يعد الإعلان الانتخابي وسيلة للترويج وإعلام الجمهور بشأن برامج المرشحين والمرشحات، وقد اتخذ أشكالاً متعددة؛ مثل: اللافتات في الشوارع، المنشورات الموزعة في أماكن تواجد الناخبين المحتملين، الاستعانة بوكالات الإعلانات التسويقية المتخصصة، مروراً بوسائل الإعلام التقليدية، وصولاً إلى الإعلانات على المواقع الالكترونية.
ومع تطور منصات التواصل الاجتماعي وزيادة إقبال الأفراد عليها، صارت ساحة لبث الرسائل السياسية، ونشر الإعلانات الإلكترونية الممولة. وقد يتخلل نشر الإعلانات الإلكترونية نشر معلومات مضللة، أو بث خطاب كراهية، وغير ذلك من مخالفات لقوانين الانتخابات المعمول بها.
في هذا المقال، نقدم منهجية واضحة للصحفيين ومدققي المعلومات لتحليل الإعلانات الممولة على منصات التواصل الاجتماعي، والكشف عن أهدافها، ومن يقف وراءها. كما نقدم نصائح لتحديد أساليب التحايل على سياسات المنصات الخاصة بإدارة الإعلانات الممولة، خصوصاً في سياق النزاعات والسباقات الانتخابية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
زوايا التحقق في الإعلانات الإلكترونية الممولة
تعد الإعلانات الممولة التي تتمتع بالشفافية فيما يتعلق بالحملات والمرشحين والمبالغ المدفوعة وسيلة شرعية وقانونية للوصول إلى الجمهور، بشرط الالتزام بالقوانين المحلية للدولة التي تجري فيها الانتخابات.
لذا، يمكن لمدققي المعلومات مراقبة مدى التزام الإعلانات الممولة بفترات الصمت الانتخابي، وكذلك التزامها بالحد الأقصى لميزانية الإعلانات المنصوص عليها في القوانين. كما يمكنهم مراجعة القوانين المحلية ومدى توافق تشريعاتها مع التطورات في مجال الإعلانات. ويؤدي غياب تحديد سقف للإعلانات الإلكترونية الممولة خلال فترة الانتخابات، إلى تمكين الأطراف الأكثر قدرة على تمويل تلك الإعلانات من الوصول إلى جمهور أوسع والتأثير فيه؛ ما يخل بشرط المساواة بين الأطراف المتنافسة.
كما يتعين على مدققي المعلومات مراقبة محتوى الإعلان في حد ذاته، ورصد أي ترويج قد يتضمنه لخطاب الكراهية، أو التحريض على المنافسين، أو على مجموعات أو فئات بعينها، أو تشويه السمعة، في إطار محاولات التأثير في اتجاهات الجمهور؛ مثل: استخدام ترامب للإعلانات الممولة لمهاجمة هيلاري كلينتون، والتفوق عليها في المعركة الانتخابية الأميركية عام 2016.
أهمية تدقيق الإعلانات الإلكترونية المدفوعة في العالم العربي
يكمن الخطر الأكبر في استخدام الإعلانات الإلكترونية الممولة في احتمال تضمنها لمعلومات مضللة؛ فكما كشف التقرير السنوي لجامعة أكسفورد حول التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي من قبل الفاعلين السياسيين، والذي شمل دراسة 80 دولة، عن إنفاق ما يقارب 10 ملايين دولار على الإعلانات السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما أشار إلى قيام المنصات بإزالة أكثر من 317 ألف حساب وصفحة لانتهاكها السياسات أو لنشرها محتوى سياسي مضلل.
تشهد عدة دول هذا العام انتخابات على مستويات مختلفة؛ حيث يُجري الأردن انتخابات نيابية، بينما تعقد كل من تونس، الجزائر، موريتانيا، وجزر القمر انتخابات رئاسية. كما تُجرى انتخابات المجالس المحلية في ليبيا والصومال.
في هذا السياق، تبرز الحاجة الماسّة لتدقيق الإعلانات السياسية الممولة، وتتبع مصادر تمويلها وتحليلها، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تعيق الشفافية وندرة المعلومات عملية مراقبة الانتخابات. كما تؤثر الأنظمة الحاكمة وسياقات الصراعات والنزاعات في تلك الدول؛ ما يفاقم الصراع الانتخابي، ويزيد من احتمالية إساءة استخدام الإعلانات الإلكترونية الممولة.
