شكلت الحوادث الارهابية التي شهدتها مختلف دول العالم مادة إخبارية دسمة في مختلف وسائل الاعلام التي بادرت بإرسال صحفيين لضمان تغطية شاملة لخفايا وهوامش العمليات الإرهابية ورصد تداعياتها وجعلت منها قصصاً إخبارية ومواضيعاً لتقاريرها.
آخرها عملية دهس بشاحنة في مدينة نيس في جنوب فرنسا وعملية القتل الجماعي في "أورلاندو" بولاية فلوريدا، التي تغيّرت معطياتها بعد التحقيق للتشكيك بنيّة المنفّذ وما إذا كانت إرهابية بالفعل أم هي جريمة من نوع آخر!
يفرض هذا النوع من الجرائم المتكررة مؤخراً التغطية الإعلامية اللّحظية، ممّا قد فتح نقاشاً واسعاً حول الإرهاب وكيفية التعامل الإعلامي معه ومع ملفاته العديدة.
ومما لا شك فيه أن وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيرا في بلورة الرأي العام حول ظاهرة الارهاب، فهي من خلال تغطيتها تساعد على الفهم الكامل أو المنقوص لهذه ظاهرة، وتبيان الأسباب والدوافع الحقيقية لنشوبها وتغلغلها داخل المجتمع، فالجمهور المتابع يبني من خلال المادة الإعلامية المقدمة له موقفاً وسلوكاً، ليتبنى بعد ذلك رأياً يدافع عنه.
فكيف يمكن أن توفق وسائل الإعلام في تغطية حرفية للأحداث الإرهابية وضمان تعامل إعلامي سليم مع ظاهرة معقدة ومركّبة ولها انعكاسات خطيرة، وما هي الاعتبارات المهنية والأخلاقية الصحفية التي يجب اتباعها من أجل تحقيق ذلك؟
تقدم شبكة الصحفيين الدوليين هذه التجارب لصحفيين متخصصين اشتهروا بتغطية ميدانية لأحداث الارهاب التي شهدتها بلدانهم:
يقول عزالدين بن سويح صحفي جزائري يعمل لصالح جريدة HORIZON الجزائرية الناطقة بالفرنسية. قام عزالدين بتغطية العشرية السوداء من الإرهاب التي تعرضت لها الجزائر في فترة التسعينات منذ بدايتها، ويقول: "إن مسألة تعاطي الصحفي مع الأحداث الإرهابية تُكتسب من العمل الميداني أثناء تغطية الأحداث، لأن الصحفي لا يولد متخصصاً في الإرهاب." وأضاف أنه في الجزائر مع بداية التسعينات كانت هذه الظاهرة جديدة على البلاد لذلك وجد الصحفيون في البداية صعوبة في التعامل مع الهجمات الارهابية وفي فهم هذه الظاهرة وكيفية إيصالها إعلامياً وحتى الأجهزة الامنية لم تكن مستعدة ومهيأة للتعامل مع هذه الظاهرة.
وأشار عزالدين أنه أحياناً كان يتم منع الصحفيين من الوصول إلى أماكن الهجمات الإرهابية وأحياناً أخرى تعطى لهم معلومات كاذبة. هذا بالإضافة إلى قلّة خبرة بعض الصحفيين الذين ينشرون أو يبثون بعض المعلومات الحساسة التي من شأنها خدمة الارهاب. بحسب عزالدين "إنّ أهم نقطة عند تغطية أخبار الإرهاب هو التزام الصحفي بمراجعة الخبر والتثبّت من صحته من أكثر من مصدر من أجل ضمان مصداقيته ومصداقية المؤسسة التي يعمل لصالحها م جهة، بالإضافة إلى عدم التسرع في إعطاء بعض الأخبار والمعلومات خاصةً عن العمليات الأمنية التي لم تنتهي بعد.
نبّه عز الدين إلى أنه أحياناً تتعمّد الجماعات الإرهابية وتحفز الصحفيين على القيام بالأخطاء وكذلك قوات الأمن من خلال إذاعة أخبار كاذبة، مضيفاً أن أفضل نصيحة للصحفيين المبتدئين في هذا المجال أن لا يبقى رهين ما تقدمه أجهزة الأمن من معلومات أو ما تقدمه الجماعات الإرهابية حتى لا يسقط في فخ الدعاية. كذلك أنصح الصحفي المبتدىء أن تكون له مصادره حتى يتمكن في النهاية من نشر معلومات مؤكدة وأخبار وقصص حقيقية.
