لا يزال السجال مفتوحًا على مصراعيه حول وظيفة الإعلام والترند، من يصنع الآخر ومن يُحرِّكه، ومن يُحدِّد أولويات الأخبار، الصحافة أم الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي، ربما في هذا الصدد سنجد أنّ جميع الإجابات صحيحة وقابلة للتطبيق إذا ما اهتم الصحفي بأساسيات وأخلاقيات النشر أولاً وقبل الترند.
في حديثها لشبكة الصحفيين الدوليين، عرّفت الصحفية إسراء المدلل، وهي مقدمة ومنتجة رقمية في TRTعربي، الترند قائلةً: "إنه الأمر المثير للجدل، بطريقة أو بأخرى، في أي قضية أو ظاهرة أو مشهد مصور يستفز الناس ويصبح هناك رأي عام حوله، أي جميع الناس يتفقون على أن ترى وتتفاعل مع هذا المشهد أو اللقطة أو الفيديو أو مهما يكن، وليس شرطاً أن يكون الحديث حوله فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، بل نحمله أيضًا للواقع ونتحدث عنه". وأضافت: "الترند هو حديث يطفو على السطح وأمر قابل للنقاش يصنعه الناس والرأي العام، هناك مشاهد كثيرة استفزت الناس وأصبحت محط تفاعلهم، سواء باتجاهات سلبية أو إيجابية، وقد يمتد هذا التفاعل من ساعات لأوقات طويلة، حتى يأتي ترند آخر يحلّ محله".
في دليل أصدرته مجلة الصحافة، ذُكر أنّ عناصر الترند تظهر بسبب عاملين أساسيين، الأول هو أن يكون هناك حدث آني حظي باهتمام مجموعة كبيرة من المستخدمين وبدأوا بالكتابة أو التغريد في وقت متزامن حول ذلك الحدث بشكل عفوي. والثاني: "الترنـد المتلاعب به" ويقصد به قيام عدد من الحسابات الموجهة أو الوهمية بالنشر بشكل مخطط له ومتزامن بهدف الترويج لقضية معينة، والتلاعب بخوارزميات منصات التواصل لتصنف تلك القضية ضمــن "الأكثر تداولاً".
تُؤكد على ذلك المُدلل، وتوضح أنّ "الفرق بين الصحفي وبين أي شخص آخر، هو الفرق بين مصدر المعلومة وبين الكلام العشوائي، فقد ينتشر مثلاً مقطع تم تصويره منذ 2006 في 2022 على أنه حدث جديد، هنا على الصحفي أن يقوم بواجبه بكشف التضليل للناس ليعرفوا الحقيقة ويتفاعلوا معه عن وعي ومعرفة، لأنّ هناك بعض الأخبار التي تنشر الفزع والخوف وتزعزع وتهدد أمن دول كثيرة وهناك ما يُسيء لشعوب وهناك ما يُسيء للإنسان، فبناءً على ذلك يجب على الصحفي أن يُصحِّح كل ذلك، حتى نحد من خطاب الكراهية والعنف والخطاب العنصري، فجزء كبير من مهنة الصحفي هو تقويم المجتمع وتصحيح المسار، من خلال توعية المجتمع، وكيف أن الترند المضلل قد يؤدي إلى التعاطي مع قضية عادلة بطريقة تسيء لها"، بحسب المدلل.
إذًا، الموضوع أكبر من صنع ترند فالموضوع له علاقة بمصداقية المعلومة، والأمثلة حول الترند لا تنتهي حقيقةً، قد يكون محلياً أو إقليمياً أو يتسع للدولي في مرات أخرى، كل يوم هناك الجديد منه، ولأنه ظاهرة فمن واجب الصحفي إدراك تقنياته وأدواته وتحليل المعلومات التي يُقدمها جيداً كما تُملي عليه أخلاقيات المهنة.
وهنا قد يُطرح السؤال التالي: لماذا الاهتمام بموضوع الترند، وما صلته بالصحافة؟
ليكون الجواب بسبب المخاطر التي تطال الصحافة والصحفيين، كما جاء في تقرير حول الترند في "دليل أخلاقيات الصحافة في العصر الرقمي":
- وجدت دراسة أميركية أن معظم الصحفيين اليوم يستخدمون مواقع التواصـل الاجتماعـي للبحـث عن أفكار جديدة لقصصهم الصحفية، ما يعني أنّ التأثير أصبح معكوسًا؛ فالصحفي اليوم هو مــن يخضع لـ"الترند" لا من يصنعه.
