تمّ نشر هذه المقالة ضمن سلسلة تبحث في تطوير المشاريع الإعلامية الناشئة.
شاركتُ مؤخرًا في دورة تدريبية حول تطوير أفكار المشاريع التي يقدّمها "منتزه الابتكار" (Innovation Park) بالمعهد الفيدرالي للتكنولوجيا بلوزان- سويسرا (EPFL)، الذي يعدّ من أكثر المؤسسات العلمية والتكنولوجية حيوية في أوروبا، كما أنّه مصنّف رقم 16 عالميًا من قبل تصنيفات QS لترتيب الجامعات حول العالم للعام 2023، حيث يتقاسم الترتيب مع جامعة "برينستون" (Princeton) الأميركية وتليهما مباشرة جامعة "يال" (Yale) المرموقة.
الجميل في الموضوع هو أنّ الدورة تعتبر ضمن المقرّرات الدراسية وقد تمّ قبولي فيها، ضمن 25 مشاركًا ومشاركة، على الرّغم من أنني أزاول اختصاصًا جامعيًا في مرحلة الماجستير ليس له علاقة مباشرة بالتكنولوجيا (علوم اجتماعية، اختصاص هجرة ومواطنة). هنا لعبت تجربتي في بعث منصّة "إنسان" دورًا هامّا في اختياري للمشاركة ضمن هذا المقرّر الجامعي وأنا ممتنّة جدًا لذلك. وأشارككم/ن عبر عدد من المقالات بعضًا من أبرز ما تناولناه بالدّرس والتطبيق أثناء التدريب حول تطوير المشاريع الابتكارية.
الحصّة الأولى كانت بعنوان "كيف تقدّم فكرة مشروعك (بيتشنغ)؟" وقد قدّمها كاري تشون (Kerry Choun) الأستاذ المحاضر لدى المدرسة الأوروبية للإدارة والتكنولوجيا (ESMT) ببرلين- ألمانيا والمدرّب لدى وكالة الابتكار السويسرية (Innosuisse).
في هذا المقال، أشارككم أهمّ تقنيات "البيتشنغ" التي استعرضها المدرّب، أسرار "خطاب المصعد" للشركات الناشئة ونصيحة حصرية منه إلى الصحفيين/ات المستقلّين/ات لتقديم أفكارهم للمؤسسات المموّلة أو الدّاعمة.
تقديم فكرة المشروع: اجعلها تعلق في الأذهان!
في البداية أشار تشون إلى وجوب إدراك أنّ الهدف من عملية تقديم فكرة المشروع (pitching) ليس "بيع الفكرة" بالفعل بل الحصول على موعد اجتماع ثان! لذلك يتمّ التركيز خلال التقديم على إثارة اهتمام الجهة التي نستهدفها (مستثمر، حاضنة مشاريع، إلخ..) وبناء ثقة لديها في شخصنا وأعضاء فريقنا.
وهنا، شارك المدرّب 7 أسرار للبيتشنغ الناجح مستوحاة من كتاب "صُنعت لتعلق بالأذهان: لماذا تبقى بعض الأفكار على قيد الحياة ويموت البعض الآخر؟" لصاحبيه تشيب ودان هيث. وهي كالتالي:
1. حضّر نفسك مسبقًا
في هذه المرحلة الأولى، يكون على صاحب فكرة المشروع أن يجهّز بشكل جيّد للمقابلة التي سيقوم فيها بتقديم الفكرة. يتطلب التحدّث الناجح أمام الجمهور (فردًا كان أم جماعة) الجهد والالتزام والوقت، خاصّة إذا كنت ترغب في الإقناع وترك انطباع جيّد والحصول على مقابلة ثانية. المخاطرة بعدم التحضير المسبق تعني المخاطرة بتقديم أداء دون المستوى وبالتالي فشل المقابلة في تحقيق هدفها.
2. أبقِ رسالتك بسيطة
هنا يكمن السرّ في إقصاء كلّ ما هو ليس أولوية! كثرة التفاصيل من شأنها أن تعقّد التقديم وتدخل المتلقّي في دوّامة غير مأمونة العواقب. يمكنك تبسيط أفكارك عبر ربطها بأفكار مألوفة لدى المتلقّي بالفعل. استخدم الاستعارات والتشبيهات وحتّى الأمثال والخرافات.
