العيش في أهوال الحرب وتلاشي الحريات في روسيا: دراسة حالة منصة ROMB

بواسطةديفن ويندلسبختOct 30, 2024 في موضوعات متخصصة
مراسل يحاور أحد المواطنين أمام الكرملين في روسيا

هذه المقالة نُشرت في الأصل كمورد في مجموعة أدوات وسائل الإعلام في المنفى التي نقدمها، والتي أُنتجت بالشراكة مع شبكة وسائل الإعلام في المنفى، وبدعم من صندوق جويس بارناثان للطوارئ للصحفيين.


عندما شنّت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في مارس/آذار 2022، واجهت ROMB، وهي مؤسسة إعلامية مقرها برلين تُقدم التقارير عن روسيا من خلال الفيديو بشكل أساسي، تحديات كبيرة. وعلى الرغم من أنّ الفريق الإداري لغرفة الأخبار كان مقره في ألمانيا، إلا أنّ الفريق التحريري وجميع الصحفيين المستقلين كانوا موجودين في روسيا في ذلك الوقت.

وفي سبتمبر/أيلول من ذلك العام، عندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن "التعبئة الجزئية" لقوات الاحتياط، غادر الصحفيون العاملون في منصة ROMB الذين كانوا لا يزالون في روسيا إلى المنفى، وكانت صياغة إعلان التعبئة واسعة بما يكفي لتفسيرها على أنها تشمل الذين لا ينتمون إلى قوات الاحتياط، مما يُعرض محرري ROMB المُقيمين في روسيا لخطر التجنيد الإجباري.

من جانبها، قالت سفيتا دينديكينا، المديرة المُشاركة لـVereinigung für die Demokratie، وهي منظمة غير حكومية مقرها برلين تدير ROMB: "لقد اضطررنا إلى نقل أعضاء فريقنا حتى لا يتم تجنيدهم وإرسالهم إلى الحرب".

وقد غادر أعضاء فريق التحرير إلى ألمانيا، وجورجيا، وكازاخستان، وتركيا. أما اليوم، يعتمدون على الصحفيين المستقلين الذين ما يزالون في روسيا لإنتاج مقاطع فيديو حول آثار الحرب في أوكرانيا، وقمع الحريات في روسيا، إلى جانب تغطية مواضيع أخرى، وذلك وسط الانهيار شبه الكامل لوسائل الإعلام المستقلة.

وأضافت دينديكينا: "لقد أدركنا أنّ هناك حاجة إلى تقارير أصلية من داخل روسيا، تروي قصص الروس العاديين". إليكم كيف يقومون بسرد هذه القصص: 

الأمن في المنفى

أعطت منصة ROMB سلامة وأمن الصحفيين والمحررين المستقلين أولوية قصوى منذ بداية الغزو. واستطردت دينديكينا قائلةً: "كان التحدي الأكبر لنا هو ضمان سلامة الناس، لأنه يشمل جوانب مختلفة، فعندما أفكر في السلامة، فلا يتعلق الأمر بالسلامة الجسدية فقط، بل تشمل أيضًا الجوانب القانونية، والمالية، والنفسية"، مضيفةً: "أدركنا أيضًا أننا نحتاج إلى اتباع نهج أكثر ملاءمة لا يشمل فريق التحرير فحسب، بل أيضًا الصحفيين المستقلين الذين يعملون معنا".
قامت منصة ROMB بالتشاور مع خبراء الأمن الرقمي والسلامة الجسدية لمراجعة البروتوكولات الحالية وتطوير بروتوكولات جديدة وتنفيذها على مستوى المنظمة ككل. وقاموا بمحاكاة سيناريوهات تساعد في وضع إرشادات حول ما يجب فعله عندما يتم القبض على أحد الصحفيين المستقلين، كما وضعوا إرشادات جديدة للصحفيين المستقلين، مثل الاحتياطات الواجب اتباعها عند إعداد تغطيات صحفية عن احتجاج مناهض للحرب، وقام الفريق أيضًا بتعيين ضابط أمن لتنفيذ هذه الإجراءات.
وفي هذا السياق، ذكرت دينديكينا: "عندما تعمل في روسيا، لا توجد مواضيع آمنة. حتى لو كنت تعتقد أنك لست بحاجة إلى اتباع البروتوكول الأكثر صرامة، فإنّ ما يُعرف بجهات إنفاذ القانون قد تفكر بشكل مختلف عما نفكر به، لذلك نتبع بروتوكولات صارمة".

