توجيهات هامة للصحفيين حول الأمن الشخصي والسلامة المهنية

Dec 4, 2024 в السلامة الرقمية والجسدية
صورة

إذا كنت من الصحفيين/ات العاملين/ات في مجال الصحافة الكاشفة لملفات الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والمواضيع الحساسة للمجتمع، وتقيم في إحدى الدول المصنفة على أنها الأشد خطورة، فإنّ هذا المقال التوجيهي، سيكون مفيدًا بالنسبة لك. 

ففي الوقت الذي يجب أن يكون فيه الأمن الشخصي من أولويات الصحفيين/ات، يعتبر أيضًا من أكبر التحديات التي يواجهونها في سبيل إنجاز العمل وفقًا للمعايير الأخلاقية والمهنية في بيئة عمل توصف بأنها الأشد خطورة على الصحفيين/ات. 

وتأتي أهمية الأمن الشخصي والسلامة المهنية في البلدان التي ينتشر فيها الفساد وتقوض فيها الحريات الصحفية، حيث يشوبها الضعف القانوني وما ينتج عن ذلك من آثار اجتماعية وأمنية مقلقة تهدر فيها الحقوق الإنسانية ويسودها الإفلات من العقاب. 

وأشارت نسخة ٢٠٢٤ من تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود العالمي لحرية الصحافة، إلى وجود تدهور مقلق في دعم واحترام استقلالية وسائل الإعلام، بمقابل ارتفاع مستوى الضغوط التي تمارسها الدول أو الجهات السياسية الفاعلة الأخرى على مهنة الصحافة وأهلها. 

كما تغذي بعض الأحزاب السياسية مناخاً يتسم بالكراهية ضد الصحفيين وعدم الثقة بهم، وذلك من خلال التحريض عليهم أو تهديدهم أو تشويه سمعتهم، بينما تميل الدوائر السياسية في بعض البلدان إلى التضييق على الصحفيين/ات خاصة المستقلين منهم، ففي هذا العام، كانت ظروف ممارسة الصحافة مرضية في ربع دول العالم فقط، حيث أن تقلّص مساحة الحرية في المنطقة العربية إلى جانب قلة الإمكانات المتاحة يمكن أن يسهم في زيادة المخاطر، وعادة ما يواجه الصحفي/ة العامل/ة في موضوعات خطيرة تتعلق بالفساد والسياسية وتلك التي تمس القدسية المرتبطة ببعض العادات والتقاليد، تحديات تهدد حياته وتزيد مستوى المخاطر والضغوطات التي تهدد سلامته أو سلامة أسرته، وقد تعرّض كثيرون للعنف والترهيب والقتل والاختطاف والمضايقة والتخويف والتعذيب، وفُرض على عدد منهم الاعتزال عن مزاولة المهنة وحذف كل المواد الصحفية كرهًا وتعسفًا. 

 

وتتعرض الصحفيات بشكل مكثف لخطاب الكراهية العدائي الشديد وباستمرار، إذ ما زالت حملات التشهير وتشويه السمعة والتحرش والتنمر والمضايقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستمرة، إضافةً إلى حملة البلاغات الالكترونية الممنهجة والاستيلاء على المواقع الشخصية وغير ذلك من الممارسات.

سنركز في هذا المقال على أبرز وأهم التوجيهات التي يجب أن ينتبه لها ويطبقها الصحفيون/ات لحماية أنفسهم في تلك المناطق المصنفة بـ"الحمراء" ولابد من التذكير بأن المسؤولية الأكبر في ضمان الأمن الشخصي تقع أولًا على عاتق الصحفي/ة، لذلك نؤكد على أهمية الوعي بالمخاطر وعناصر الأمن الشخصي، لضمان عمل آمن أو على الأقل بمستوى أدنى من المخاطر.

ويصنف القتل أعلى درجات الخطورة التي يفقد فيها الإنسان حياته، إضافةً إلى أشكال المخاطر الأخرى كالخطف، والاعتقال، والتحرش، والإعتداء الجسدي، والمضايقات بصورها المختلفة، والترهيب، وانتهاك الخصوصية، والتشهير وتلفيق الأخبار المضللة، والتهديد، وغير ذلك، وقد تطال تلك المخاطر الصحفيين/ات أو أحد أفراد أسرتهم بقصد ترويعهم وتهديدهم لإيقاف نشاطهم الصحفي أو حذف محتوى أو المطالبة بفدية أو غير ذلك.

