تشكّل جائحة "كوفيد 19" محور اهتمام العالم منذ حوالى 5 أشهر، وأصبحت الشغل الشاغل للصحفيين مهما تنوّعت مجالات تخصّصهم، ولم تعد تقتصر على الصحفيين المتخصصين بمجال الصحة والطب، لأنّ تدفّق الأخبار حول هذه الجائحة أسفر عن تعزيز الثقة ببعض المؤسسات التي زاد متابعوها بسبب تغطيتها الدقيقة لتطوّر الجائحة وأعداد الإصابات وقصص الحالات الإنسانية التي تنقلها، فيما تراجعت الثقة بكثير من المؤسسات الأخرى، مع نقل بعضها شائعات من دون التأكد من المصدر أو نشر أخبار ترهب الجمهور، الأمر الذي حتّم التفكير بالطرق الآيلة إلى استعادة ثقة الجمهور.
ومن بين المؤسسات الإعلامية التي خصّصت نافذة لتغطية فيروس "كورونا" والتي نجحت بجذب الجمهور كانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، التي استقطبت 587 ألف مشترك بالنسخة الرقمية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020، وفي نهاية مارس/آذار، أصبح للصحيفة أكثر من خمسة ملايين مشترك رقمي، بينهم 3.9 مليون مشترك بخدمة الأخبار و1.1 مليون في التطبيقات. وبلغ إجمالي عدد الاشتراكات، بما في ذلك في الصحيفة المطبوعة 5841000 مشترك، وارتفع إجمالي إيرادات الاكتتاب بنسبة 5.4٪ خلال فترة الثلاثة أشهر إلى 285.4 مليون دولار. وارتفع إجمالي الإيرادات بنسبة 1٪ إلى 443.6 مليون دولار.
وفي هذا السياق، خلصت دراسة حول حالة التكنولوجيا في غرف الأخبار العالمية في العام 2019 أجراها المركز الدولي للصحفيين إلى أنّ غرف الأخبار تتخذ تدابير لبناء الثقة في الجمهور، وفيما يتباين مستوى الإهتمام بموضوع الثقة في العالم، يتضح أن أميركا الشمالية تبقى الأقل قلقًا.
وفي ظلّ التشكيك وتراجع الثقة الناجمة عن أخبار "كورونا"، يمكن للصحفيين حول العالم الإستفادة من هذه التدابير، وهي إبراز تقارير تهمّ المواطنين وتُعنى بالمصلحة العامة، ذكر مصادر أكثر في التقارير، فصل التقارير الاخبارية عن مقالات الرأي ونشر المزيد من الوثائق الرئيسية.
يمكنكم الإطلاع على الملخّص التنفيذي عبر الضغط هنا وعلى التقرير الكامل هنا.
من جهتها، أظهرت دراسة إحصائية أجرتها مؤسسة Edelman مؤخراً حول الثقة بالأخبار خلال تغطية "كوفيد 19" أنّ الصحفيين هم أقل مصدر موثوق للمعلومات حول الجائحة، على الرغم من أن الغالبية العظمى من السكان في جميع أنحاء العالم يحصلون على تحديثات حول الفيروس من خلال وسائل الإعلام. وخلال الدراسة، تمّ جمع بيانات من 6 إلى 10 آذار/مارس في البرازيل وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وتبيّن أنّ الخبراء والعلماء هم المصدر الأكثر ثقة فيما يتعلق بالفيروس بنسبة 83%. ورأى 43% من الأشخاص المشاركين في الإستطلاع أنّ وسائل الإعلام جديرة بالثقة في نقل أخبار "كوفيد 19".
توازيًا، خلصت دراسة أجرتها شركة TradeLab ومقرها ميلانو في منتصف آذار/ مارس إلى تراجع الثقة في وسائل الإعلام، وعارض 46% من المشاركين في الإستطلاع مقولة إنّ وسائل الإعلام تغطّي حالة الطوارئ الصحية بشكل دقيق، فيما اعتبر 16% فقط أنّ التغطية متوازنة وشفافة، واعتبر 31% أن الحكومة ومسؤولي القطاع الصحي يصورون الوضع بدقة أكبر. وقال المسؤول المشارك في تأسييس TradeLab باولو بيرتوزي "عكس بحثنا خيبة أمل الناس في التغطية الإعلامية خلال الأسابيع الأولى من حالة الطوارئ الصحية"، مضيفًا أن "وسائل الإعلام المحلية أقل ثقة الآن ممّا كانت عليه قبل الوباء".
كذلك أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسات إعلامية NPR / PBS NewsHour / Marist أن 50 بالمائة فقط من الأميركيين يثقون بالمعلومات التي يسمعونها عن الفيروس من وسائل الإعلام.
لذلك جمعت شبكة الصحفيين بعض الإرشادات للصحفيين لاستعادة ثقة الجمهور خلال تغطيتهم "كوفيد 19":
التركيز على رسائل واضحة وبسيطة
أوضحت المحلّلة والكاتبة سوزان جوي هاسول، التي تعمل في ترجمة الدراسات العلمية المعقدة إلى اللغة الإنجليزية، حيث تقدّمها بشكل أسهل لصنّاع القرار والجمهور منذ 30 عامًا، وهي أيضًا مديرة مبادرة خاصة بتغيّر المناخ Climate communication، أنّه يتعين على الصحفيين نقل رسائل بسيطة وواضحة عن مجموعة متنوعة من المصادر الموثوقة، منبّهةً من أنّ الجمهور يتلقى رسائل متضاربة من الإدارات الصحية ووسائل التواصل الاجتماعي والمسؤولين حول مدى خطورة الفيروس.
