في الوقت الذي يتفشّى فيه فيروس "كورونا" في معظم دول العالم، يلجأ كثيرون إلى الحجر المنزلي والبقاء على مسافة آمنة تقيهم من الإصابة، فيما لا يستطيع الصحفيون الذين ترتكز مهامهم الأساسية على الأرض وبين الناس، مثل المراسلين والمصورين، ملازمة منازلهم ويخرجون من أجل ملاحقة آخر التطورات والمستجدّات المتعلقة بـ"كوفيد 19"، ما يسبب لهم ضغوطًا نفسيّة مثل الخوف من انتقال العدوى إليهم والتفكير بذويهم وأطفالهم وما إذا كانوا يعرّضون أنفسهم للخطر وينقلون التهديد الصحي لعائلاتهم.
وبما أنّ شخصيات الصحفيين والبيئات التي يعيشون فيها مختلفة، تتباين ردات فعلهم أو معاناتهم في التعامل مع كوفيد 19، بحسب الاستشاري في معالجة آثار الصدمات النفسية د. خالد ناصر الذي أوضح في حديث مع شبكة الصحفيين الدوليين حالات عدم الاستقرار التي يواجهها الصحفيون خلال تواجدهم على الجبهات الأمامية في مواجهة "كورونا" وسعيهم لنقل الصورة الواضحة والشفافة للمواطنين. وأشار ناصر إلى أنّ هناك أمورًا مشتركة بين الأزمات الصحية العالمية والأعمال العنفية والحروب، فجميعها تدفع الصحفيين إلى معالجة قضايا فيها ألم وصدمات وضحايا، ولكنّ الفرق هو أنّ الحروب من صنع الإنسان وبالتالي تترافق مع شعور بالظلم، أمّا "كورونا" فهو يشبه الشبح الذي يهجم على الناس، ولذلك يشعر الناس ومن بينهم الصحفيين بالقلق والحزن، ولكن ينتفي عامل الظلم.
وعن حماية الصحفيين لصحتهم النفسية جرّاء ضغوط العمل التي يتعرّضون لها، أوضح ناصر أن الصحفي هو إنسان ولذلك عليه الإهتمام بصحته جيدًا، من خلال التغذية والحصول على وقت كافٍ للنوم ومحاولة عدم الإطلاع على الأخبار لا سيما المخيفة قبل الخلود إلى النوم. كذلك فالصحفي يتعرّض لصراعات داخلية، فمن جهة يفكّر بأنّ عليه الإهتمام بنفسه جيدًا ومن جهة أخرى عليه القيام بعمله. وإجتماعيًا أيضًا يقلق الصحفي بسبب التفكير بعائلته، وهنا يترتّب عليه تهدئة أفراد أسرته التي ينتباها القلق أو التوتر العصبي والتواصل معهم وأن يُحسّن إدارة الأدوار الإجتماعية ويفكّر بأولوياته إن كانت عائلية أم مهنيّة.
وتابع ناصر أنّ بعض الصحفيين لديهم الكثير من المشاريع ووتيرة عملهم سريعة، ومع حجر "كورونا" لهم في المنزل، قد تبطأ سرعتهم في العمل والإنتاجية ما يؤدّي إلى توترهم، وينصح الدكتور ناصر الصحفيين بتهدئة أنفسهم أو إيجاد أعمال سريعة رغم بقائهم بين 4 جدران. ونبّه ناصر من أنّ الوحدة في المنزل قد تعيد إلى أذهان الصحفيين تجارب سابقة سيئة أو مؤلمة، لهذا يجب أن يشغل الصحفي والناشط وأي شخص نفسه عبر قراءة كتب متنوعة أو ممارسة هواية يحبها، لا أن يقضي وقته بالتأمل واسترجاع الذكريات.