وبفضل ندرة وجود آليات ممولة فعالة للإنذار المبكر وعدم كفاية وسائل الاستجابة السريعة والتدابير الوقائية والمادية وكذلك ضعف توفر الملاذات الآمنة ووسائل الإجلاء المطلوبة في حالات الطوارئ أو النقل إلى مناطق آمنة داخل البلد أو خارجه وتقديم خدمات الرعاية الطبية المجانية، والدعم النفسي، والخدمات القانونية، سيكون الصحفي/ة هدفًا للهجمات والمخاطر وقد يفقد حياته، أو يبقى مطاردًا لفترات طويلة. 

الأمن الشخصي والسلامة المهنية 

إنّ الأمن الشخصي والسلامة المهنية مصطلحان متلازمان يكمل بعضهما الآخر ويهدف كلاهما إلى حماية الفرد من المخاطر والتهديدات، ولكن قد يخلط البعض بينهما، لذلك سنفصل أوجه الاختلاف في سياق هذا المقال، إذ يمكن تعريف الأمن الشخصي بأنه الوضع الذي يكون فيه الإنسان محميًا من المخاطر في أي زمان ومكان من خلال اتباع سلسلة من التوجيهات والإرشادات التي ترفع مستوى أمنه الشخصي، أي أنه قائم على مجموعة الإجراءات التي يجب مراعاتها للحماية من هجوم الخصوم ولا يتم ذلك إلا من خلال الوعي بالأمن الشخصي وتطبيق خطوات النجاة. 

ومن أهم الخطوات المساعدة في تحقيق الأمن الشخصي خلال الظروف الخطرة: 

-التخطيط: يعتبر خطوة مهمة جدًا لمواجهة الأحداث المتوقع حصولها وتجنب الإشكالات التي قد يقع الصحفي/ة ضحيتها، وهي جزء أساسي من التدابير الاحترازية المهمة لأنها ستقلل أو ستحجم مستوى المخاطر. 

-اليقظة والانتباه والملاحظة والتحليل لكل ما يدور في البيئة المحيطة: للوصول إلى درجة عالية من الفهم والإحاطة والتصرف الصحيح، فمثلًا خلال السير في الطرق أو التسوق من الأماكن العامة يجب تجنب الطرق الضيقة أو المغلقة والمزدحمة وننصح بالطرق المزودة بالكاميرات. 

- التأهب والحذر في الممارسات اليومية في حال الشعور بالخطر: ويشمل ذلك تغيير مسار الطريق وساعات العمل والمتطلبات اليومية الروتينية وإذا كان مكان العمل غير آمن يجب تنفيذ المهام من داخل المنزل أو أي مكان يكون آمنًا. 

-تجنب إجراء المكالمات الهاتفية عند تواجدك خارجًا: لضمان عدم الانشغال عن مراقبة المحيط البيئي وظروفه. 

-إنّ تغيير مكان الإقامة مهم جدًا في حال توقع المخاطر: ويفضل مكان إقامة في مكان آمن بعيدًا عن الأنظار يخضع للحماية الأمنية "في حال كان مصدر التهديد غير حكومي" قد يكون من الأفضل الإقامة في فندق مزود بالكاميرا ويقع في منطقة آمنة، كما ننصح بفترات إقامة منفصلة.  

- عند تغيير مكان الإقامة: يجب التأكد من وجود منافذ الطوارئ ومداخل الدخول والخروج المختلفة للمنطقة التي تقيم فيها استعدادًا للخروج في الظروف الطارئة. 

- عند الإقامة في غرفة فندقية: حاول أن تقيم في الطابق الثالث ليتسنى لك الخروج في الوقت المناسب وتلافي المخاطر التي قد تصدر من الطابقين الأول والثاني أو الطوابق العليا، لتسهيل الخروج بأقل الخسائر. 

-تجنب السفر إلى مناطق غير آمنة أو غير مستقرة: ينصح بالسفر السريع في حال توقع حصول الخطر في منطقة الإقامة ولابد أن يكون ذلك خلال وقت مدروس وآمن وبسرية تامة. 