3. كن غير متوقّع
أحد أسباب حبّنا للمفاجآت هو أنّنا لم نكن نتوقّعها! (هذا بديهي، أليس كذلك؟). ينطبق الأمر نفسه على التحدّث أمام الجمهور وتقديم الأفكار "بيتشنغ". يقول الكاتبان: "إذا كنت تريد أن تعلق أفكارك أكثر في الذهن، فعليك كسر آلة التخمين الخاصّة بشخص ما ثم إصلاحها". بمعنى آخر، عليك أن تكسر نمط التفكير الخاصّ به، أن تخلق لديه عنصر المفاجأة بطريقة مدروسة.
4. اجعل أفكارك ملموسة
في الكتاب نفسه، يقول المؤلّفان "بيانات المهمّة والتآزر والاستراتيجيات والرؤى - غالبًا ما تكون غامضة لدرجة أنها لا معنى لها. الأفكار التي تعلق بالأذهان هي بطبيعتها مليئة بالصور الملموسة، لأنّ أدمغتنا مصمّمة لتذكر المعلومات الملموسة".
ويأخذان مثالًا عن ذلك مقتبسين من خطاب الرئيس الأميركي جون كيندي، عام 1961، حيث قال بكلّ بساطة "مهمّتنا هي إرسال رجل إلى القمر وإعادته بأمان بحلول نهاية العقد"، ولم يقل مثلاً: "مهمتنا هي أن نصبح الرائد الدولي في صناعة الفضاء من خلال أقصى قدر من الابتكار المرتكز على الفريق والمبادرات الفضائية المستهدفة استراتيجيًا".
5. المصداقية تؤخذ بعين الاعتبار
المصداقية تجعل رسائلنا قابلة للتصديق. والرسالة القابلة للتصديق لديها فرص أكبر كي تعلق بالأذهان. ولإضفاء المصداقية على رسالتنا يمكن الاعتماد على آراء الخبراء، توصيات المشاهير (إذا أوصت أوبرا وينفري مثلًا بقراءة كتاب ما، فعلى الأرجح سيتّبعها الجمهور لأنها ذات مصداقية لديه)، اعتماد التغذية الراجعة من قبل عملاء سابقين، واعتماد الإحصائيات (لكن من دون الإغراق فيها، ومع وضعها في سياقها).
6. المشاعر مهمّة
يفيد الكتاب نفسه أنّ "الأبحاث تظهر أن الناس أكثر قابلية لتقديم هدية خيرية لفرد واحد محتاج أكثر من منطقة فقيرة بأكملها. لقد تم تكويننا لنشعر بالأشياء تجاه الأشخاص، وليس تجاه الأشياء المجرّدة". تذكّر آخر مرّة شاهدت فيها فيديو جمع تبرّعات لمنطقة منكوبة، هل بدأ الفيديو بتقديم إحصائيات جافّة عن حجم الكارثة أم بمشهد لطفل أو طفلة من المنكوبين؟ لذلك فإنّ "الهدف من جعل الرسائل 'عاطفية' هو جعل الناس يهتمون. المشاعر تلهم الناس للعمل".
7. احك قصصًا
يبيّن الكتاب أنّ سرد القصص أثناء التحدّث أمام الجمهور، وفي حالتنا مقابلة تقديم الأفكار، يعدّ أهمّ التقنيات المستخدمة لجعل فكرة ما تعلق بالأذهان. ويستعرض رأي عالم النفس غاري كلاين الذي يؤكّد أنّ القصص هي أدوات تعليمية فعّالة، حيث أنّها توضح العلاقات السببيّة التي ربما لم يدركها الناس من قبل وتسلط الضوء بطريقة بسيطة على الطرق لحلّ المشكلات. كما أنّها، على وجه الخصوص، تساعد في تحفيز الجمهور/المتلقّي على اتّخاذ إجراء ما.
"خطاب المصعد" للشركات الناشئة: اجعلهم يريدون المزيد!
