أخلاقيات إجراء المقابلات مع الإرهابيين وضحايا الإرهاب

نوشتهIJNetJun 24, 2022 در موضوعات متخصصة
صورة

تنطوي التغطية الصحفيّة للحوادث الإرهابية والتفجيرات وعمليات الخطف واحتجاز الرهائن على مسؤولية كبيرة في نقل المعلومة والوضع الحسّاس، ما يعزّز أهميّة معرفة أخلاقيّات الصحافة والتي تأتي في مقدّمتها الدقة في نقل المعلومة، الشفافية، الحياد وعدم التحيّز، التحقق من المعلومة والتأكّد من أنّها لا تتسبّب بأذى، اختيار اللغة والمصطلحات المناسبة والإلمام بكيفية التصرّف بالحالات الاستثنائية حتى لا يُصبح الصحفي متسببًا بضرر بعدما كان بمهمّة لنقل الخبر. 

لا يوجد تعريف موحّد للإرهاب، لكن يُمكن اعتباره أنّه "أي عمل يهدف إلى التسبب في موت شخص مدني أو أي شخص آخر، أو إصابته بجروح بدنية عندما يكون غرض هذا العمل بحكم طبيعته أو في سياقه موجه لإرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به".

وبينما يتساءل الصحفيون إن كان بإمكانهم استخدام مصطلحَيْ "الإرهاب" و"الإرهابيين"، في الوقت الذي تُفضّل بعض الجهات استخدام مصطلحات أخرى كالـ"معتدين"، لا بدّ من التوضيح أنّ هناك معيارين  لاستخدامهما بحسب الدليل الصادر عن اليونيسكو، وهما أن يكون الإستعمال في محله وليس توصيفًا لبعض الإحتجاجات مثلًا، وإجادة استخدامهما، أي وضعهما بين علامتي اقتباس مع ذكر المصدر.

في هذا الإطار، تطرح سوزان مولي، وهي مؤلّفة كتاب تغليف الإرهاب، ثلاثة معايير في توصيفها للإرهاب وهي: الاستهداف المتعمد للمدنيين، السعي إلى التأثير الأوسع على الرأي العام، وتبييت النية لإحداث أثر نفسي أكبر من الضرر المادي الناجم. 

ويتمثّل التحدي  أمام الصحفيين في التغطيات الصحفية للإرهاب في  إيجاد  اللفظ "الأكثر موضوعية والأقل تحيزًا"، ويتعيّن إعطاء الأولوية لوصف العمل وليس "توصيفه" تحت ضغط العواطف أو الرأي العام أو السلطات.

وخلال التواجد في أماكن وقعت فيها هجمات أو تفجيرات إرهابية، على الصحفيين عدم عرقلة عمل رجال الأمن وفرق الإنقاذ، وعدم الوقوف بينهم وبين الضحايا، أو وضع معدات تقنية ثقيلة أو احتكار شبكات الاتصالات. ويجب عدم لمس أي شيء في مسرح الهجمات، أو القيام بأي خطوة تعيق مهمة المحققين كنقل الأغراض والأجسام وغيرها، ولو كان الهدف تيسير التصوير أو تحسين الزاوية.

في هذا السياق تطرح اليونيسكو بعض المعضلات الأخلاقية التي تنطوي عليها التغطية الإعلامية للإرهاب، وأبرزها:

البحث عن الحقيقة

يعدّ البحث عن الحقيقة أمرًا ضروريًا في سياق الهجمات الإرهابية. ويجب تقصي الحقائق بدقة وإرفاقها بتوضيح. ويتضمّن البحث عن الحقيقة الحق في التفسير وواجب التفسير. ولا يجوز التذرع بوحشية الأعمال العنيفة لرفض تحليل أسبابها.   

