كيف تبني فريقاً إعلامياً في مناطق النزاعات؟

Oct 30, 2018 в أساسيات الصحافة

تُعتبر أماكن النزاع المسلّح والبلدان التي تشهد اضطرابات وتفتقد للأمن والأمان والاستقرار من أخطر بقاع الأرض على العمل الصحفي، كما أنها الأغزر بالأخبار الساخنة، ولأنّ الصحافة هي مهنة البحث عن الحقيقة، قد يواجه الصحفي ضغوطات من قبل الجماعات المُسيطرة بغية حجب هذه الحقيقة عن العالم، وقد يضطر أن يدفع ثمناً غالياً ويتحول من ناقلٍ للخبر إلى خبر.

تُعد مناطق تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من أخطر أماكن العمل الصحفي، كونها تخضع لسيطرة تنظيم لا يعترف بالمواثيق الدولية ويحارب أي شكلٍ من أشكال نقل الحقائق من أماكن سيطرته، ولطالما تغنّى بعمليات إعدامٍ بحقِّ ناشطين وصحفيين كانوا يعملون سراً في أماكن تواجده، ليقف الصحفي أمام خيارين، فإما غضّ البصر وإهمال الواجب الإنساني عمّا يجري في تلك المناطق، أو المخاطرة بالعمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

في سوريا والعراق،نشأت عشرات المجموعات الإعلامية التي ضمّت صحفيين ونشطاء لنقل واقع أماكن سيطرة تنظيم داعش،  إلا أنّ قسماً ليس بقليل من هذه المجموعات قد خسرت عدداً من أعضائها على يد التنظيم نتيجة ممارستهم للعمل الصحفي، مما اضطرّ عدداً كبيراً من النشطاء الذين يعملون سرّاً لمغادرة أماكن سيطرة التنظيم للنجاة بحياته ، لتتحول تلك المناطق إلى كتلة صمّاء تجري داخلها عشرات الانتهاكات يومياً بعيداً عن أعين الإعلام.

مجموعة صوت وصورة واحدةٌ المجموعات التي تنشط بأماكن سيطرة تنظيم داعش في سوريا والعراق منذ العام 2014 ، قدمت خلال هذه السنوات الكثير من التقارير الصحفية التي تكشف معلومات حصرية نقلاً عن مراسليها، كما بثّت على وسائل التواصل الاجتماعي مئات الصور والفيديوهات التي تُظهر شكل الحياة في المدن الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش.

يروي أغيد الخضر مدير قسم المراسلين في مجموعة صوت وصورة المقيم في ألمانيا تجربة المجموعة في العمل داخل أحد  أخطر أماكن النزاع حول العالم فيقول: "عدم خسارتنا لأي فردٍ من مجموعتنا هو أكثر الأمور التي نفتخر بها وتثبت صحة الخطوات المتبعة لدينا لتجنب خسارة الأرواح، تكمن القوة في عملنا بالقدرة على التخفي داخل أماكن العمل، وعدم السماح بحدوث أي اختراق داخل المجموعة من شأنه أن يودي بحياة أحد الأعضاء، فكل الإنجازات التي نحققها ستصبح دون طائل لو خسرنا مراسلاً لدينا".

ويضع الخضر النقاط الأساسية التي ساهمت بتشكيل المجموعة في متناول طلب الجميع ، وبحسب وصفه ليست الغاية أن نكون الوحيدين في الساحة، بل يجب أن يكون هنالك شركاء نتقاسم معهم المهام  في ظلّ كثرة الانتهاكات المرتكبة يومياً. إنّ العمل الصحفي هو حقٌ للجميع ولا يجب حصره في مجموعة دون غيرها.

اختر فريقك بعناية

"اختيار فريق العمل هو العنصر الأهم في ظل الظروف التي نمر بها، كانت فترة تواجدي في سوريا طوال العام 2014 لإعداد فريق العمل ، وكانت معرفتي بالأعضاء وثقتي بهم على سلّم أولويات اختيار الفري ، تأتي بعدها المهارة، والمهارة شيء يأتي مع التدريب المتواصل أما الثقة فهي ركيزة أساسية للعمل ضمن مناطق المجموعات المتطرف ، فكلّ معلومة تُسرَّب عنك قد تكلّفك حياة أحد الأعضاء" حسب أغيد الخضر.

ويتابع الخضر حديثه أنّ معرفته السابقة بالأعضاء سهلت من مهمة إنشاء المجموع ، فجميعهم من نشطاء الثورة السورية وهو على إطّلاع كامل بخلفياتهم وتوجهاتهم وإيمانهم بالعمل الموكل إليه ، كما أنّهم على درايةٍ بخطورة العمل وهو شرط اساسي قبل البدء بأي شيءٍ على حدّ وصفه.

التدريب

 الصحافة كباقي الأعمال الأخرى تحتاج إلى التدريب المتواصل لصقل المهارات، كما أن أساليب الصحافة متجدّدةُ باستمرار وبحاجةٍ لمتابعةٍ دائمة لمواكبة الحدث. وليس التدريب الصحفي هو الحاجة الوحيدة في مناطق النزاع المسلّح، بل هنالك عدة تدريبات أخرى ضروري كمبادئ السلامة الشخصيّة والنفسيّة وتدريبات الحماية الرقمية، والتي تُعدّ جميعها مكمّلاً مهمّا للعمل الصحفي.