يستخدم مصطلح "خطاب المصعد" للإشارة إلى تقديم فكرة مشروعك في أقلّ من دقيقة وتحديدًا بين 30-60 ثانية وأن تتمكّن في ذلك الحيّز الزمني القصير جدًا من لفت انتباه الشخص المعنيّ كما لو أنّك التقيته فجأة داخل مصعد.
في هذا الجزء من التدريب، شاركنا كاري تشون تقنياته الخاصّة لجعل المتلقّي (مستثمر، مؤسسة مانحة..) يرغب في مواصلة الاستماع إليك وتعميق المحادثة، وهي 3 تقنيات بالأساس:
1. حدّد ما هو الأمر المهمّ فعلًا
هناك الكثير ممّا يمكن قوله في دقيقتين من الزمن. لا تحاول ضغط المعلومات عبر التحدّث بنسق أسرع، يقول تشون، بل ركّز على الأسئلة والنقاط المهمّة في فكرة مشروعك. مثلًا: "إذا كنت تقترح تطوير سيارة إلكترونية جديدة يمكنها السير 1000 كم بشحنة واحدة، فإنّ السؤال المفتاح ليس حول مزايا السيارة ولا الطّلب عليها. بل ما نريد معرفته هو كيف يمكنك أنت أن تحقّق هذا الهدف فيما فشل فيه الآخرون أو ما زالوا يحاولون تحقيقه؟".
2. أبرز كيف ستجني المال
المستثمر يشتري "الشركة" وليس "المنتج"، ينبّه كاري تشون. ويشرح أنّ مجرّد كون فكرة ما إبداعية ومبتكرة لا يكفي للقول بأنها ستدرّ الأرباح. هنا يجب أن تظهر للمستثمر أو الجهة المانحة أنّك فكّرت بشكل متعمّق في الجوانب المالية للمشروع بما في ذلك المخاطر. لا تحاول تلطيف الأرقام أو بناء مدخلاتك على أفضل السيناريوهات المتفائلة. سيكون ذلك مدعاة للشكّ، فالأشياء الجيدة جدًا لتكون حقيقية (too good to be true)، عادة ما تكون فعلًا غير حقيقية.
3. حافظ على استمرار المحادثة
أعط صورة ملموسة عن وضع مشروعك في الوقت الحالي، وخاصّة ما أنجزته حتى الآن. إذا كان المشروع جديدًا ولا يحظى بدعم في الوقت الحالي، فقل ذلك بصراحة، ينصح تشون. أظهر حماسك (نادرًا ما يكون المستمعون أكثر حماسة منك!) وأبرز من يقف معك خلف المشروع. تكمن حكمة المستثمرين في المراهنة على الفارس وليس على الحصان. أخيرًا، يشدّد كاري تشون، على أنّه إذا لم تطلب شيئًا، فهذا لن يكون عرضًا تقديميًا. أذكر ماذا تحتاج أن يتمّ فعله وكيف يمكن للمستثمر/المتلقّي أن يساعدك بالخصوص.
وفي نصيحة منه للصحفيين/ات المستقلّين، يقول كاري تشون لشبكة الصحفيين الدوليين: "سواء تعلّق الأمر بالمستثمرين أو المموّلين، فإنّ السؤال العامّ هو "ما فائدة ذلك بالنسبة لي؟". ربّما ذكرت في التدريب أن المستثمرين لا يشترون منتجك بل عملك/شركتك. تتساءل المنظمات غير الحكومية مثلًا عن الكيفية التي سيفيد بها المشروع أجندتَه الخاصّة (على سبيل المثال، الدعاية)".
ويضيف: "قد يفكّر الصحفيون في عرض مشاريعهم الناشئة أيضًا على منصات التمويل الجماعي مثل kickstarter وindiegogo. تستهدف عروض التمويل الجماعي مستهلكي منتجك. سيتعين عليك أن تقدم لهم الحوافز أو المكافآت مقابل المخاطرة بتمويلك (على سبيل المثال، الاعتراف والوصول المميز والمجتمع والإصدارات الخاصة والخصم). ربما يمكنك أن تستلهم من خلال النظر في مشاريع الصحافة على هذه المنصّات".
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة أوستن ديستيل.