إن أفضل ما يمكن للصحفي أن يقوم به عند حدوث أي عمل إرهابي، هو الانتقال إلى مكان الحدث لتغطية مجريات الأمور وجمع أكثر ما يمكن من معلومات من خلال التحدث مع شهود العيان. وفي هذه الحالة أيضاً يجب على المراسل أن يحتاط كذلك من شهود العيان خاصةً الذين يأتونه طواعيةً من أجل الإدلاء بشهداتهم، فمن الممكن أنهم يريدون تمرير أرائهم الخاصة من الأحداث ومحاولة إقناع الصحفي بها وتوجيهه، بالتالي يجب الذهاب إلى أقصى حد ممكن من الشهود لتتبلور لديه فكرة واضحة وإلمام شامل بالحدث.
من جهته ينصح الصحفي التونسي علي نصرالله- بعد تجربة أكثر من 3 سنوات في تغطية العمليات الإرهابية التي عرفتها تونس في جبل الشعانبي وفي الجبال المجاورة على الحدود مع الجزائر- الصحفي بضرورة تحقيق التوازن بين حق الجمهور المتلقي في المعرفة والحصول على الخبر من جهة وبين ضرورة الالتزام بالقيم الاخلاقية والمهنية والإنسانية للعمل الصحفي من جهة أخرى.
وأضاف أنه على الصحفي تقدير الظرف وحماية نفسه من خلال اتخاذ إجراءات السلامة والأمن أثناء التغطية، وعند البث الحي من مسرح العملية يجب عليه التصوير من مكان بعيد لتجنب إظهار تفاصيل لأعوان الأمن من أجل سلامة حياتهم أو نقل صور صادمة لبعض القتلى أو الجرحى تبث الرعب في نفوس الجماهير المتلقية وتساعد على التعاطف مع الإرهاب أو كذلك لضمان عدم بث خطابات من شأنها التحريض على العنف والكراهية.
وقال علي "إن الصحفي ينبغي أن يكون مسؤولاً ومهنياً في التعامل مع الأحداث الإرهابية، وأن لا تغلب عليه العاطفة حتى وإن كان الإرهاب يضرب بلده." فمثلاً لا يجوز على الصحفي المتاجرة بدماء الشهداء ومشاعر أهاليهم ولا مجال للمساس بحرمة الذات البشرية وأجساد ضحايا الإرهاب وإظهارهم في صورة بشعة، ويجب دائماً تغليب عنصر الدّقة والمصداقية على عنصر السرعة والسبق الصحفي حتى لا تؤدي الرسالة الإعلامية إلى نتائج عكسية.
توصيات تحدد معايير التعامل الإعلامي مع الأحداث الإرهابية
1- اتحاد إذاعات الدول العربية قدّم كتاباً حول التعاطي الإعلامي لظاهرة التطرف والإرهاب شارك في كتابته عدد من مسؤولي هيئات الإذاعات والتلفزيون العرب وكذلك الأوروبيين، إضافةً إلى خبراء وأساتذة جامعيين للتحدّث عن علاقة الإعلام بالإرهاب. قدّم هذا الكتاب الإستراتيجية التي يجب أن يتبعها كل صحفي لضمان تعاطي مهني وحرفي مع ظاهرتي التطرف والإرهاب وتجنّب السقوط في أخطاء وتجاوزات.
2- قدمت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري التونسية، مشروع وثيقة توجيهية للصحفيين والمختصين حول التغطية الإعلامية للأحداث الإرهابية. طرحت من خلالها مقترحات لعدد من الضوابط التحريرية والمهنية والأخلاقية تشمل كيفية تناول هذا الموضوع والتعامل مع الظروف المصاحبة دون المساس بأي حقوق دستورية أو قانونية أخرى.
3- ومن جهته قدّم مركز تونس لحرية الصحافة مشروع مدونة سلوك تحريرية خاصة بتغطية الأحداث الإرهابية
يمكن للصحفيين وللهيئات التحريرية الاستفادة منها في تعديل ممارساتهم في مجال تغطية الإرهاب وتكون مرجعاً لهم في عملهم اليومي حتى لا يكون التعاطي مع الأحداث الإرهابية نتاجاً للعفوية والارتجال والمقاربات الفردية.
الصورة لـ Saint_Zvlkx على موقع فليكر.