- إذا كانـت الخوارزميات ومحركات البحث تؤثر في شكل المحتوى وآلية نشره، فإنّ "الترند" يتدخل في مســتوى ما قبل الشـروع في إنتاج المحتوى (تحديد أجندة وسائل الإعلام) وبالتالي يتدخل في أكثر مراحل العمل الصحفي حساسية.
- رصـدت البحوث الأكاديمية مؤخرًا أنّ الصحافـة تحولت من دورها كمحدد أولويات القضايا التــي ينبغي للجمهور التركيز عليها، إلى صحافة تنقاد إلى أولويات الجمهور.
- تمكنت وسائل التواصل الاجتماعي والجهات القــادرة على التلاعب بـ"الترنــد" من توظيفه كوســيلة استباقية للوصول إلى الجمهور قبل الصحافة، الأمــر الذي قلص من قدرة المؤسســات الإعلاميــة على نشــر الحقائق حول حدث ما.
- يصبــح الصحفي، تحت مبــرر مواكبــة "الترند" ومسايرة مطالب جمهور وسائل التواصل الاجتماعي.
- يمس "الترند" أحيانًا باسـتقلالية الصحفي، إذ لا يحد فقط من قدرته على الإحاطــة بجوانــب موضوع ما فحســب، بل يحدد له الموضوع في المقام الأول. وأصبح هناك (News Junk) والتي ترغم مؤسســات إعلامية راسخة في المهنية، على تناولها تماشـيًا مع "الترند"، وســعيًا لتحقيق الانتشار اللازم لاستمرار عملها.
- يجبــر الصحفي بســبب "الترند" أحيانًا على فقدان المسافة اللازمة تجــاه القضايا التي يغطيها ليصل إلى درجــة تبنيها، وهذا لا إشــكال فيــه إن كانت القضية متعلقة بحق رئيسي من حقوق الإنسان. لكن الأمر يمتد أحيانًا ليشمل حملات شعبوية لا علاقة لها بالصالح العام.
- كما تحد هــذه الذهنيــة من قــدرة الصحافة على تقديم الحقائــق الموضوعية التي أصبحت "مملــة" وفق قواعد "المحتوى الرائج" التي فرضتها منصات التواصل.
- مواكبة الصحفي لـ"الترند" في قصصه الصحفية، قد يمنحه شعورًا بـ"الاعتراف" من الجمهــور، وهــذا مـا يجعــل عمليــة "التغريد" خارج السرب مهمة شاقة للصحفيين الموضوعيين الذين ينتجون قصصهم بناء على المعايير المهنية والأخلاقية، والقيمة الخبرية للأحداث.
تُقدِّم المدلل للصحفيين مجموعة من النصائح للتعامل بطريقة مهنية وصحيحة مع الترند:
- وعلى رأس النصائح تأتي أهمية التأكد من المعلومات، لاسيما وأننا في عصر رقمي يصعب فيه الوصول إلى الحقيقة.
- يكمن دور الصحفي بأن يُصحح مسار الترند، وأفضل طريقة لتجاهل ترند فيه معلومات غير صحيحة، أن يخرج ويتناول القضية أو الظاهرة بمهنية وعملية، ويغيِّر من زاوية النظر لها.
- أن يحاول استغلال الترند للتوعية _إن أمكن ذلك_ من دون ركوب الموجة للوصول لمصالح شخصية لا تعود بالنفع أو الفائدة على الجمهور، وأن يعرف متى يتجاهل ومتى يتعامل بجدية.
- الترند لا يصنع الصحافة وليس عليه أن يفعل، فواجب الصحفي تقديم أخبار تهم الجمهور، تقدم معلومة ذات مصلحة عامة، لذا على الصحفي أن يُحاول التأثير لا التأثر بدون تفكير، فليست كل الأخبار وما تقدمه منصات التواصل الاجتماعي تستحق التغطية.
- هناك ترند يُساهم في مناصرة قضية معينة.
الصورة المرفقة حاصلة على المشاع الإبداعي على أنسبلاش بواسطة AbsolutVision.