عندما ضربت الجمرة الخبيثة الولايات المتحدة الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أصيبت المؤسسات الإخبارية بحالة ارتباك شديد، سببها الرئيس عدم استعداد الصحفيين المسبق لتغطية هجمات الإرهاب البيولوجي، التي يصعب معرفة مصدرها ومركزها ومدى انتشارها وتأثيرها.
وواجه الصحفيون تحديات غير مسبوقة أثناء التغطية، ووجدوا أنفسهم مطالبين بتوفير معلومات سليمة ومفيدة، ونشرها بسرعة ودقة وفي سياقها المناسب، مع تجنب الخطأ أو السهو الذي قد يتسبب في حالة ذعر عامة، ويقوض استجابات الحكومة والسلطات الصحية، وذلك في قلب أجواء صعبة وغامضة، وفراغ معلوماتي غير مسبوق.
تعلمت المؤسسات الأميركية من هذه التجربة أنّ الأداء الإعلامي الجيد هو أحد أهم العوامل الحاسمة في مواجهة أي إرهاب بيولوجي، وأنه لضمان تغطيات إخبارية مطلعة وواضحة ومتطورة ومباشرة، تبدد المعلومات الخاطئة وتحدد نطاق القضايا الرئيسية المحيطة بالإرهاب البيولوجي، يجب إعداد الصحفيين مسبقًا للتعامل مع هذه الهجمات قبل وقوعها، ومدّهم بكل المعلومات المهمة حول الإرهاب البيولوجي بشكل عام، وتدريبهم على تخطي التحديات المرتبطة بهذا النوع من الأحداث.
هذا المقال بمثابة دليل لمساعدة الصحفيين على الاستعداد المسبق لتغطية الإرهاب البيولوجي، ننصح بقراءته جيدًا والاحتفاظ به، لأن الهجمات من هذا النوع قد تحدث في أي وقت وفي أي مكان، من دون سابق إنذار.
ما هو الإرهاب البيولوجي؟
- يُقصد بالإرهاب البيولوجي إطلاق عوامل بيولوجية أو مواد سميّة عن عمد بغرض إلحاق الأذية بالكائنات البشرية أو الحيوانية أو النباتية أو قتلها لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية عبر ترهيب الحكومات أو السكان المدنيين أو إخضاعهم بالقوة.
- قد يظل الهجوم البيولوجي غير مكتشف لأيام أو حتى لأسابيع، قبل أن تظهر إصابات غير عادية ويلاحظ العاملون في مجال الصحة تزايد أعداد المصابين بأمراض معينة بشكل غير معتاد.
- يمكن أن يتراوح الإرهاب البيولوجي من وضع النفايات في الطعام في مطعم ببلدة صغيرة إلى إطلاق رذاذ لفيروس مُعدٍ على مدينة كبيرة، أو حتى انتشار أمراض نباتية أو حيوانية في مناطق الزراعة تعطل الإمدادات الغذائية للدولة.
- يمكن أن يكون الجاني أي شخص، من موظف ساخط إلى دولة أجنبية معادية أو مجموعة إرهابية عابرة للحدود.
- يتحدد نوع العدوى ومدى شدة الأعراض، وعدد الأشخاص المصابين، وفق الطريقة المستخدمة في تنفيذ الهجوم ووسائل نشر السلاح البيولوجي وفعالية الاستجابة له، ومدى اتساع المنطقة، بالإضافة إلى المتغيرات غير المتوقعة مثل هطول الأمطار والرياح.
- ينتشر السلاح البيولوجي بطرق عدّة، أبرزها عن طريق الهباء الجوي وتوزيعه بالطائرات أو الرشاشات أو الشاحنات المجهزة بمرشات، أو عن طريق استخدام البشر كـ"قنابل بيولوجية" لنقل العدوى لآخرين، أو عبر تلويث متعمد لإمدادات الغذاء أو المياه.