ولفت ناصر إلى أنّ كل شخص لديه معدّل توتر معيّن، ولا يجب رؤية التوتر كعامل سلبي لأنه طاقة، لكن لا يجب أن يتحوّل التوتر إلى اضطراب بدرجة عالية وبالتالي إلى نوبات من القلق تؤثر على الإنتاجيّة. وقال: "بالنسبة للقلق فهو خوف وهمي في الرأس حول ما يمكن أن يحدث في المستقبل، وتقدير المخاطر المتوقعة المتعلقة بالصحة والعمل، ويزيد القلق مع زيادة المجهول في حياتنا، مثلاً التفكير كيف يمكن أن أصاب بكورونا، وزيادة علامات الاستفهام، يزيد التوتر ويدخلنا مرحلة القلق. كل ما قرأنا أكثر وعرفنا معلومات أكثر عن الفيروس أو عملنا كثيرًا في الأخبار، يزيد القلق، لأنّ المعلومات الجديدة ستكوّن صورة لدينا أو ثقافة أنّ العالم خطر، فلا يجب الوصول الى هذه المرحلة، بل يجب التصرف بمسؤولية وحماية النفس والصحة النفسية". وأوضح ناصر أنّ "بعد زيادة القلق ندخل في مرحلة الهلع، وهي المرحلة التي تتخطى ما يتحمله جسمنا، ونثور عاطفيًا ولا نعود نفكّر بشكل صحيح فيكون قد طغت الحالة النفسية على التفكير، والتحليل، ونصل إلى مرحلة الجمود، ونبتعد عن الإبداع والحلول، ونحدّ حياتنا".
وعن المرضى، قال إنّه يجب احترام قرار المريض إذا رفض إجراء مقابلة، أو إذا أراد التحدث من دون ذكر إسمه مراعاةً لخوف المحيطين به، والأهم هو مرحلة ما بعد المقابلة، أي التواصل مع المرضى وأهلهم لإطلاعهم على المحتوى والإطمئنان إلى صحتهم، والتفكير بالإنسان وليس المادة الصحفية فحسب، كذلك يجب عدم تقديم وعود للأشخاص بأنّ التقرير سيُحدث تغييرًا وأن يبقى الصحفيون موضوعيين لا سيما في الحديث عن تأثير التقرير. وهنا تنصح شبكة الصحفيين الدوليين بالإطلاع على فيديو أعدّه مركز دارت للصحافة والصدمات حول أخلاقيات إعداد التقارير عن الناس الذين يواجهون الصدمات.
ونصح ناصر الصحفيين بالتجديد ووضع خطط لأبسط الأمور في الحياة، والتركيز على التحديات المقبلة للإبتعاد عن الصدمات ووضع قائمة للأعمال اليومية وتنفيذها.
من جهتها، نصحت لجنة حماية الصحفيين العاملين في المجال الإعلامي الذين يغطون "كوفيد 19" بمناقشة أفراد الأسرة حول المخاطر التي تنطوي عليها المهمة وأبرز ما يقلقهم، وإذا لزم الأمر يمكن للصحفيين ترتيب حوار بين أفراد الأسرة والمستشارين الطبيين في المؤسسة الإعلامية.
وفيما يلي تقدّم شبكة الصحفيين الدوليين أبرز الموارد والمراجع التي يمكن للصحفيين أن يطلعوا عليها عبر الإنترنت من أجل الحفاظ على سلامتهم وإدارة القلق:
منتدى تغطية الأزمات الصحية العالمية من المركز الدولي للصحفيين وشبكة الصحفيين الدوليين الذي يُنظّم ويبينارات تستضيف خبراء وأطباء لتقديم موارد للصحفيين.
مساق إدارة القلق والصدمات النفسية: هو منهج دراسي متكامل من منصة إدراك بالتعاون مع شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) وهو يقدّم معلومات علميّة وعمليّة عن الصحة العقلية لمساعدة الصحفيين على تخفيف حدّة التوتر والصدمات المرتبطة بالعمل وتعزيز الوعي العاطفي وإدارة الإجهاد.
دليل تغطية الكوارث والأزمات، الذي أصدره المركز الدولي للصحفيين، وهو يغطي قضايا الصحافة والصدمات النفسية، ويقدّم النصائح للعناية بالذات وبالمقربين.
دليل السلامة الذي أصدرته لجنة حماية الصحفيين والذي يوضح للصحفيين علامات الإجهاد ويقدّم لهم النصائح للرعاية الصحية والنفسية.
دليل القضايا الأخلاقية المتعلقة بالصدمة والصحفيين المقدّم من مركز أخلاقيات الصحافة في جامعة ويسكونسن.
وأخيراً، إرشادات للعناية بالصحة النفسية للصحفيين الذين يتعرضون لأحداث صادمة وهي مقدّمة من مركز دارت للصحافة والصدمات.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخضة الإستخدام على بيكسيباي.