صحفي يُوثّق الواقع من داخل خيمة: الإنسان أولاً 

Jan 6, 2025 в موضوعات متخصصة
صحفي يُوثِّق الحقيقة من داخل خيمة: الإنسان أولاً 

لا يكتفي الصحفيون الفلسطينيون بتوثيق أحداث الحرب، بل يصبحون شهوداً عليها. الصحفي جبريل أبو كميل، هو أحد هؤلاء الشهود، وقد أُجبر على تحويل شركته "الواحة للإنتاج الإعلامي" إلى خيمة، بعد أن سُوِّي مكتبه بالأرض جراء قصف عنيف. 

بالرغم من قسوة النزوح القسري من شمال غزة إلى جنوبها، والغارات الحربية التي لا تتوقف، واصل جبريل مهمته، وكاميرته لم تتوقف عن العمل لحظة، لقد حملت تقاريره المصورة حقائق وتفاصيل المعاناة، وقصص الإنسان في خضم هذه الحرب. 

قابلنا من شبكة الصحفيين الدوليين جبريل أبو كميل، وهو صحفي ومنتج منذ عام 2005، غطى العديد من الحروب في غزة وليبيا، حاصل على جوائز دولية في إسبانيا، تونس، النرويج، وبيروت عن أفلام وثائقية وقصص تلفزيونية. 

بعد تدمير شركته الإعلامية يعمل من داخل خيمة، بسبب تداعيات الحرب والنزوح، يقول: "العمل من داخل خيمة يعني مواجهة صعوبات هائلة. أبسطها توفير مكتب وكرسي، أصبحت رفاهية كبيرة. كذلك لا كهرباء منتظمة ولا إنترنت مستقر، مما يجعل التواصل وتحميل المواد الإعلامية أمراً بالغ الصعوبة. أضطر للعمل بمعدات محدودة وبيئة لا تلبي أدنى مقومات الراحة. حتى إتمام العمل البسيط يصبح مهمة شاقة؛ في ظل غياب الاحتياجات الأساسية". 

ويتابع: "الأمر يتعدى مجرد توفير المعدات. هناك تحديات نفسية أيضاً؛ فعندما تعمل في بيئة مفتوحة، وسط الدمار والصدمات اليومية، يصبح التركيز والاستمرار مهمة شبه مستحيلة. أحاول دائماً أن أجد القوة لأواصل، خاصة حين أرى حجم القصص الإنسانية التي يجب أن تُروى. فكل لقاء مع ناجٍ أو مشرد يحمل بين جوانبه معاناة تستحق أن تُسمع، وأشعر بمسؤولية كبيرة تجاههم. أحياناً، تضطرني الظروف للانتظار لساعات طويلة للحصول على شحنة كهرباء بسيطة لتشغيل الكاميرا أو الجهاز، ومع ذلك، أشعر أنني ملزم بتوثيق هذه القصص مهما كلفني الأمر". 

تأثير النزوح على العمل 

تأثرت بيئة الصحافة في غزة عموماً بالنزوح القسري، وعن هذا يخبرنا جبريل: "نزحت في بداية الحرب، عندما تم طلب إخلاء غزة بالكامل، وانتقلت إلى خان يونس ثم إلى مناطق عدة في الجنوب. اضطررت إلى الانتقال أكثر من سبع مرات، وكل مرة تستدعي تأقلماً جديداً. البحث عن مكان مؤقت للإقامة، وإعادة ترتيب بيئة عمل مؤقتة، يُبعدني عن العمل لأيام. في كل مرة، نبدأ من الصفر مجدداً، أبحث عن نقطة شحن، مصدر ماء، وتأسيس بيئة جديدة حولي لأتمكن من الاستمرار. التحديات اللوجستية الكبيرة هذه تأخذني بعيداً عن عملي". 

عندما ينتهي وجود خيارات لدى الصحفي، في حرب طاحنة، ما الذي يدفعه للاستمرار؟ 

يقول جبريل: "العمل الصحفي بالنسبة لي ليس مجرد وظيفة، إنه رسالة، رسالة تبنّيتها لنقل معاناة الناس وكشف الحقائق. نحن هنا لنعرض ما يحدث على الأرض، ونوصل للعالم واقع الشعب. رغم كل شيء، القصف وتدمير المعدات وفقدان المكان، إلا أنني أجد دافعاً أكبر لأستمر. العمل الإعلامي هو السلاح الذي أملكه لإيصال صوتنا ومأساتنا الحقيقية للعالم".