ما هي الأسلحة البيولوجية؟
قبل الشروع في تغطية هجوم بيولوجي يجب دراسة أنواع الأسلحة البيولوجية، المعترف بها دوليُا، جيدًا.
تنقسم الأسلحة البيولوجية إلى 3 فئات، الفئة (A) تضم 6 أسلحة وتمثل أعلى مستوى تهديد، بالإضافة إلى الفئتين B و C، وتشمل كل منهما أسلحة أقل خطورة.
يمكنك الوصول إلى كل المعلومات والمنشورات ذات الصلة بالأسلحة البيولوجية الخطيرة عبر هذه الروابط من موقع منظمة الصحة العالمية:
2- البوتولينيوم أو التسمم الغذائي
3- الطاعون
4- الجدري
ما هي القوانين والمعاهدات التي تحكم الحرب البيولوجية؟
يجب أن تتعرف على جميع القوانين والمعاهدات المتعلقة بالحرب البيولوجية ودراستها جيدًا، والاستعانة بالخبراء في حال واجهتك مصطلحات أو بنود غامضة.
هذه قائمة بالمعاهدات التي يجب أن تعرفها:
- اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسموم: وقعت في لندن وموسكو وواشنطن العاصمة في نيسان/أبريل 1972 ودخلت حيز التنفيذ في 1975. ويمكنك الوصول إلى نص الاتفاقية باللغة العربية من هنا
- بروتوكول جنيف: بروتوكول بشأن حظر استعمال الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب، وتم التوقيع عليه في عام 1925 ودخل حيز التنفيذ في عام 1928. ويمكنك الوصول إلى نص البروتوكول باللغة العربية من هنا
- مجموعة أستراليا: هي كيان غير رسمي بدأ في العمل عام 1985 ويضم 41 دولة تجتمع سنويًا بهدف تمكين الدول المصدّرة أو التي تعبرها الصادرات من تقليل الأخطار التي تساعد على انتشار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. للوصول إلى كل ما يتعلق بالمجموعة باللغة العربية من هنا.
- قائمة الدول المالكة لأسلحة بيولوجية: لا تتوقف الدول عن تطوير أسلحة بيولوجية رغم الاتفاقيات والمعاهدات. ومن المهم أن يعرف الصحفي المهتم بتغطية الإرهاب البيولوجي من هي الدول التي تطور أسلحة من هذا النوع، القائمة كاملة من هنا.
ما هي الإجراءات والتدابير الصحية قبل التغطية؟
- قبل الذهاب لتغطية إرهاب بيولوجي أو حالة طوارئ صحية من صنع الإنسان، يجب أن تتأكد أن حالتك الصحية جيدة، وأن جهازك المناعي غير معرض للخطر، ولا تعاني من أمراض مزمنة قد تؤثر على حالتك أثناء التغطية وتجعلك أكثر عرضة للإصابة بالمرض أو الوباء.
- قبل السفر أو الذهاب إلى منطقة موبوءة، استشر منظمة الصحة العالمية، واطلع على الكتيبات الصادرة عنها بشأن الوباء أو السلاح البيولوجي، وكذلك المنشورات الخاصة بالمنطقة التي تنوي السفر إليها، حيث توفر المنظمة إرشادات بشأن أمراض معينة، وتوضح معلومات حول الوباء أو حالات الطوارئ البيولوجية، والتدابير اللازمة لتجنب الإصابة.
- اطلع على النشرات الصحية المحلية وتحديثاتها المستمرة، وراجع قيود السفر للمناطق الموبوءة.
- في حالات الإرهاب البيولوجي يمكن أن تشمل المخاطر البيولوجية أنواعًا عدة من الفيروسات والبكتيريا، وكل نوع من هذه المخاطر له شكل من أشكال الحماية والعلاج، سوف تعرفه عن طريق منظمة الصحة العالمية.
