تزخر المواقع الإلكترونية بكم هائل ومتنوع من المحتوى الإعلامي في جميع المجالات، وهو ما فرض تحديات جمّة على الصحفيين لتدقيق المحتوى وإخضاعه للضوابط الأخلاقية والمهنية، مع أهمية الإلمام بسياسات شبكات التواصل الاجتماعي في نشر المحتوى الإعلامي على صفحات مؤسساتهم حتى لا يتم حذف موضوعاتهم وتتأثر مصداقيتهم، وليس هذا فحسب بل ينبغي على الصحفيين تطبيق مجموعة من المعايير أثناء التغطية الصحفية حتى لا يتم تصنيفها بأنها تحُّض على العنف والكراهية.
وفي هذا الإطار، ركزت الجلستان الثانية والثالثة من تدريبات خطاب الكراهية التي نظمها منتدى باميلا هوارد لتغطية الأزمات العالمية التابع للمركز الدولي للصحفيين، بالشراكة مع معهد التنوع الإعلامي ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف في 6 و13 فبراير/شباط 2024 عبر زووم، على موضوعات مهمة مثل: آليات التصدي لخطاب الكراهية، وتقييم خطاب الكراهية في السياقات المختلفة، وسياسات ومعايير المنصات الاجتماعية للتصدي لخطاب الكراهية، ويمكنكم الاستماع إلى الجلسة الثانية من خلال الضغط هنا، والجلسة الثالثة من خلال الضغط هنا.
واستضافت سارة عبد الله مديرة برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة والمحررة المسؤولة عن شبكة الصحفيين الدوليين بالنسخة العربية المدربة سارة حطيط التي قدّمت تدريبات متنوعة للصحفيين في السرد القصصي، وصحافة الموبايل، وصحافة البيانات، والتربية الإعلامية، وصياغة المحتوى الخالي من خطاب الكراهية.
خطاب الكراهية في الفضاء الرقمي
استهلت سارة حطيط الجلسة التدريبية الثانية بسؤال المشاركين عن عبارات الكراهية التي يلاحظونها أو يرصدونها في منصات التواصل الاجتماعي.
وبعدها ذكرت تعريفات متنوعة لخطاب الكراهية المنتشر عبر الإنترنت، مثل "بروتوكول مجلس أوروبا بشأن الجرائم الإلكترونية-المادة (1-2)"، الذي أشار إلى أنّ الكراهية عبر الإنترنت تعني "المواد العنصرية والمعادية للأجانب والتي تتضمن أي مادة مكتوبة أو أي صورة أو أي تمثيل آخر للأفكار أو النظريات، والتي تدعو أو تروج أو تحرض على الكراهية أو التمييز أو العنف ضد أي فرد أو مجموعة من الأفراد على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو العرقي، وكذلك الدين إذا تم استخدامه كذريعة لأي من هذه العوامل".
أما "رابطة مكافحة التشهير" فقد عرفت خطاب الكراهية عبر الإنترنت، بأنه "أي تمثيل للأفكار التي تروج للكراهية أو التمييز أو العنف ضد أي فرد أو مجموعة من الأشخاص على أساس العرق أو اللون أو الأصل العرقي أو الجنسية أو الدين من خلال الإعلام الرقمي".
وقدّمت حطيط مثالاً لفيديو يوضح الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا عام 2019، وقد تمت إزالة الفيديو الذي بثه المهاجم "برينتون تارانت" من فيسبوك في غضون ساعة واحدة، ولكنه بقى متاحًا على منصات أخرى وتمت إعادة تحميله أكثر من 2 مليون مرة.
العنف الرقمي ضد النساء
أشارت دراسات كثيرة إلى أن النساء من أكثر الفئات عُرضة لخطاب الكراهية، لأسباب تتعلق بأنها الفئات الأكثر ضعفًا، وتتمثل ردود أفعالهن في غلق حساباتهن على السوشيال ميديا لأنهن لم يستطعن تحمل الابتزاز والكراهية أو التحرش أو الكلام المُسيء.
وفي هذا السياق، فقد أجرى المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة دراسة خلال شهر إبريل/نيسان- مايو/أيار 2020 في تسع دول عربية لإلقاء الضوء على تزايد حالات العنف أثناء جائحة كوفيد-19، والمواقف المُتخذة إزاء العنف، وأشارت نتائج الدراسة إلى أن العنف على الإنترنت كان أكثر أشكال العنف التي تم الإبلاغ عنها خلال الأشهر الأولى من الجائحة، كما أوضحت الدراسة بأن 60% من النساء مستخدمات الإنترنت قد تعرضن للعنف الرقمي.
وفي السياق نفسه، أوضحت نتائج الدراسة الاستقصائية العالمية التي أجرتها اليونيسكو والمركز الدولي للصحفيين في أواخر عام 2020 بشأن العنف المُرتكب ضد الصحفيات عبر الإنترنت، بأن 73% من الصحفيات النساء قد تعرضنّ للعنف الرقمي.
وتتمثل أشكال العنف الإلكتروني ضد النساء في انتحال الشخصية عبر الإنترنت، والتنمر عبر الإنترنت، والكشف العلني عن معلومات شخصية خاصة، والملاحقة عبر الإنترنت.
