إرشادات للصحفيين للحفاظ على صحتهم النفسية أثناء تغطيتهم للأزمات 

بواسطةعبدالرحمن محمودNov 23, 2022 في موضوعات متخصصة
صورة

لا تقتصر التهديدات التي تلاحق الصحفيين أثناء تغطيتهم للأزمات والحروب على المخاطر الحياتية أو المتعلقة بالسلامة الشخصية فحسب، بل تشمل تداعيات نفسية قد تكون من أكثر المخاطر ضررًا على الصحفي في حياته الشخصية والمهنية. 

مسببات تلك الحالة تتعدد: إما نتيجة وجود الصحفيين بخطوط التماس الأولى في مناطق التوتر ومعايشة القصص الدامية وجهًا لوجه مع ضحاياها، أو في ظل ظروف بيئة العمل وضغوطاته وتسارع الأحداث واتساعها جغرافيًا، بجانب ضوابط النشر والمعايير المهنية التي لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف. 

وبناء على ذلك، تبرز ضرورة اهتمام المؤسسات الإعلامية عمومًا والصحفيين بشكل خاص بالصحة النفسية، بما يضمن سرعة احتواء أي علامات سلبية ومنع تفاقمها على المستويين الآني والمستقبلي. 

وتعرف منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية على أنها "حالة العافية التي يحقق فيها الفرد قدراته الذاتية، ويستطيع مواكبة ضغوط الحياة العادية، ويكون قادرًا على العمل الإيجابي والمثمر، ويمكنه الإسهام في مجتمعه"، مشيرة في ذات السياق إلى أن الاضطراب النفسي يؤثر على شخص واحد من كل 8 أشخاص في العالم. 

المصور الصحفي أحمد ديب يعقب قائلًا: "لا يخلو العمل الصحفي برمته من الضغط النفسي والذهني، ولكنه يتضاعف ويزداد حدة في تغطية الأزمات باختلاف مسبباتها، سواء عند مقابلة الناجين بأعجوبة من الموت، أو عند معايشة قصة مع عائلة انقسمت بين ضفتي البحر تحت وطأة الهجرة". 

عمل ديب في عدة أماكن بالشرق الأوسط، وقام بتغطية الحروب والأزمات في قطاع غزة وسوريا والعراق، وأزمة اللاجئين في اليونان وأزمات أخرى.

ويضيف ديب لـ "شبكة الصحفيين الدوليين": "لا أنسى مشهد أطفال ونساء وكبار السن بعد مقتلهم في مدينتي حلب وإدلب أو رؤية الآلاف من العائلات بين الأشجار والأراضي الخالية وعلى سكك الحديد تحت البرد القارس لعدة أسابيع في اليونان أثناء محاولتهم عبور الحدود إلى مقدونيا". 

وكيف مرت المشاهد السابقة على ديب؟، يجيب موضحًا "عانيت كثيرًا أثناء محاولتي التغلب على هذه المشاهد ومحاولة نسيانها، دائمًا ما كانت تأتي لي قبل النوم مثلًا أو عند مشاهدة أحداث مشابهة، أوصلتني إلى حالة من الاكتئاب والتوتر واضطراب ما بعد الصدمة PTSD". 

للوهلة الأولى، لم تظهر أعراض الاضطرابات النفسية أثناء انشغال المصور أحمد بالعمل الميداني، ولكنها بدأت تظهر تدريجيًا عقب العودة إلى المكتب، ليقرر حينها الحديث إلى خبيرة بالدعم النفسي واتخاذ سلسلة من الخطوات العلاجية السريعة تمثلت بـ: 

  • التصالح مع الذات والإقرار بالمشكلة والتعامل معها بجدية. 
  • الحديث مع الآخرين عن التجارب الشخصية والأحداث العالقة في الذاكرة. 
  • المحافظة على عادات سليمة، كالنوم الكافي وممارسة الرياضة والتأمل. 
  • الالتزام بالتواصل مع معالج نفسي أسبوعيًا لمدة ساعة على الأقل. 

وفي هذا السياق، ترى المدربة بالأمن المتكامل آيات أبو جياب أنّ الصحفيين والعاملين في مهنة الإعلام ضمن أكثر الفئات المعرضة لضغوط نفسية وتظهر غالبًا بعد مغادرتهم للميدان؛ مشيرة إلى أن عدم التعامل مع المشاكل النفسية في طورها الأول قد يؤدي إلى تضاعفها لمستويات حادة تعقد وتطيل فترة التعافي. 

وتقول أبو جياب، في مقابلة مع "شبكة الصحفيين الدوليين" إنّ "مظاهر الضغط النفسي بالعمل الصحفي تتعدد، وأبرزها القلق والاكتئاب، وهو ما أكدته الدراسات بأن الأشخاص الذين يشاهدون واقع الكوارث والأزمات، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالصدمة النفسية، وكذلك الصحفيين الذين يتابعون الأخبار وينقلونها فإنهم يصابون بشكل غير مباشر". 