- استشر أخصائي الرعاية الصحية قبل المغادرة، واسأله عن الأدوات والمعدات الطبية وكذلك الأدوية التي يجب أن تأخذها معك لتجنب المخاطر أثناء العمل.
- خذ معك أكبر قدر ممكن من الأدوية، ففي مناطق الوباء يكون هناك نقص محلي في الأدوية.
- تلقي التطعيمات الموصي بها، والتزم بالأوقات المحددة بعد التطعيم لضمان فعاليته.
- راجع تأمينك الطبي لمعرفة ما إذا كان سيغطي العلاج والنفقات الأخرى المحتملة في حالة الإصابة بالمرض أو الوباء، بما في ذلك تكلفة الإخلاء الطبي في حالات الطوارئ.
- استعد نفسيًا لاحتمالية إصابتك بالمرض أو الوباء أثناء التغطية، وأنك قد تمنع من مغادرة المنطقة التي تفشى فيها المرض، عدم وضع ذلك في الحسبان قد يتسبب في انهيار نفسي.
ما هي الإجراءات أثناء العمل على الأرض؟
- يجب على الصحفيين دائمًا إعطاء الأولوية لسلامتهم. لا توجد قصة تستحق حياتك، وفي حال أصبت، ستصبح عبئًا بعدما كنت أحد عوامل تخفيف الأعباء.
- اغسل اليدين بشكل متكرر ومباشرة، على النحو الموصي به من قبل منظمة الصحة العالمية، وذلك بعد أي تعرض محتمل للوباء، واستخدم أيضًا معقم اليدين في أي حالة من هذا القبيل.
- تجنب الطعام والماء المحتمل تلوثه. وتجنب أي اتصال محتمل مع المرضى.
- تعرف على كيفية انتقال المرض المتفشي، ثم اتخذ الاحتياطات المناسبة. حددت منظمة الصحة سبع طرق يمكن أن تنتشر بها الأمراض: من خلال الغذاء والماء، وعن طريق النواقل مثل البعوض والحيوانات المصابة، ومن خلال التربة، والهواء، أو بسبب الاتصال الجنسي، وملامسة الدم وسوائل الجسم. وتشمل الاحتياطات: النوم تحت الناموسيات وتجنب الاتصال الجنسي وتجنب الازدحام والأماكن الضيقة إن أمكن.
كيف نتغلب على تحديات تغطية الإرهاب البيولوجي؟
إحدى أكبر المشكلات التي تواجه الصحفيين الذين يحاولون تغطية إرهاب بيولوجي تتعلق بالطبيعة السرية الفريدة للهجوم، فالحادث البيولوجي يتكشف ببطء وبشكل تدريجي وعلى فترة طويلة، ما يتسبب في انتشار حالة من عدم اليقين بشأن العديد من الحقائق الحاسمة، مثل: الموقع الدقيق أو مدى الإطلاق الأول؛ نوع العامل البيولوجي المستخدم؛ مستوى تقلب الفيروس وحدته واستقراره مع مرور الوقت؛ احتمال حدوث إطلاقات إضافية، أو ربما تكون قد حدثت بالفعل ولكنها لم تظهر أعراضًا بعد. كل هذه العوامل تصعب على الصحفيين إجراء تغطية صحفية متوازنة وجيدة، لأنّ ردود الأفعال الرسمية تكون متخبطة وغير واضحة في معظم الأحيان، ما يؤدي في النهاية إلى فراغ معلوماتي وارتفاع مستوى الخوف لدى الجمهور.
كما أن العثور على مصادر خبيرة لديها معلومات صحيحة عن الوضع في هذه الفترة الاستثنائية، يمثل تحديًا جديًدا.
يمكن أن نواجه هذه التحديات وغيرها، عن طريق الآتي:
- ابدأ في العمل مبكرًا، فالهجمات تكتشف تدريجيًا كما قلنا وخلال فترة من الزمن، لذا اتخذ بعض الخطوات الاستباقية مع ظهور أول إصابة لتضمن تغطية جيدة ودقيقة عند تأكد وقوع الهجوم.