سياسات وآلية عمل منصات التواصل الاجتماعي
وأشارت حطيط إلى أهمية معرفة ضوابط نشر المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك الكثير من القوانين التي حددت ذلك مثل قانون الخدمات الرقمية الأوروبي Digital Services Act الذي يهدف إلى خلق بيئة أكثر أمانًا عبر الإنترنت ويُحدد المسؤوليات بشكل واضح لمقدمي الخدمات الوسيطة، ولاسيما المنصات عبر الإنترنت، مثل الأسواق ومنصات التواصل الاجتماعي.
ثم انتقلت حطيط إلى صفحة "معايير مجتمع فيسبوك" التي تضع الخطوط العريضة للأمور المسموح بها وغير المسموح بها على فيسبوك، وعلى سبيل المثال: يتضمن قسم "العنف والسلوك الإجرامي" عدة موضوعات مثل: العنف والتحريض، والمنظمات الخطرة والأفراد الخطرون، وتنسيق أنشطة ضارة وترويج ارتكاب الجرائم، والسلع والخدمات المحظورة، والاحتيال والخداع.
وقد اتخذت منصة X إجراءات محددة إزاء السلوكيات التي تحضّ على الكراهية التي تستهدف أشخاصًا أو فئة محمية بأكملها، مثل:
-إزالة التغريدة من نتائج البحث، أو التوصيات داخل المنتجات، أو الموضوعات المتداولة، أو التنبيهات، أو يوميات الصفحة الرئيسية.
-تقييد إمكانية اكتشاف التغريدة في الملف الشخصي لكاتبها.
-تقليل ترتيب التغريدة في الردود.
-استبعاد التغريدات و/أو الحسابات في البريد الإلكتروني أو التوصيات داخل المنتجات.
-استبعاد التغريدة من إمكانية وضع إعلانات مجاورة لها.
آليات التصدي لخطاب الكراهية
أشار أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة 2019 إلى أن التصدي لخطاب الكراهية لا يعني تقييد أو حظر حرية التعبير، بل يعني منع تصعيد خطاب الكراهية من أن يتحول إلى شيء أكثر خطورة، لاسيما التحريض على التمييز والعداوة والعنف، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي.
وسألت حطيط المشاركين "كيف يمكننا التصدي لخطاب الكراهية في عملنا الصحفي؟"، فأشاروا إلى أهمية تطبيق المعايير المهنية، وإعداد حملات إعلامية، والحرص على التغطية المتوازنة للموضوعات وخصوصًا فيما يتعلق بتغطية قضايا الأقليات والمجتمعات المهمشة، بالإضافة إلى تطبيق ما نص عليه القانون الدولي.
وقد أفادت المادة (7) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنّ للجميع الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز ينتهك هذا الإعلان وضد أي تحريض على مثل هذا التمييز.
كما أعلنت الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (المادة 4)، بأن كل نشر لأفكار تقوم على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، أو التحريض على التمييز العنصري، وكذلك جميع أشكال العنف أو التحريض على مثل هذه الأعمال ضد أي عرق أو مجموعة من الأشخاص من لون آخر، جريمة يعاقب عليها القانون.
عناصر مهمة في تحديد خطاب الكراهية
ونصحت حطيط الصحفيين بإجراء الاختبار التالي لتحديد خطاب الكراهية:
-موقع أو صفة المتحدث: التدقيق في المتحدثين وتحليل كلماتهم.
-مدى وصول الخطاب: تحديد الفئة المستهدفة من الخطاب، وتحديد معدل انتشار الخطاب، فهل أصبح محتوى فيروسي على الإنترنت أم انتشر في منطقة صغيرة؟
-أهداف الخطاب: يمكنك توجيه تلك الأسئلة، مثل، ما الذي يفيد المتحدث والمصالح التي يمثلها؟ ومن هم ضحايا الخطاب وما هو تأثيره عليهم كأفراد داخل مجتمعهم؟
-محتوى وشكل الكلام: هل يحرض على العنف أم يزيد من حدة الكراهية؟
-فهم السياقات الاجتماعية، والتاريخية، والسياسية، أي يمكنك تقييم توجهات المتحدث السياسية حتى تفهم لغة الخطاب التي يستخدمها.
قائمة مرجعية للخطاب اللاعنفي أو الأقل كراهية
ينبغي أن يسأل الصحفيون أنفسهم بعض الأسئلة عند جمع وتحرير المواد المثيرة للجدل، أو تغطية النزاعات والصراعات، وهي:
-هل تجنبنا الكليشيهات والقوالب النمطية؟
-هل سألنا جميع الأسئلة الضرورية وذات الصلة؟
-هل كنا معتدلين في استخدام اللغة؟
-هل الصور تروي القصة بدون اللجوء إلى العنف؟
-هل استخدمنا مصادر متنوعة؟
-هل قمنا بتضمين أصوات الأقليات ذات الصلة؟
-هل يُطبق المحتوى الصحفي المعايير المهنية والأخلاقية أم لا؟
الصورة حاصلة على رخصة المشاع الإبداعي على أنسبلاش بواسطة سيرجي زولكين.