في ساعات الصباح الأولى من الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، استيقظ أهالي مدينة درنة الليبية على صوت انفجار سدين يحميان المدينة من تدفق مياه الأمطار لسنوات، تبعه فيضان مياه ضخم جرف المباني والمنازل بأكملها.
إنّه إعصار "دانيال" الذي يعدّ أكبر كارثة طبيعية تمر بها ليبيا والأعنف والأضخم منذ زلزال مدينة المرج سنة 1963 الذي خلف 243 ضحيّة، فرغم التحذيرات المتكررة من الأرصاد الجويّة والمؤسسات والناشطين، لم يتم التنبؤ بهذه الخسائر الكبيرة بالأرواح والممتلكات.
تتضارب الأنباء عن الإحصاءات النهائية للضحايا والمفقودين، فلا تزال إلى هذه اللحظة فرق الإنقاذ تعمل على انتشال الجثث والبحث عن المفقودين، وتشير البيانات الأولية إلى وجود 11,300 ضحية و11,100 مفقود بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وتشرد 38,640 شخص، وأعلنت لجنة حصر الأضرار عبر منصة "حكومتنا" المساحة التقديرية المتضررة في محيط الوادي بـ90 هكتارا، وانهيار 30 كيلومترا من شبكة الطرق، مما أعاق دخول فرق الإنقاذ والصحفيين والمساعدات الإنسانية.
استقبال الصحافة الليبية للخبرفي هذا السياق، يقول الصحفي محمد عبد السميع، وهو كاتب لدى عدد من الصحف العالمية مثل "نيويورك تايمز"، إنّ أبرز إشكاليات الكوارث الطبيعية يتمثل بحدوثها بدون سابق إنذار وبدون أي استعداد مسبق لها، فعلى الرغم من وجود تحذيرات بوجود عاصفة قد تسبب بعض الأضرار، لم يتوقع الجميع تحوّلها من عاصفة إلى كارثة في ساعات، تسببت بوفاة الالاف الضحايا وإزالة مناطق سكنيّة بأكملها.
إحدى المشاكل التي تواجه الصحفيين هي مشكلة التواصل بحسب عبد السميع الذي قال: "انقطعت الكهرباء وشبكة الاتصالات والإنترنت في الساعات الأولى للكارثة، مما قطع التواصل مع الجهات المسؤولة والمسؤولين داخل المناطق المنكوبة. بالإضافة إلى تأخر الإستجابة للأزمة والتعامل مع الحدث، فمنذ حدوثها عند الساعة الثانية من صباح يوم الإثنين إلى ساعات الظهر حين بدأت الأخبار بالتدفق، وقد أضعف وجود الانقسام والصراع السياسي في ليبيا والإدارات الهشة، تعامل السلطات الحكومية للكارثة وإدارتها، وأدى ذلك إلى تضارب في المعلومات والإحصاءات الرسمية".
هل ساهمت الصحافة الليبية في المشاركة لحل الأزمة؟
"في هكذا كوارث يكون الصراع دائمًا مع الزمن، لأننا نحاول قدر الإمكان إيصال المعلومة وحجم الكارثة بأسرع وقت، للحصول على رد فعل وتجاوب سواء كان من دول أو منظمات دولية والتي من الممكن أن تقدم مساعدات لليبيا"، وفقًا للصحفي الليبي الذي أضاف: "أرى أنه كان بالإمكان نقل الصورة بشكل أسرع وأفضل، وإنقاذ العالقين والضحايا، وإيصال الصورة للجهات المسؤولة لتقييم الأضرار الحقيقية، وقد لعب الناشطون والمواطنون دورًا مهمًا على وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال الصورة وذلك عبر نشر الفيديوهات والمناشدات وأرقام الهواتف".
انتشار المعلومات المغلوطة والمضللة خلال الكارثةخلال الساعات الأولى للحدث، انتشرت معلومات مضللة، وترجع أسباب انتشارها إلى:
- غياب وضعف أداء المؤسسات ذات العلاقة، بعدم تفنيد هذه المعلومات مما يساهم بشكل أو بآخر بتأكيدها.
- التضخيم المقصود لبعض الأخبار والمعلومات في سبيل الحصول على رد فعل سريع وجلب الاستعطاف من الجهات المحليّة والدوليّة.
- عدم مقدرة جميع المواطنين على التمييز بين الخبر الصحيح والمغلوط.
ومن هنا يأتي دور النشطاء في التوعية من هذه الأخبار، بالإضافة إلى الدور المهم التي تشكّله منصات التقصّي والتحقّق من صحة الصور والفيديوهات، ونذكر منها:
- منصة "فالصو"، هي منصة رقمية بحثية تعمل على مراقبة جودة المحتوى الصحفي في ليبيا، ورصد المخالفات المهنية المتعلقة بخطاب الكراهية والتحريض ومكافحة الإشاعات والأخبار المضللة، وفق منهجية بحثية قائمة على المبادئ الأخلاقية لقيم الصحافة والإعلام الحر والمسؤول، وتهدف لتشجيع الجمهور الليبي على المساءلة الإعلامية والتبليغ عن المعلومات المضللة، بهدف تحقيق التربية الإعلامية.
- منصة أنير، مبادرة ليبية مستقلة محايدة وغير سياسية تُعنى بشؤون الفضاء الرقمي في ليبيا، تختص في نشر الوعي والمعرفة الرقمية ومناصرة الحقوق والسلامة الرقمية، إضافةً إلى نشر ثقافة مكافحة الأخبار الزائفة.
وقد قامت المنصات المذكورة أعلاه بالتصدّي للعديد من الأخبار المغلوطة والفيديوهات المضللة، من خلال توضيح مصادر الفيديوهات الأصلية، أو من خلال التواصل من الجهات الرسمية ذات العلاقة لتأكيد أو نفي الخبر، ويمكن زيارة مواقعها ومشاهدة عيّنة من الأخبار التي تم تفنيدها.
نصائح للصحفيين لتغطية أحداث الكوارث الطبيعية
- الالتزام بإجراءات السلامة الجسديّة والنفسية داخل المناطق المنكوبة وتجنب الأماكن الخطرة وارتداء المعدات اللازمة واتباع كافة التعليمات الصادرة عن الجهات الحكومية والسلطات المختصّة.
- التأكد من كافة المعلومات والإحصاءات قبل عملية النشر، عن طريق التواصل مع الجهات الرسمية، ومحاولة تنويع مصادر المعلومات، وتجنّب الإنزلاق إلى الأخبار المضللة.
- في حال نشر صور عنيفة ومؤلمة، يجب التنويه والتأكيد على القارئ والمشاهد بوجود هكذا صور وأيضًا التأكيد على عدم نشر وجوه الضحايا، ومراعاة لمشاعر أهل الضحيّة وحفاظًا على حرمة الميّت، وتجنب نشر صور الأطفال والقاصرين حتى بموافقة أولياء أمورهم.
- في حال إجراء مقابلة صحفية مع ناجٍ أو أحد أهالي الضحايا، يجب إعطاؤه المساحة الكافية للتعبير عن مشاعره وردات فعله، والتواصل البصري واللفظي والإنصات الجيّد له، وعدم استحضار الذكريات المؤلمة.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش.
تمّ حذف الجزء المتعلق بالمقابلة مع الصحفي محمد الطبال بناءً على طلب الكاتب.