ما بين إغلاق ودمج وتسريح وتحول رقمي، تخوض مهن الصحافة والإعلام المختلفة معركة وجود. اقتصاد قصمت ظهره الإعلانات، وأجهز عليه كوفيد19 بالعجز والحصار والنزوح نحو الآلة.
حرب غير متكافئة تخوضها الصناعة في مواجهة أباطرة العالم الرقمي -مثل أمازون وتيك توك- الذين باتوا يزاحمون الصحف والمواقع والقنوات، ويحكمون توجهات الجمهور في العالم الافتراضي، ويحتكرون النصيب الأكبر من كعكة الإعلانات الرقمية.
في سياق متصل، أظهر تقرير رويترز للأخبار الرقمية عام 2023 بأنّ الجمهور يفضل استقاء الأخبار من المشاهير والمؤثرين في التطبيقات الاجتماعية بدلاً من الصحفيين والإعلاميين. بينما تغزو ثورة الروبوتات العالم، ويستعدّ الذكاء الاصطناعي ليكون بديلاً للبشر في كثير من الوظائف.
بحسب دراسة معهد ماكينزي عن مستقبل العمل لعام 2023، قد يضطر واحد من كل 16 عاملاً إلى تغيير مهنته بحلول عام 2030. بما يمثل أكثر من 100 مليون عامل عبر الاقتصادات الثمانية الممثلة في الدراسة.
وسط الانكماشات في صناعة الصحافة والإعلام، تضاءلت آفاق التوظيف لاستيعاب الخريجين الذين يأملون في اقتحامها، حتى من يحالفهم الحظ في تأمين وظيفة بدوام كامل غالبًا ما يُقابلون بدخل منخفض ونقص في التوازن بين العمل والحياة، ويعانون من الإرهاق الإبداعي ويواجهون حالة من عدم اليقين مثل وسائل الإعلام، ويكافحون من أجل الاستمرار.
كل هذه التحديات فرضت علينا أن ننتج هذا المقال. نرصد فيه كيف شرّح العالم حالة المهنة، ما هي الحلول، وكيف ننجو. نقرأ فيه المستقبل لمهنة صمدت أمام مستجدات كل عصر من الراديو إلى التلفاز ثم الانترنت، ويمكنها أن تصمد لعصور أخرى أيضًا. ما بين وظائف ستموت ووظائف ستحيا ووظائف ستُخلق من رحم التكنولوجيا.
أين نحن.. ماذا يحدث الآن؟
"أوقفوا الطبع" صرخة أطلقها مركز التعليم والقوى العاملة بجامعة جورج تاون عبر تقرير أنتجه حول اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﻟﺼﺤﻔﻲ واﻟﻘﻴﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻟـ850 ﺑﺮﻧﺎﻣﺠًﺎ ﻟﻠﺼﺤﺎﻓﺔ واﻻﺗﺼﺎل بالجامعات. وأفاد التقرير أنّ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺼﺤﻒ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻻﺿﻄﺮاب ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ واﻗﺘﺼﺎدي واﻧﺨﻔﺎض ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻋﺎﺋﺪات اﻹﻋﻼﻧﺎت اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻋﻢ اﻟﺼﺤﻒ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ، ﻣﻤﺎ أدى إلى ﺗﺮاﺟﻊ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ وزﻳﺎدة ﻋﺪد ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻹﻏﻼق أو الدمج.
ﻣﻊ توغل اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ، نما اﻹﻧﻔﺎق على اﻹﻋﻼﻧﺎت الرقمية كبديل للإعلانات اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺔ. لكن اﻹﻋﻼﻧﺎت ﻋﺒﺮ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ باتت أﻗﻞ رﺑﺤًﺎ ﻣﻦ اﻹﻋﻼﻧﺎت اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺔ، ناهيك عن أن ﻫﻨﺎك ﺛﻼث ﺷﺮﻛﺎت هي جوجل وميتا وأمازون تجني ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﻋﺎﺋﺪات اﻹﻋﻼﻧﺎت اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ.
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻻﻧﺨﻔﺎض اﻹﻳﺮادات، ﺗﻢ إﻏﻼق اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻏﺮف اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ أو إﻓﺮاﻏﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺴﺮﻳﺢ اﻟﻌﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪﻳﻦ اﻟﻤﺎﺿﻴﻴﻦ. بينما وجه رﻛﻮد كوفيد 19 ﺿﺮﺑﺔ أﺧﺮى ﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ، ﺣﻴﺚ ﺗﻀﺎﻋﻒ ﺗﺴﺮﻳﺢ اﻟﻌﻤﺎل ﻓﻲ ﻋﺎم 2020 ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎم اﻟﺴﺎﺑﻖ.