- يجب إخبار الأفراد المقربين جدًا بوجهتك وخطة عملك وكيفية العثور عليك في حال تغيبك. 

- إذا كنت تستخدم سيارتك الشخصية: يجب فحصها قبل استخدامها لأنّ احتمالية التلاعب بها عالية، ولا يفضل استخدامها إذا كان الخطر متوقعًا، وننصح باستخدام سيارات النقل العمومي أو استئجار سيارة خاصة باسم مستعار. 

- تجنب الخروج من مكان الإقامة الآمن إلا للضرورة واتخذ إجراءات احترازية شديدة: يجب تأمين الاحتياجات الشخصية قدر الإمكان مثل الغذاء، الماء، الدواء ومستلزمات الرعاية الصحية، خاصة إذا كان الصحفي/ة من ذوي الاحتياجات الخاصة ويعاني من وضع صحي معيّن. 

- تجنب الغرباء ولا تقبل الهدايا: فقد تكون مفخخة أو حيلة للكشف عن مكان الإقامة. 

- لا تكشف أي معلومات مهمة تخص عملك: أو أي معلومات تتعلق بملف معين ولا تخبر الآخرين عن مصادرك الخاصة، بما فيهم أفراد أسرتك  والمقربين منك لحماية نفسك وحمايتهم وحماية المصادر أيضًا. 

-إخفاء الهوية الشخصية: وهو أمر مهم جدًا ولابد منه حيث يمكن تطبيقه من خلال تغيير المظهر والاسم والبطاقة الشخصية واللغة وحتى الدين والمذهب والطائفة وكل ما يتعلق بذلك، وعند الاضطرار يفضل تغيير البطاقة الشخصية أو استخدام أخرى لا تجلب الأنظار أو الشبهات. 

-عدم استخدام الهاتف الشخصي أو الحاسوب الشخصي في الأماكن العامة أو في مكان العمل: يجب استخدام أجهزة لا تحتوي على أي ملفات محظورة قد تشكل خطورة على حياتك، وتجنب وضع أي بيانات شخصية على الأجهزة المعرضة للسرقة أو الاستيلاء. 

-تجنب نشر صورك الشخصية أو صور أفراد أسرتك: من الممكن الاستدلال على موقع الإقامة من خلال الصور "لا تفعل ذلك حتى لو كنت تعتقد أنّ مكان الإقامة آمن". 

-لا تكن مثيرًا للانتباه في التجمعات أو عبر مواقع السوشيال ميديا: خاصة خلال الظروف الأمنية الخطرة، ابتعد تمامًا عن استخدام تلك المواقع ولا تسجل الدخول إلا باسم مستعار وحسابات مختلفة، وفي هذا الصدد يوصي أوس السعدي، رئيس منظمة التقنية من أجل السلام ومؤسسها، بمجموعة من النصائح التي تساعد في تعزيز الأمن الشخصي ومنها: 

1-ضرورة تأمين الحسابات الشخصية من خلال تفعيل التحقق بخطوتين وفحص الروابط قبل فتحها، ويمكن القيام بذلك من خلال خدمة فحص الروابط التي تقدمها التقنية من أجل السلام أو استخدام فيروس توتل لفحص الروابط والملفات، وبعد التأكد من نتيجة الفحص يمكن لاحقًا استخدام الملفات والروابط بشكل آمن. 

2-يجب تفعيل خاصية Lockdown mode المتوفرة في هواتف الآيفون، فهي أداة مهمة وتساهم في تحجيم كثير من صلاحيات التطبيقات الموجودة على الهاتف، مثل التتبع وكشف الموقع وغير ذلك. 

3- استخدام الشبكة الافتراضية VPN بشكل مستمر، فهي تساعد في إخفاء هوية المستخدم عبر مواقع الإنترنت، وتشفر حركة مرور البيانات خلال التصفح بين التطبيقات والمواقع الإلكترونية. 

4-تجنب استخدام شبكات الإنترنت العامة، لأنّ نسبة الخطورة فيها عالية جدًا، ويشمل ذلك شبكات المقاهي أو المطارات أو المطاعم، ويفضل تفعيل الانترنت عبر شريحة الهاتف SIM Card إذا كنت داخل البلد أو خارجه. 