 الصحة النفسية

كجزء من جهودها الهادفة إلى تعزيز السلامة والأمان، أعطى محررو منصة ROMB الأولوية للصحة النفسية لأعضاء الفريق.
كما تحدثت دينديكينا عن أوضاع الصحفيين قائلةً: "الأشخاص الذين بقوا في البلاد ويعملون فيها يشعرون بالانعزال، أما أولئك الذين غادروا البلاد فلديهم مشاكلهم الخاصة"، موضحةً "يعاني بعضهم من الاكتئاب، والبعض الآخر فقد أشخاصًا أعزاء، أو ما زالوا يحاولون فهم البلاد - لقد انتقلوا بالفعل بين عدة بلدان لأنهم لم يعثروا على مكان آمن يرحب بهم".
وحثت دينديكينا وسائل الإعلام في المنفى على مواجهة العبء النفسي الناجم عن العمل في المنفى بشكل مباشر، وينبغي عليهم خلق "مناخ يتسم بالانفتاح"، بحيث يشعر العاملون بالراحة عند التحدث إلى المديرين حول حاجتهم إلى المساعدة، وينبغي أيضًا إعداد قائمة بالمتخصصين الذين يمكنهم اللجوء إليهم، وأضافت أنه ينبغي أن نسأل أنفسنا: "هل هناك أخصائيون نفسيون يفهمون كيفية العمل مع الصحفي أو الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات نفسية؟، وهل هناك متخصصون يتحدثون اللغة التي يفهمها فريق العمل؟".
ومع عمل فريق عمل منصة ROMB عن بُعد عبر العديد من الدول، بدأت المنصة في عقد اجتماعات سنوية شخصية بين فريق التحرير والمستقلين "الأساسيين" الذين يساهمون بانتظام في العمل. وفي هذا الإطار، أشارت دينديكينا إلى أنّ عقد الاجتماعات وجهًا لوجه يُعد أمرًا حيويًا، لأنه يُتيح الفرصة لمناقشة وحل أي توترات شخصية بين أعضاء الفريق، فضلاً عن معالجة مشاعر القلق، والاكتئاب، والإرهاق وجهاً لوجه بدلاً من مناقشتها من خلال التواصل الافتراضي عبر الكمبيوتر.
وأضافت دينديكينا: "تضمن الاجتماعات الشخصية أيضًا فرصة إبقاء الفريق ملتزمًا بمهمته، وذكرت "ربما نواجه الآن تحديات أو مخاطر مختلفة سواء كنا في المنفى أو في روسيا"، ولكننا ما زلنا نسعى لتحقيق الهدف المشترك، موضحةً "لدينا أهداف مشتركة، ونحن متأكدون بأن قيمنا ثابتة، وأهدافنا مُوحدة"، كما أشارت إلى أهمية عنصر الثقة لتحقيق النجاح.

وحول أهمية الثقة، أوضحت دينديكينا: "ينبغي معرفة كيفية بنائها، وتعلُم آلية المحافظة عليها، وطرق تعزيزها".

الاستدامة المالية
وبفضل نجاح منصات التواصل الاجتماعي التي تركز على مقاطع الفيديو مثل Now This، وAJ+، تهدف منصة ROMB إلى تقديم تقارير عن روسيا للجمهور الروسي من خلال مقاطع فيديو قصيرة تتناسب مع وسائل التواصل الاجتماعي.
وللقيام بذلك، تعتمد ROMB اليوم بشكل أساسي على المنح والتبرعات لدعم غرفة الأخبار، ونظرًا لأن جمهور المنصة يتركز في روسيا، فلا يمكنها الاعتماد على عائدات الإعلانات لتغطية التكاليف؛ فقد أوقف YouTube، والذي يعُد المنصة الأساسية لنشر المحتوى لـROMB، إمكانية جني الأموال من المشاهدين داخل البلاد.  
كما تنتج غرفة الأخبار أفلامًا وثائقية طويلة تغطي قصص الروس العاديين، بما في ذلك الروس غير العرقيين من "المناطق الوطنية" في البلاد، وهم يواجهون تحديات العيش مع الحياة في ظل دولة تتجه نحو المزيد من السلطوية. وتُمثل هذه الأفلام مصدرًا للإيرادات: لتعزيز تمويل غرفة الأخبار، وبالتالي تنتج ROMB أفلامًا وثائقية لمنظمات إخبارية أخرى مقابل رسوم، فهو مجال متخصص يتناسب مع طبيعة فريق المنصة الذي يركز على الفيديو وشبكتها في روسيا.
وعلى سبيل المثال، كلفت قناة Channel 4 News البريطانية مؤخرًا منصة ROMB بإنتاج
فيلم وثائقي عن ثلاث عائلات روسية أثناء بحثهم عن معرفة الحقيقة وراء مقتل أبنائهم، وأزواجهم، وإخوتهم الذين قاتلوا من أجل روسيا أثناء غزو أوكرانيا.