ﻣﻨﺬ ﻋﺎم 2005 أﻏﻠﻘﺖ 2500 ﺻﺤﻴﻔﺔ أو اﻧﺪﻣﺠﺖ ﻣﻊ ﻏﻴﺮﻫﺎ في اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة، فيما اﻧﺨﻔﺾ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﻋﺪد اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻢ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻧﺎﺷﺮي اﻟﺼﺤﻒ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﻒ ﻣﻦ عام 2000 إلى 2010. وﻟﻢ ﻳﺘﻘﻠﺺ اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﻟﺼﺤﻔﻲ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ ﺗﻐﻴﺮت اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ اﻟﻤﺘﺒﻘﻴﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺔ، ما أدى إلى ﺗﻐﻴﺮ اﻟﺘﺮﻛﻴﺒﺔ اﻟﺴﻜﺎﻧﻴﺔ للمهنة.
ﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم 2031 ﺗُﻈﻬﺮ ﺗﻮﻗﻌﺎت "جامعة جورج تاون" أن ﻋﺪد اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ ﺳﻴﻨﺨﻔﺾ ﺑﻨﺴﺒﺔ أكثر من الثُلث -٪35 ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ-. ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺧﺴﺎرة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 20 ألف وﻇﻴﻔﺔ.
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺴﻌﻰ اﻟﺼﺤﻔﻴﻮن اﻟﺠﺪد ﻟﻼﻧﻀﻤﺎم إلى اﻟﻤﻬﻨﺔ، ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻮاﺟﻬﺔ تحديات اﻟﺘﻜﻠﻔﺔ اﻟﻤﺘﺰاﻳﺪة ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ، واﻟﻄﻠﺐ اﻟﻤﺘﺰاﻳﺪ على اﻟﻜﻔﺎءة ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة، مع الوضع في الاعتبار اﻷرﺑﺎح اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ اﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺔ ﻧﺴﺒﻴًﺎ. وعلى اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ وﺟﻮد ﻋﺪد أﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ، ﻓﻘﺪ ﻧﻤﺖ مهن جديدة متعلقة بالصناعة تتطلب ذات الكفاءات.
ﺗُﻈﻬﺮ ﺑﻴﺎﻧﺎت "LinkedIn" أﻧﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك زﻳﺎدة ﻓﻲ وﻇﺎﺋﻒ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وإدارة اﻟﻤﺤﺘﻮى، واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻣﻬﺎرات ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ لبعض الوظائف الصحفية. ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إلى ذﻟﻚ، ﻓﺎق ﻋﺪد وﻇﺎﺋﻒ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﺪد وﻇﺎﺋﻒ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﺑﻨﺴﺒﺔ 5 إلى 1 ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻤﺎﺿﻲ.
معهد رويترز للصحافة قام بتشريح المشهد الصحفي الحالي من خلال بحث بعنوان "أهم ولكن أقل قوة.. خمسة أشياء يحتاج الجميع إلى معرفتها حول مستقبل الصحافة".
الصحافة أﻗﻞ ﻗﻮة ﻷن ﻧﻤﺎذج اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺎت وﺳﺎﺋﻂ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺗﺘﺂﻛﻞ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، لكنها في نفس الوقت أﻛﺜﺮ أﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ أي وﻗﺖ ﻣﻀﻰ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻮاﺟﻪ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻣﻌﻘﺪة وﻣﺨﺎﻃﺮ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎءﻟﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ أو اﻟﺨﺎﺻﺔ. فاﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ ﺿﺮورﻳﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، واﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺿﻤﺎن أن ﻇﻬﻮر اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ واﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻻ ﺗﺆدي إلى اﻟﻔﻮﺿﻰ، ﺑﻞ إلى اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻧﺤﻮ اﻷﻓﻀﻞ.
أولاً: انتقلنا إلى عالم لا تزال فيه وسائل الإعلام تقوم فيه بدورها الإخباري، لكن الشركات المالكة للمنصات الاجتماعية تتحكم في الوصول إلى الجماهير.
ثانيًا: لا ينتج عن هذا الانتقال إلى الوسائط الرقمية عمومًا فقاعات تصفية. بل تدفع الصدفة الآلية من خلال خوارزمية التصنيف في محركات البحث والمنصات الاجتماعية، الناس إلى المزيد من مصادر المعلومات المتنوعة. لذا ﻳﺤﺘﺎج اﻟﺼﺤﻔﻴﻮن ووﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻹﺧﺒﺎرﻳﺔ إلى اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ اﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺒﻨﺎﻫﺎ الجمهور ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺸﻐﻒ على ﺣﺴﺎب اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎت واﻟﺒﺚ.
ثالثًا: غالبًا ما تخسر الصحافة المعركة من أجل جذب انتباه الناس، وفي بعض البلدان تخسر الصحافة معركتها من أجل ثقة الجمهور.
رابعاً: نماذج الأعمال الممولة للأخبار-بما في ذلك الإعلانات وإيرادات القراء والأساليب غير الهادفة للربح- تواجه الضغوط، مما يضعف الصحافة المهنية ويترك الإعلام الإخباري أكثر عرضة للضغوط التجارية والسياسية.