وتشمل المظاهر كذلك الاحتراق الوظيفي، الناتج عن فترات العمل الطويلة ورؤية مشاهد ضد الإنسانية، مما يخلص إلى شعور يعرف بانخفاض الطاقة والدافع تجاه العمل نتيجة الإجهاد المزمن بدون علاج، ومن أعراضه الإحساس بالملل والإجهاد الدائم وتشتت الانتباه. 

وتضيف أبو جياب: "قد يعاني الصحفي أيضًا من تأنيب الضمير أو عقدة الناجي، وهي نجاة الصحفي من مشاهد مؤثرة كالقتل وانتهاك القيم في بعض الأحداث ما يخلق لديه عقدة أنه الناجي الوحيد من الحدث، فضلًا عن أنّ التعرض المستمر لأحداث القلق والخوف قد يصيب الصحفي باضطراب ما بعد الصدمة". 

وتقدم أبو جياب مجموعة من النصائح للحفاظ على الصحة النفسية أثناء تغطية الأزمات والكوارث، وإشارات أخرى تتعلق بما بعد انتهاء المهمة. 

  • في ميدان العمل: 
  1. القناعة أن مهمة الصحفي نقل الحدث بمهنية وموضوعية، ولا ذنب له بالوقائع الدامية التي ينقلها. 
  1. تجنب التغطيات الإخبارية المتتالية وإعطاء العقل والجسد الراحة اللازمة. 
  1. منح الذات حقها بالتعبير والبوح عما تجده بالميدان، بدون تأجيل أو تردد. 
  1. الفصل التام بين متطلبات الحياة المهنية وضغوطاتها وبين الحياة الاجتماعية. 
  1. ضبط لحظات الشعور بالتوتر ومعرفة كيفية إدارته وتفريغ الطاقة السلبية الناتجة عنه. 
  1. الالتزام بكل معايير الأمان الجسدي من خوذة وذرع وشارة، مما يعزز الشعور بالأمن الداخلي. 
  1. التوقف عن متابعة الأخبار والقضايا الساخنة قبل النوم. 
  • ما بعد انتهاء المهمة: 
  1. الاهتمام بالرعاية الذاتية، كالتغذية السليمة وممارسة الرياضة والهوايات المفضلة وعدم إغفالها تحت أي ظرف. 
  1. تخصيص ساعات للتفريغ النفسي والعمل على تمارين الاسترخاء والتنفس العميق والتوازن. 
  1. التواصل مع مشرفين نفسيين عند الحاجة، لضمان سرعة التعامل مع أي مؤشر سلبي. 
  1. المحافظة على الجانب الروحاني والعلاقات مع الأسرة والمجتمع. 
  1. عدم التردد في التعبير عن المشاعر بأي طريقة، فذلك لا يعتبر ضعفًا لأن "تخزين الخوف والقلق يؤدي لاضطراب نفسي". 
  1. التركيز على الجانب العقلي واستحضار الأفكار الإيجابية والقناعة بقيمة العمل. 
  1. استذكار الإنجازات التي تعطي نوعًا من القوة للقضاء على عقد الناجي. 
  1. اكتساب قدرات ومهارات جديدة، فضلًا عن السفر بين الحين والآخر بعيدًا عن المناطق الساخنة، وكل ما من شأنه أن يكسر روتين الحياة. 

ولم يفت أبو جياب الإشارة إلى وجود علاقة طردية بين المناعة النفسية والحالة البدنية، إذ يسبب عدم المحافظة على الصحة النفسية أمراضًا جسدية كالقرح والسمنة المفرطة، وآلام المفاصل، إضافة إلى اضطراب في الغدد والهرمونات. 

وبالتوازي أيضًا، تلعب المؤسسات الإعلامية دورًا في مساعدة الصحفي بتخطي التحديات النفسية والأعباء الناتجة عن تغطية الأزمات، وذلك خلال: 

  •  توفير تدريبات نفسية وقائية تساعد الصحفي على تقييم المخاطر والتهديد المحيط به، وكم نسبته، ومعرفة وسائل الأمان التي يمكن اللجوء لها عند الطوارئ، في سبيل حماية سلامته الجسدية والنفسية على حد سواء. 
  • تعزيز الوعي بالصحة النفسية وكيفية وأهمية المحافظة عليها، كغاية أسمى للصحفي.  
  • توفير مساحات تفريغ انفعالي ونفسي للصحفيين من أجل التعبير عن الظروف التي عايشوها أثناء العمل. 
  • تقدير دور الصحفي المهني والإنساني ومكافأته وإعلاء قيمة وجوده. 
  • الإبقاء على تواصل مع الصحفي بالميدان، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي له ولعائلته بالتوازي. 
  •  المساهمة في تغيير الأفكار والنظرة السلبية عن الاضطرابات النفسية. 

ويمكن للصحفيين الاستفادة من النشرة الإرشادية الخاصة الصادرة عن منظمة اليونسكو حول سلامة الصحفيين عند تغطية الصدمات النفسية والمِحَن.