- حدد من هو المسؤول الحقيقي عن قرارات الصحة العامة، سواء على مستوى المحافظة أو الولاية أو مستوى الدولة ككل، واعرف من هو المسؤول الرئيس الذي يقرر متى يجب على الحكومة الاستجابة؟ ومن هم المسؤولون الثانويون؟ وما هو تسلسل القيادة؟
- اعرف كيف يقوم أخصائيو الرعاية الصحية بالإبلاغ عن الإصابات جراء الهجوم؟ وكيف تتلقى الحكومة هذه التقارير وتعالجها وتستجيب لها؟
- تعرف إلى أنواع الخطط التي وضعها المسؤولون للتعامل مع هجوم بالأسلحة البيولوجية، وما هي عناصر هذه الخطة؟ وما هو الجدول الزمني لكل عنصر ومن هو المسؤول عنه؟
- حدد بدقة شديدة مكان المصادر الخبيرة والموثوقة والواعية وذات الصلة بالإرهاب البيولوجي، وابحث عن كيفية الاتصال بهم في حالات الطوارئ. لا تؤجل البحث عن المصادر الخبيرة لما بعد التأكد من وقوع الهجوم، ففي خضم الفوضى والارتباك الذي يعقب الحادث، قد تضطر للجوء إلى مصادر أقل خبرة ومعرفة، تمدك بمعلومات خاطئة، فتزيد من الارتباك والذعر العام.
- ابحث عن خبراء في مجموعة متنوعة من المجالات، من علم الفيروسات إلى إدارة الأزمات، ومن داخل المؤسسات الحكومية، ومن خارجها أيضًا.
- كن على تواصل مع المؤسسات الأكاديمية الراسخة ومراكز الفكر والجمعيات الطبية، والمنظمات الصحية الدولية والمحلية، وأساتذة الجامعات في التخصصات المستهدفة، والمسؤولين الحكوميين ذوي الخبرة في الوزارات والجهات المعنية، والنشطاء المهتمين بالحروب البيولوجية، من أجل إجراء مقابلة أو استشارة في حالة وقوع هجوم، واطلب منهم جميعًا ترشيحات لمصادر متخصصة، لكي تضمن وجود بدائل.
- جهز قائمة كاملة بالمصادر، وتواصل معها قبل الهجوم البيولوجي وأثناءه وبعده، وتأكد منهم من كل معلومة تصلك حتى لو كانت تبدو غير مهمة، فالمعلومات السليمة والآراء الخبيرة تعد عنصرًا حاسمًا في الاستجابة الفعالة للأزمة ومساعدة الناس على حماية أنفسهم، بينما المعلومات المضللة - أو حتى المعلومات الدقيقة التي يتم نقلها بطريقة مبالغ فيها - يمكن أن تقوض أفضل خطط الاستجابة للهجمات البيولوجية وتتسبب في وفيات غير ضرورية وفوضى وذعر وعدم استقرار.
- تذكر أن التقارير المقيدة والمتوازنة والمسؤولة التي تعتمد على معلومات مدققة حول التدابير الوقائية، وتشجع الاستجابات العقلانية، تلعب دورًا مهمًا في السيطرة على مخاوف الجمهور، وتمنحه قدرة أفضل على فهم الأحداث وتوفر له احتمالات أكبر للتعافي السريع من هجوم بيولوجي، كما أنها تدعم الجهود الحكومية في احتواء الهجوم وآثاره.
استعان الكاتب خلال تنفيذ المقال بشكل رئيس بهذا الدليل وبشكل ثانوي بهذا الدليل.
أحمد العطار هو صحفي استقصائي مصري متخصص في التحقيقات مفتوحة المصدر وشؤون البيئة، حاصل على جائزة أريج عام 2012.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على بيكسيباي.