الاستقلالية

لا بدّ أن يغطي الصحفيون الأحداث الإرهابية باستقلالية والإلتزام بهذا المبدأ الأساسي الذي يدخل ضمن أخلاقيات الصحافة عندما يكون الحدث مزعزعًا للأمن القومي. وينقل دليل اليونيسكو لتغطية الإرهاب عن الأستاذ الكولومبي في أخلاقيات الصحافة خافيير داريو ريستريبو أنّ "الوظيفة الطبيعية للصحفي هي خدمة الشعب وليس السلطة ومن اختبارات هذه الاستقلالية رفض طلب السلطات نشر معلومات نعرف أنها خاطئة، أو التزام الصمت إزاء الإجراءات التي تنفذها مؤسسات الدولة والتي تخالف سيادة القانون أو القانون الدولي".

المسؤولية تجاه الآخرين

على الصحفيين التحلّي بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الضحايا والرهائن والإبلاغ عن المواضيع التي تخدم المصلحة العامّة مع حماية المصادر والضحايا، وعدم التأثر بالرأي العام وبما تُمليه السلطات.

الشفافية

بما أنّ الشفافيّة مبدأ أساسي في إعداد التقارير، فإنّه يُصبح واجبًا أكبر في المواضيع المرتبطة بالإرهاب، ولهذا ينبغي على الصحفيين نقل المعلومة الدقيقة بشفافية وبمصداقيّة عالية وتصحيح الأخطاء بأقصى قدر من السرعة والوضوح والأمانة، وإبلاغ الجمهور بالأخطاء والمعلومات التي نُقلت بشكل غير دقيق. ويذكر دليل اليونيسكو في هذا الإطار ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 24 أيار/مايو 2004، حول أوجه القصور التي وقعت فيها الصحيفة إبّان تغطيتها لغزو العراق في 2003.

عند البحث عن معلومات عن الإرهاب والتطرف ونشر المعلومات ذات الصلة يجب على الصحفيين القيام بما يلي:

  • تقديم السياق بشكل واضح ومن دون مبالغة.
  • عدم التخمين وإبراز المعلومات التي تمّ التحقق منها فقط.
  • إعداد تقارير عن الحدث الإرهابي وتتضمّن "ما نعرفه حتى الآن وما لا نعرفه".
  • تنويع المصادر واعتماد تلك التي تتمتع بمصداقية وموثوقية فقط.
  • الإنتباه إلى اللغة والمصطلحات المستخدمة عند كتابة محتوى التقرير.
  • اختيار الكلمات والأسئلة بعناية عند مقابلة الضحايا أو أقاربهم.
  • تجنّب العناوين التي تثير الخوف والذعر. 
  • الإبتعاد عن استخدام كلمات تحريضية أو غير لائقة.
  • عدم التعميم.
  •  تضمين الأرقام والإحصاءات الموثوقة.
  • عدم إبداء الرأي فالصحفي ينقل المعلومة وليس جزءًا من القصة.

إجراء مقابلات مع الضحايا 

قدّم  مركز دارت للصحافة والصدمات بعض الإرشادات للإبلاغ عن الصدمات وإجراء مقابلات مع الضحايا والناجين، وتضمن ما يلي:

  • تجنب أسئلة "محامي الشيطان" أو الأسئلة التي قد توحي باللوم للضحايا.
  • عدم إعادة الضحية إلى دائرة الصدمة واحترام مشاعره. 
  • يمكن استخدام عبارات داعمة مثل "أنا آسف لما حدث"، وليس عبارة مفاجأة مثل "كيف تشعر؟" أو "أعرف ما تشعر به"، لأنّ هكذا عبارات تفقد الصحفي مصداقيته.
  • معاملة الضحايا بكل احترام وعدم التذرّع بضيق الوقت.
  • توضيح خطة التقرير وأين سيُنشر وإعطاء الضحايا أو أقاربهم بطاقة العمل بحال أرادوا التواصل فيما بعد والحصول على الموافقة المستنيرة.
  • تجنب نقل أخبار الوفاة إلى فرد أو عائلة. 
  • إتاحة الحق للضحايا باختيار مكان وزمان إجراء المقابلة.
  • التفكير مع فريق التحرير بعواقب نشر أي تقرير وتقدير المخاطر وإذا ما كان سيترك ضررًا أو يتسبب بأي ضرر.

