلاث نقاط أساسية هي: إيصال المعلومات، النقد واستكشاف البدائل. وهدف الفريق إلى نقل الأحداث من خارج بيروت، ونشر مقالات مصورة من مدينتي طرابلس وجونيه اللتين لا تحظيان بتغطية إعلامية كافية على الرغم من أهميتهما الإقتصادية والسياسية. 

وفي هذا الصدد، تمنّت عيسى لو كان لديهم أخبار أكثر من متظاهرين في جنوب لبنان، حيث قالت: "مع كثرة الأحداث كان مستحيلا تغطية كل ما يحدث"، مضيفة:" كنت أتمنى لو كان لدينا الكثير من الأخبار حول الجنوب، حيث برزت معارضة للمرّة الأولى".  

من جهته، أطلق موقع "مصدر عام" قسمًا خاصًا عن "ثورة تشرين الأول"، يغطى أحداثًا يومية من خلال إعداد تقارير معمقة. وتخصّص المقال الأول حول "عبء الدين العام على الإقتصاد اللبناني" وأوضح أزمة الديون من جذورها. 

وفي الختام، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عمل وسائل الإعلام المذكورة كان حاسمًا في الأيام الأولى للإحتجاجات، واستمر بعد ذلك بمشاريع وقصص وتقارير أخرى. وبعد مرور أكثر من عام على انطلاق الإحتجاجات في لبنان، تتغيّر الأوضاع وتتابع وسائل الإعلام المستقلّة تغطية كل الأحداث. 

أينا دو لاباران هي صحفية فرنسية كاتالونية مستقلة، تُقيم في باريس وتتابع الدراسات العليا في الصحافة، كما أنها كاتبة مساهمة في Inside the Newsroom، وهي نشرة إخبارية وبودكاست حول الأخبار الدولية، وتكتب ملخصات أسبوعية عن أخبار الشرق الأوسط. تهتم الكاتبة بالابتكار الإعلامي وصحافة الحلول والقضايا الاجتماعية والشرق الأوسط. 

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة المشاع الإبداعي على بيكسيلز بواسطة جو قسيس