Documentary
أحدث فيلم وثائقي لـ ROMB، "وداعًا، نافالني".

ولم يقتصر التعاون مع القناة الرابعة وغيرها من المؤسسات الإعلامية على توسيع نطاق جمهور ROMB، بل سمح لهم لأول مرة بتنويع مصادر الإيرادات بعيدًا عن أموال التبرعات، ففي عام 2023، شكلت المشاريع التجارية 12% من ميزانية ROMB، ويأملون بأن تصل إلى 20% في عام 2024، بحسب ما ذكرته دينديكينا. 
وقالت دينديكينا: "أتواصل مع وسائل إعلام دولية كبرى أو شركات إنتاج، وأقول لهم، "مرحبًا، يمكننا القيام بهذا العمل بمستوى جودة عال جدًا، فلنعمل معًا. كلفونا بالمهمة، وسننجزها".

تحقيق التأثير 

لا يزال جمهور منصة ROMB الرئيسي من الروس داخل روسيا. ومع ذلك، أصبح توصيل المعلومات إلى الناس في البلاد أكثر تحديًا من أي وقت مضى.

وقد فرضت السلطات الروسية قيودًا مثل سجل "المنظمات غير المرغوب فيها"، والذي يمكن من خلاله إرسال الأشخاص الذين يجرون مقابلات لجهات "غير مرغوب فيها" إلى السجن، إلى جانب حظر التقارير التي تنتقد الكرملين، كما تم حظر مؤسسات إعلامية أخرى داخل روسيا، مما أجبر الجمهور على استخدام شبكات VPN.

وفي هذا السياق، يمكن اعتبار متابعة الناس لمحتوى ينتقد الحكومة الروسية تأثيرًا قابلاً للقياس، وذلك وفقًا لما أشارت إليه دينديكينا بأنّ "أسهل طريقة لقياس التأثير هي النظر إلى الأرقام، وذلك من خلال فحص أرقام المشاهدات، وتوزيعها الجغرافي. انظر إلى المدن - وليس فقط سانت بطرسبرغ وموسكو"، مضيفةً "نريد نقل الأخبار من المناطق، كما نأمل أيضًا بأن يتابعنا الناس من المناطق الأخرى التي تهمنا".

وفي بلد تسيطر عليه الهياكل الاستبدادية، يصبح إحداث تأثير واسع النطاق في المجتمع أمرًا صعبًا، وتركز ROMB بدلاً من ذلك على كيفية تأثير تقاريرها على حياة الأفراد. وعلى سبيل المثال، ساعدت مقاطع الفيديو التي أنتجتها ROMB في إلقاء الضوء على التحديات التي يواجهها أبطال تلك القصص. وقالت دينديكينا: "نتابع مع جميع الأبطال لمعرفة التغييرات التي طرأت في حياتهم"، مضيفةً "نعلم أنه في العديد من الحالات كانت قصصنا بمثابة طوق النجاة لأبطالنا".

وفي هذا الإطار، سلطت دينديكينا الضوء على سلسلة من مقاطع الفيديو أنتجتها ROMB حول كيفية تأثير فيروس نقص المناعة البشرية على الشباب في روسيا. إحدى البطلات، فتاة تبلغ من العمر 18 عامًا كانت قد رفضت تناول دواء فيروس نقص المناعة البشرية، ولكنها انضمت إلى مجموعة دعم بعد نشر التقرير، وقالت دينديكينا: "اكتشفت الفتاة من خلال مشاركتها في الفيديو أنّ هناك، حتى في روسيا، جهات تدعم المراهقين"، موضحةً "لقد غير ذلك حياتها".

وبالنسبة للصحفيين الذين يخططون لإطلاق مؤسسة إعلامية في المنفى، فقد أوصت دينديكينا أولاً بحصر الموارد المتاحة لهم، والتواصل مع صحفيين آخرين في المنفى، والذين يمكنهم  تقديم المشورة بناءً على تجربتهم. والأهم من ذلك كله، أن يحددوا منذ البداية من هو جمهورهم.

واختتمت دينديكينا حديثها قائلةً: "في البداية، يجب عليك أن تحدد هويتك"، مضيفةً: "لمن ستقوم بالتغطية الصحفية؟، هل سيكون جمهورك المستهدف داخل روسيا، أم أنك تريد العمل مع الجالية الناطقة باللغة الروسية في الخارج؟".


ديفين ويندلسبيخت هو مدير التحرير والمجتمع في شبكة الصحفيين الدوليين (IJNet). وهو أيضًا مدير المجتمع الإنجليزي لمنتدى شبكة الصحفيين الدوليين للإبلاغ عن الأزمات.