5-في حال استخدام الإيميل، يفضل اعتماد التشفير، ويكون ذلك من خلال بريد إلكتروني جديد عبر نطاق proton me الذي يقوم بتشفير طرفي المراسلة أو التشفير داخل إيميل مستخدم عادة ويكون ذلك من خلال أداة mailvelope لتحقيق مراسلة آمنة. 

6-استخدام تطبيقات الاتصال والمراسلات المشفرة وأفضلها سيجنال Signal، لأنه مشفر، كما يمكن استخدام اسم (يوزر نيم) لإخفاء ظهور رقم الهاتف لدى الآخرين، ويفضل تفعيل خاصية حذف المحادثات بحسب مستوى الخطورة. 

كما يمكن للصحفيين/ات أو الناشطين/ات في مجال المجتمع المدني المهددين بالتعرض لهجمات الكترونية وتبليغات مكثفة تستهدف حساباتهم الشخصية عبر فيسبوك وانستجرام والتي يمكن أن تعرضهم للمخاطر، التواصل مع فريق التقنية من أجل السلام لمساعدتهم، من خلال برنامج Advanced Protection for Civic Actors الذي أطلقته شبكة ميتا، حيث تعتبر منظمة التقنية شريكتها في العراق. 

السلامة المهنية  

ويقصد بها، تهيئة بيئة عمل في آمنة خالية من المخاطر والتهديدات، وتضم السلامة المهنية مجموعة من الإجراءات التي من شأنها منع أو تقليل المخاطر والحوادث خلال العمل أو ما يرتبط به، وهي تعتبر شكلًا تنظيميًا يساعد على ظروف عمل آمنة للعاملين فيها. وتساعد إجراءات السلامة المهنية الصحفيين/ات على التقاط وتقديم ومشاركة المعلومات بدون التعرض للتهديدات والمخاطر. 

ولهذا يجب أن يزود الصحفي/ة مهارات وتدريبات تكون كافية لاستخدامها في وقت توقع حصول المخاطر، ولابد من توفر مستوى عالٍ من المعرفة والإدراك بإجراءات السلامة المهنية.

ويمكن تلخيص أهم خطوات السلامة المهنية بما يلي: 

- تقييم المخاطر وتقدير الموقف قبل تنفيذ المهمة من خلال التخطيط ووضع خطة للدخول والخروج في منطقة العمل "الذهاب والعودة" وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل الإعداد قبل العمل لتفادي المخاطر وتقليل نسبتها المحتملة. 

-من الأفضل أن يكون العمل ضمن فريق عمل متكامل واعيًا بالأمن الشخصي والسلامة المهنية، والاتفاق على وضع خطة عمل وإخلاء ونقاط التقاء في حال التعرض لمخاطر. 

-يجب أن يكون الصحفي/ة وفريقه واعيًا بالإسعافات الأولية ومتمكنًا من العمل عليها، لاستخدامها عند الحاجة.

-على الصحفيين/ات الذين يعملون في التغطية الميدانية خلال النزاعات، استخدام معدات السلامة المهنية الضرورية كالخوذة، الدرع، قناع الغاز، سيارة، ملابس خاصة، وحمل حقيبة ظهر خفيفة تحتوي على ماء وطعام وإسعافات أولية.  

-يجب دراسة منطقة العمل المستهدفة ومداخلها ومخارجها للهروب منها عند توقع  الخطر، ويفضل التواصل مع شخص من نفس المنطقة على أن يكون غير مثير للشبهات وقليل التحركات للاستفادة من إرشاداته ومساعدته عند الحاجة لذلك. 

-من الخطأ انتظار وقوع الخطر ويجب إخلاء المكان فورًا عند استشعار احتمالية وقوعه.

-قد تحتاج في بعض المناطق والأماكن الرسمية الى إبراز هويتك الصحفية ولكن عليك الحذر بذلك، فهناك مناطق تكن العداء للصحفيين/ات أو لبعض وسائل الإعلام بسبب هويتها، وقد تكون بعض الجهات الحكومية عدائية تجاه الصحفيين/ات، لذلك لابد من استخدامها حسب الموقف. 

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Markus Spiske.