شروط المنصات
تضع المنصات الإلكترونية التي توفر مكتبات للإعلانات الممولة شروطاً تهدف إما إلى تقييد استخدام الإعلانات السياسية، وإما إلى تنظيمها وضمان عدم انتهاكها للسياسات المعتمدة.
تسمح سياسات شركة ميتا بالإعلانات الممولة التي تتناول محتوى سياسيًا أو متعلقًا بالانتخابات، طالما كانت متوافقة مع سياساتها ولا تنتهك قواعد المنصة، مع الالتزام بقوانين الدولة التي ينتمي إليها الإعلان. ويجب أن يتضمن الإعلان المقبول من قبل المنصة: وقتاً محدداً للنشر، والالتزام بحدود الإنفاق، ومسمى واضحاً، بالإضافة إلى إخلاء مسؤولية المنصة والإفصاح عن هدف الإعلان.
كما تسمح منصة إكس بنشر الإعلانات السياسية الممولة، شرط التزامها بقوانين الدولة التابع لها الإعلان، واحترام فترات الصمت الانتخابي.
ولا تسمح منصة تيك توك بالإعلانات السياسية الممولة أو المحتوى ذي الطابع السياسي، غير أن المنصة لا تشارك بشفافية كيفية تنفيذ الرقابة على المحتوى السياسي، وفق تحقيق لـ BBC كشف عن نشاط مؤثرين على تيك توك في نشر محتوى ضد المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب.
البحث وجمع البيانات
تعد عملية البحث في مكتبات الإعلانات الإلكترونية الممولة نقطة الانطلاق في إعداد تقارير عن الحملات الانتخابية الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتيح هذه المكتبات إمكانية جمع البيانات التي يمكن تحليلها فيما بعد، وتدقيقها؛ للوصول إلى خلاصات.
مكتبات الإعلانات الممولة على المنصات المختلفة:
تضم تلك المكتبة الإعلانات الممولة ذات الصيغة السياسية على كل من فيسبوك وانستجرام. تتميز تلك المكتبة بإتاحة تقارير الشفافية الدورية، وتتيح البحث عن طريق الكلمات الرئيسية، والأطراف المختلفة والمرشحين، وكذلك الموضوعات الرائجة.
تتيح مكتبة إعلانات إكس التعرف على الحساب المروج للإعلان، ومدى رواج الإعلان، ووصوله للجمهور.
يمكن من خلال هذه المكتبة الوصول للإعلانات المعروضة على مختلف خدمات جوجل. كما يتيح قسم الإعلانات السياسية على جوجل، الاطلاع على الإعلانات السياسية المنشورة على مختلف التطبيقات.
تنشر مكتبة إعلانات "تيك توك" تقارير شفافية حول الإعلانات الممولة، وتلتزم بطلبات الحكومات لإزالة الإعلانات؛ عند انتهاكها قوانين تنظيم الانتخابات المحلية.
يمتلك سناب شات مكتبة متخصصة للإعلانات الممولة السياسية. تلتزم تلك المكتبة بالشفافية، وتضم أرشيف بالإعلانات السياسية الممولة بداية من عام 2018، ويمكن تحميل الأرشيف، والاطلاع عليه لتحليله.
تضم هذه المكتبة معلومات حول الإعلانات السياسية، موضحة الأطراف المعلنة، والمبالغ المنفقة على الإعلانات، والجمهور المستهدف. كما يفحص موظفو المنصة محتوى الإعلانات على هذه المكتبة قبل نشرها.
وقبل خطوة تحليل محتوى الإعلان الإلكتروني الممول ومدى التزامه بالقوانين، يجب توثيق وأرشفة مختلف نتائج البحث عن الإعلانات الإلكترونية؛ لتجنب فقدانها، أو حذفها بواسطة ناشريها، أو بواسطة المنصات نفسها حال مخالفتها السياسات.