التكيف كحل جيد 

ينتج جبريل محتوى احترافيًا رغم نقص الموارد، حيث يقول: "أتغلب على نقص الموارد بالإبداع والتكيّف. أحياناً أستخدم الكاميرا إن كانت بطاريتها مشحونة، وأحياناً أستعين بالهاتف المحمول بفضل التكنولوجيا الحديثة. أصوّر وأجمع القصص باستخدام المتاح، وعند غياب الميكروفون أستخدم ميكروفون الموبايل لتحقيق الجودة المطلوبة. كل لقطة، كل مشهد ألتقطه، هو نتيجة محاولاتي لتجاوز القصور والإمكانيات البسيطة؛ أعتمد على كل ما يمكنني الوصول إليه، وأحاول بقدر المستطاع أن أظهر القصة بأفضل صورة ممكنة. التحديات تُعيد صياغة طريقتي في العمل، وتجعلني أبتكر في أساليب سرد القصص ونقل رسائلها بوضوح". 

الأخلاقيات أولاً  

الحروب لا تُلغي أخلاقيات المهنة، مهما ساءت الأحداث، يؤمن جبريل بهذا، ويُضيف: "نهتم جداً أنا وفريقي على ركائز أساسية وضوابط مهمة في عملنا، كأن تكون القصة واقعية، تنقل الحقيقة كما هي بدون تزييف أو مبالغة، وتجنب الضغط على الناس للمشاركة أو التحدث، نحترم خصوصيتهم وكرامتهم وآلامهم. الجميع يعيش معاناة كبيرة هنا، ومهمتنا أن نكون جسراً يوصل صوتهم للعالم بصدقٍ وإنسانية، بدون تلاعب بالعواطف والتضليل". 

أولويات التغطية 

وتُركّز أعمال جبريل على القصص المرتبطة بحياة الإنسان، بالدرجة الأولى، بعيداً عن السياسة، والتفاصيل العسكرية، فعلى حد قوله، مهمته إيصال صوت من يعيشون آثار القتال، ونقل قصصهم التي تعبر عن صمودهم وأوجاعهم. 

لا تنتهي القصص الإنسانية، وفي ظل الحرب تخرج قصص أخرى متجددة، تبقى بحاجة للتوثيق، ودعم الرواية الفلسطينية لاسيما وأنها هذه الأخيرة تتعرض للفبركة والهجوم المضاد. ويؤكد جبريل، في المقابل، على أهمية القصص الباعثة على الأمل، كتقرير أنتجه حول احتضان مخيم نزوح في وسط غزة، لفعاليات مهرجان القدس السينمائي الدولي. 

الاحتياجات لمواجهة العقبات 

بجانب الحاجة المُلحّة لإنهاء الحرب، فإنّ الكهرباء والإنترنت تأتي في المرتبة الثانية، وهناك احتياجات مهمة أخرى تساعد الصحفيين على التغطية والتوثيق. يؤكد جبريل على عدد من النقاط: 

  • "معدات حماية شخصية" مثل: الخوذ والسترات الواقية؛ فالوضع هنا قد يعرضنا لخطر مباشر في أي لحظة. كذلك، أدوات اتصال آمنة للتواصل مع الوكالات والمؤسسات الإعلامية. 
  • "الغذاء والتغذية الصحية"، اليوم نحن كصحفيين نُعاني ما يُعانيه جميع المواطنين، في غزة، حيث لا يوجد غذاء صحي، وفي أوقات كثيرة نفتقد أي نوع من الطعام، ما عدا المعلبات الجاهزة، بسبب إغلاق المعابر. 
  • ضرورة توفير "خدمات صحية ودعم نفسي"، فالعمل في هذه الظروف يترك أثراً على الجسد والنفس، ويُشعرنا بأننا بحاجة إلى دعم مستمر.  
  •  أهمية التدريب على "الإسعافات الأولية" يساعدنا في التعامل مع أي طارئ، سواء لنا أو لزملائنا، بالإضافة إلى "معدات البث المباشر والأقمار الصناعية" التي تمكننا من إرسال المواد بشكل سريع رغم ضعف الشبكة. 
  • التنقل بأمان أيضاً جزء أساسي؛ فنحتاج إلى مواصلات آمنة، خاصة وأن التنقل المستمر والنزوح يجعلاننا في حاجة دائمة للوصول إلى مواقع الأحداث المتتالية.  
  • دعمنا في إيجاد أماكن للإقامة الآمنة نسبياً، أو بدائل في حالات النزوح المتكرر، يوفر علينا عبء الاستقرار ويتيح لنا التركيز على العمل. 
  • معدات تصوير بجودة عالية، فالكاميرات هنا تتعرض للكثير من الغبار والمطر، مما قد يعطلنا في عملنا.  

الصورة الرئيسية للصحفي جبريل أبو كميل