 مقابلة الإرهابيين

يتساءل الصحفيون إذا كان بإمكانهم إجراء مقابلات مع الإرهابيين، وبما أنّ هذه المسألة تشكّل معضلة أخلاقية وتخشى بعض وسائل الإعلام أن تمنح منصّة للإرهابيين بالترويج لأفكارهم ونشر العنف أكثر، يُمكن الإبتعاد عن البث الحيّ الذي قد تطرأ عليه أخطاء واستخدام مصطلحات غير دقيقة.

 كما يُفضّل عدم إجراء مقابلات مع إرهابي. تقتضي قناة سي بي إس التلفزيونية الأميركية وجود "ظروف حتمية" قبل السماح لصحفييها بإجراء مقابلة حية مع إرهابي، إذ تشير القناة إلى "خطر الوقوع في فخ إعطاء الإرهابي منصة مباشرة وغير مفلترة"، خصوصًا وأنّ الكثير من الصحفيين لم يخضعوا للتدريبات اللازمة حول كيفية إجراء المقابلات وحساسية اللغة المستخدمة.

ويُترك الخيار للمؤسسات الإعلاميّة بأن تتخذ القرار بمقابلة أي جهة على أن تتوخّى الحذر وتتصرّف بمسؤولية واستقلالية. ومن القواعد الأساسية التي  تتفق عليها معظم وسائل الإعلام:

  • السيطرة على الأسئلة المطروحة ورفض أي حدود يرغب الإرهابيون في وضعها على العمل الصحفي.
  •  تفضيل الصيغة الوثائقية أو صيغة المقالة على المقابلة التقليدية (أسئلة وأجوبة).
  • ينبغي أن تشرح المؤسسة الإعلامية للجمهور الذي يثق بها الأسباب التي دفعتها إلى إجراء المقابلة.
  • تصحيح البيانات  الخاطئة أو الكاذبة التي قد يُدلي بها الإرهابيون الذين أجريت معهم المقابلة.
  • منح الفرصة للجهات الأخرى المعنية للتعبير عن آرائها وتقديم المعلومات الدقيقة.

  في حالة احتجاز رهائن

ينبغي أن يتحلّى الصحفيون بالمسؤولية الأخلاقية والمبادئ التي تتقدّمها معايير السلامة وحماية الرهائن وعدم التسبب بأذيّة، ووفقًا لدليل اليونيسكو يجب القيام بما يلي: 

  • قد يكون محتجز الرهائن مطلعًا على تقارير الصحفي ولهذا يجب توخّي الحذر في نقل المعلومات.
  • عدم نقل أي معلومة قد تكشف عن تكتيكات فريق التدخل أو السيناريوهات المحتملة للشرطة.
  • تجنب إعطاء تفاصيل عن الرهائن يمكن أن تعرضهم لمزيد من الخطر.
  • تفادي مفاقمة الوضع وجعله أسوأ من خلال الكلام الذي يصف الإرهابيين ومعتقداتهم.
  • عدم نشر أي معلومة تشكّل ضررًا للرهائن أو تؤذي أشخاصًا مرتبطين بالحدث وتوضيح أسباب عدم الكشف للجمهور.

الصور

على الصحفيين تجنّب الصور الصريحة للعنف. ولا بدّ من التفكير في المصلحة العامّة عند تقرير نشر أي صورة، وأن يطرحوا بعض الأسئلة الأخلاقية إن كان هناك علاقة مباشرة بين نشر الصورة وفهم الجمهور للقصة؟ وهل ستتسبب الصورة بأذى نفسي للضحية وتعيده إلى دائرة الصدمة؟ وهل حصل الصحفي على الموافقة المستنيرة لنشر صورة معينة؟ وأن يراجع الصحفي فريق التحرير للبحث ما إذا كانت الصورة تشكّل صدمة لا سيما عندما تتعلّق بالجرحى وضحايا التفجيرات والصدمات.

الصورة الرئيسية من تصميم يونس ملودي