إنشاء رسوم بيانية وسرد مرئي
خلص الباحثان بريندان نيهان وجيسون ريفلر في بحث لهما إلى أنّ تأثير الصورة يكون أقوى عندما تفشل الكلمات في الوصول إلى القارئ، واعتبرا أنّ الرسوم البيانية والسرد المرئي أكثر إقناعاً من النص خلال مكافحة التضليل.
التقرب من الناس
يمكن للمؤسسات الإعلامية نقل شواهد عن أشخاص موثوقين أو مشاهير لديهم جمهور واسع وبالتالي ستزيد ثقة هذا الجمهور بالأخبار المنقولة، ويتابعونها بشكل أكبر، على سبيل المثال بدأ الناس يحذرون من "كورونا" ويتخذونه على محمل الجد بعدما أعلن الممثل توم هانكس أنه مصاب به.
نشر اقتباسات
يمكن للمؤسسات الإعلامية أن تقوم بإعداد لائحة بأسماء المتخصصين في علوم الصحة والعلوم والخبراء والباحثين عن "كوفيد 19"، ونشر اقتباسات ممّا يقولونه بانتظام، فالناس يريدون سماعهم.
توضيح طريقة العمل للجمهور
تواصلت جوي ماير وهي مديرة مشروع Trusting News للتحقق من الأخبار وفريقها، مع غرف الأخبار التي تغطي "كوفيد 19" عن طريق Slack والهاتف والبريد الإلكتروني، ولفتت إلى أنّها وخلال عملها في مجال الصحافة لمدة 20 عامًا وجدت أنّ "كورونا" يقدم مساحة لعدم ثقة الجمهور وأعدّت نشرة بريدية خاصة موجهة للصحفيين حول تأثير كورونا على الثقة، وأوضحت في دراسة أعدّتها أنّه يجب توضيح العمل للجمهور، لافتةً إلى أنّ "القراء يثقون في مصدر إخباري أكثر عندما يرون شريطًا جانبيًا بجانب مقال يشرح كيفية إعداد هذا المقال أو التقرير الصحفي"، وشجعت وسائل الإعلام على شرح كيف ولماذا يغطون الوباء.
الإستماع لشكاوى الجمهور
بحسب تقرير نشره موقع مختبر نيمان للصحافة، يجب عدم إهمال الرسائل التي تصل من الجمهور، حتى لو كانت سلبية، ويجب التمحيص بالشكاوى والبحث عن حلول.
التصحيح
ينصح معهد الصحافة الأميركي بإجراء التصحيحات وأن يكون الصحفيون صريحين مع الجمهور عند التعديل، فعند إظهار الخطأ سيثق القراء أكثر بالمؤسسة الصحفية.
من جهتها، تشجع صحيفة كولومبيا ميسوريان قراءها على تقديم تصحيحات وإبلاغها بالأخطاء وعدم الدقة في نشر الحقائق. وتنظم الصحيفة مسابقة شهرية تسمى "Show Me The Errors" لمكافأة الأشخاص الذين يقدمون التصحيحات.
أضف المزيد من السياق للقصص
يمكن أن يضيف الصحفيون المزيد من السياق إلى قصصهم، وهذا يعني تحديث قصة إخبارية عاجلة، أو إعادة ربط خبر جديد بقصص سابقة، ما يدلّ على أنّ الصحفي يتابع تطوّر القصة منذ بدايتها، وهذا الأمر يعزّز ثقة الجمهور.
إشراك الجمهور
من أسس العمل الصحفي، بناء ثقة مع المجتمع المتابع، ولذلك يترتب على الصحفيين بناء علاقات مع مجتمعاتهم وتشجيعها على الانخراط في صناعة التقارير، عبر اقتراح تغطية مواضيع جديدة أو جوانب عن "كورونا" أغفلتها وسائل الإعلام أو المشاركة بنقل تجارب شخصية.
تصوير المصادر
يجب على الصحفيين التقاط صور للأشخاص الذين يقابلونهم والذين ينقلون معلومات حساسة عن "كورونا"، ما يتيح للقراء الاطلاع على المعايير المهنية المستخدمة لجمع المعلومات والتحقق منها. كذلك على الصحفي التقاط صور للمواقع الرئيسية وعناصر القصة. كما يتعيّن على الصحفيين التقليل من النقل عن مصادر من دون إبراز هويتها، وبحال اضطروا لذلك عليهم أن يشرحوا للجمهور أسباب ذلك.
نشر الوثائق
يمكن للصحفيين الإستقصائيين جمع وثائق وأدلّة حول أعداد المرضى والمستشفيات وشركات الأدوية المستعان بها خلال مواجهة الفيروس، وعرضها للقراء ليطلعوا عليها.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على بيكسيباي.