ويمكن تنظيم هذه المعلومات في جدول بياني، لأرشفة الأدلة، ويضم هذا الجدول:
- المنصة التي تعرض الإعلان
- طبيعة الإعلان
- المعلن
- المبالغ المدفوعة
- الجمهور المستهدف
- توقيت الإعلان
- رابط الإعلان بعد أرشفته بمختلف أدوات الأرشفة
- لقطات شاشة لتأكيد التوثيق
- ملاحظات على محتوى الإعلان؛ مثلًا: يحتوي صورًا مولدة بالذكاء الاصطناعي، أو يحمل هجوماً على فئة ما، أو يروج لطرف آخر غير المعلن.
تحليل الإعلانات السياسية الممولة
تعقب مرحلة جمع البيانات وأرشفتها، تحليل محتوى الإعلان؛ للكشف عن الممول، وأهدافه، والطرق المستخدمة للتأثير.
1- تحليل الرسائل وفق الجمهور المستهدف
يُعد توجيه رسائل محددة إلى جمهور معين ممارسة شائعة في الدعاية الانتخابية التقليدية. إلا أن الإعلانات الانتخابية الممولة تتيح إمكانية استهداف جمهور محدد وبث رسائل موجهة إليه، من دون أن تطلع الفئات الأخرى على مضمون هذه الإعلانات. هذا الأمر قد يفتح الباب أمام بث رسائل متناقضة لجذب شرائح مختلفة من الجمهور؛ إذ يمكن للمرشح توجيه رسائل تصب في مصلحة أصحاب الأعمال، وفي الوقت نفسه إرسال رسائل داعمة لمصالح العمال.
2- تواريخ الإعلان
وجود إعلانات تسبق الفترات الرسمية التي قررتها السلطات لإطلاق الحملات الإعلانية الانتخابية، أمر غير قانوني؛ ويجب على مدققي المعلومات والصحفيين الانتباه له.
3- تضمين الشحن العاطفي أو إثارة المشاعر
قد يقترن الإعلان الممول بمحتوى يهدف إلى إثارة مخاوف الأفراد أو كسب تعاطفهم، وهنا يجب تحليل النبرة المستخدمة، والرسائل العاطفية الكامنة فيه.
مثال على ذلك، استخدمت حملة المرشحة الرئاسية الأميركية، كاميلا هاريس، في السباق الانتخابي، الإعلانات الممولة؛ لتدين بعض مواقف منافسها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. واستعانت بفيديوهات تحتوي قصص نساء ومخاوفهن على صحتهن وحقوقهن الإنجابية حال صعود ترامب؛ لاستمالة النساء للتصويت لها.
4- الميزانية
يمكن رصد المخالفات عبر الاطلاع على المبالغ المدفوعة في الحملات الانتخابية المدفوعة، ومقارنتها بالحدود القصوى المحددة من قبل السلطات.
5- الاقتران بالتضليل أو السلوك غير الأصيل
كشفت دراسة الحماية الجنائية من التضليل الإعلامي أثناء الحملات الانتخابية عن خطورة اقتران الإعلانات والدعايا الممولة بالتضليل على العملية الانتخابية؛ من حيث تشويه سمعة السياسيين، وتوجيه الناخبين في اتجاه انتخابي معين؛ ما يشكك في مصداقية عملية التصويت، ونتائج الانتخابات.
6- استخدام أداة Ad observatory
تعد هذه الأداة نتاجاً لمبادرة بعنوان "أمن المعلومات في الديمقراطية" بجامعة نيويورك، وهي تتيح رصد الإعلانات السياسية عبر منصتي "ميتا"؛ فيسبوك وإنستجرام، كما يمكن البحث باستخدام الكلمات المفتاحية، أو الموضوع، أو الفاعلين، أو النطاق الجغرافي، لتحليل حجم الإنفاق، وأهداف الإعلانات.
في الأخير، يتطلب تحليل محتوى الإعلانات الإلكترونية الممولة ذات الصبغة السياسية، منهجية بحث وتحليل، ومراجعة للقوانين المحلية، وسياسات المنصات، وتوظيف الأدوات الإلكترونية التقليدية والمستحدثة، إلى جانب الاطلاع على طبيعة الصراع الانتخابي، والأطراف الفاعلة فيه.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة باركر جونسون.