وعن هذا يقول الخضر: "تدريب فرق المراسلين كان بشكل تدريجي، لم نود التحول من نشطاء إلى صحفيين دون مراعاة شروط هذه المهنة كي لا نكون دخلاء عليها، لذا كان التحول تدريجياً من نشطاء إلى ثقافة المواطن الصحفي التي باتت متواجدة بكثرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الوصول إليه ، ثم الانتقال بعدها للعمل الصحفي. يرافق هذا التدريب تدريبات أخرى تُعنى بتدريبات السلامة من المخاطر الجسدية، وطرق حماية التواجد على الشبكة العنكبوتية وإخفاء الهوية".

التواصل

إيجاد الوسيلة المناسبة للتواصل يُعد ركيزة أساسيّة في العمل الإعلامي، فالعمل يفقد قيمته في حال عدم وجود طريقة لإيصاله. كما أنّ السرعة والحماية هما شرطان مهمان في أي وسيلة تواصل مستخدمة إن كان ضمن الفريق الواحد أو حتى مع الجهات الأخرى المستقبلة للأخبار.

ويصف الخضر مشاكل التواصل التي تواجههم "بالمعقدة" فيقول:  "يعمد تنظيم داعش لقطع أماكن سيطرته عن العالم الخارجي ، فيقوم أحياناً بقطع شبكة الإنترنت أو مراقبتها في حال وجودها، لذا كان لابد من البحث عن وسائل بديلة، فتم وضع عدد من أجهزة الانترنت المخفي عند المراسلين، إلا أن امتلاك تنظيم داعش لسيارات راصدة لشبكة الانترنت دفعنا لعدم استخدام هذه الأجهزة بشكل مستمر، والبحث عن حلٍّ بديل، لذلك تم توزيع عددٍ من أجهزة الاتصال عن طريق الأقمار الصناعيّة مثل الهواتف التي تعمل على مبدأ الثريا، واستخدامها في الحالات الطارئة فقط نظراً لارتفاع تكاليف استخدامها."

ويتابع ايضاً " أنا متواجد في ألمانيا وقسم من الفريق في تركيا وبقية المراسلون في سوريا والعراق ، لكنّ الخبر يصلُ إلينا بعد دقائق قليلة من حدوثه بسبب بناء شبكة تواصل جيدة تسهل من عمل الجميع".

تقسيم المهام

يُجبر الصحفي أحياناً أن يلعب أدواراً عدة تشتت تركيزه في أداء مهامه، فيضطر أحياناً للكتابة والتحرير والتصوير والتواصل والتدرّب والتدريب، فتنتج حالة من الفوضى بسير العمل. كما أن بعض الأشخاص يميلون للقيام بكامل المهمة وعدم مقاسمتها مع الشركاء مسبباً ضغطاً لنفسه تودي به للانهيار سريعاً قبل إتمام العمل. لذا تقسيم المهام بين الفريق أمرٌ يشابه تركيب الصور من خلال جمع القطع الصغيرة بجانب بعضها البعض للحصول على الصورة الكبيرة ذات المعنى. وعن هذا يقول الخضر: "تعتمد استراتيجية العمل لدينا على إيكال مهمة واحدة لكل مراسل، فالمراسل الذي يلتقط الصور معفي من جمع الأخبار ، والذي يجمع الأحبار معفي من  كتابة المقالات، فيبدأ التسلسل بوضع الأخبار لدى الكاتب ومن ثم تقديم المادة للمحرر، وبهذا يكون لدى الجميع متسع من الوقت للقيام بعمله على أكمل وجه".

الجاهزية للحالات الطارئة

إن مفهوم الحالة الطارئة في العمل داخل البلدان التي تشهد اضطرابات يختلف عن باقي المناطق، إذ أنّ الحالة الطارئة مرافقة للعمل الصحفي في تلك المناطق بشكل مستمر لذا يجب أن يكون هنالك تجهيزات لمواجهة الأمر فور حدوثه و بأسرع مدة ممكنة فعامل الوقت لن يكون بصالحك في تلك اللحظة.

ويؤكد الخضر على وجود العديد من خطط الطوارئ لدى المجموعة مثل إخلاء الجرحى في حال الإصابة أو إيجاد ممر آمن لخروج المراسل عند تعرضه لخطر، كما أن أعضاء المجموعة في الداخل يعرفون بعضهم بالألقاب فقط ولا يملكون معلومات تفصيلية عن بعضهم، كي يبقى الخطر محصوراً في دائرة صغيرة، حسب وصفه.

الآن بُتَّ تعرف كيف تُنشئ فريقاً إخبارياً في أخطر المناطق، لكن الأهم من ذلك هو الهدف، إن كانت غايتك من إنشاء الفريق بحثاً عن المال أو الشهرة فلا تتعب نفسك بالتفكير به، لن تحصل عليه وربما يكلفك الأمر الكثير لمجرد نقلك خبراً أو صورة.

الصورة الرئيسية التقطها أنور عمرو لصالح وكالة الصحافة الفرنسية.