خامسًا: الأخبار أكثر تنوعًا من أي وقت مضى، والصحافة أكثر أهمية في كثير من الحالات من أي وقت مضى.
المهام المؤتمتة..الأمر ليس جنونيًا كما يبدو!
يشير تقرير المنتدي الاقتصادي العالمي عن مستقبل الوظائف إلى أنّ 34٪ من جميع المهام المتعلقة بالأعمال يتم تنفيذها بواسطة الآلات، بينما يتولى البشر القيام بالنسبة المتبقية 66٪، وهو ما يعني أن نسبة المهام المؤتمتة لم تزد اليوم عن نسبتها قبل ثلاث سنوات بأكثر من 1%، وهو دليل على أن وتيرة احتلال الآلات لوظائف البشر متباطئة.
الشركات التي شملها المسح قامت بتخفيض توقعاتها لزيادة الأتمتة لتبلغ النسبة 42% بحلول عام 2027، مقارنة بتقديرات عام 2020 التي توقعت 47 % من المهام بحلول عام 2025.
المؤكد أن الأتمتة أصبحت حقيقة ولا مفر منها؛ كونها تحقق المصالح المادية الكبرى للشركات التي ستختار دائمًا أقل تكاليف تشغيل -حيث لا شيء يتفوق على الروبوت المبرمج- فضلاً عن أن الحاسوب والذكاء الاصطناعي لا يطالبان بحقوق العمال، ولا يحتجان إذا تأخرت الرواتب.
الذكاء الاصطناعي VS الموهبة البشرية
هل يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر؟
سؤال المليون دولار كما أسماه توماس فراي المتحدث المستقبلي ومؤسس ومدير معهد دافنشي مجيبًا عنه في مدونته: "إجابتي القصيرة هي لا. هناك حاجز يتمثل في الروح لا يمكن تكراره في بنية الذكاء الاصطناعي. هناك أشياء لا يمكن التقاطها أو تضمينها في وحدات "البت والبايت" مثل الحكمة أو الإحساس أو الحدس. يمكن للذكاء الاصطناعي تقليد الجوهر البشري (كما تبدو بعض مقالات GPT-3) لكن هذا هو الوعي المبرمج، وليس الوعي الحقيقي. لا يمكن للذكاء الاصطناعي مثلاً أن يشعر بالألم العاطفي لفقدان من نحب. هذا الحاجز غير قابل للعبور لأن الحقيقة هي أن البشر هم النسخة الأصلية. الإنسان هو من خلق الذكاء الاصطناعي بينما لا يزال الذكاء الاصطناعي غير قادر على خلق إنسان، وبالتالي لا يمكن أن يحل محله. سيستمر الذكاء الاصطناعي في تولي مهام جديدة ومعقدة بشكل متزايد. قد يكون ذلك تهديدًا لسبل عيش علماء الرياضيات والمترجمين وكتاب النصوص، لكن الأشخاص الموهوبين سيكون لديهم دائمًا طريقة لإعادة تحديد أدوارهم!".
من جهته، قال الدكتور باتريك نواك المدير التنفيذي لاستشراف المستقبل والخيال في مؤسسة دبي للمستقبل لصحيفة" ذا ناشيونال": "في المستقبل كما في الماضي، ستواجه المطبوعات العامة -غير المتخصصة- التي تحاول تغطية كل شيء صعوبات، فقد تم طي صفحة العديد من المطبوعات المجانية في لندن لأنها كانت متشابهة جدًا. من المرجح أن تختفي الصحف المطبوعة ويتم استبدالها بالكامل بالنسخ الرقمية. يومًا ما سيتم تسليم صحيفتك المفضلة مباشرة إلى عقلك عبر واجهات عصبية في اللحظة التي تكون فيها قهوة الصباح جاهزة".
في تقرير نشرته جامعة Maryville الأميركية عن تأثير التطورات التكنولوجية على تشكيل مستقبل الصحافة تم التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي برغم قدرته على المساعدة في إنشاء المحتوى، فإنه لا يمكنه أن يكون بديلاً عن التقارير البشرية. على سبيل المثال لا يحل Lynx Insight من رويترز محل المراسلين، ولكنه مصمم بدلاً من ذلك لفرز البيانات ولتحديد الأنماط، والسماح للموظفين البشريين بطرح الأسئلة وفهم السياق.
يتمتع الصحفيون البشريون بمهارة في تطوير العلاقات مع المصادر، وتقديم تحليل متعمق للبيانات، وكل ذلك لا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام به.
"Blockchain" بلوكتشين
عددت جامعة ماريفيل سبل الاستفادة من التكنولوجيا الناشئة "Blockchain" بعيدًا عن مهمة تبادل العملات المشفرة مثل "بيتكوين":
- مساعدة غرف الأخبار في بناء ثقة الجمهور مع زيادة الاستدامة المالية.
- مصادقة المعلومات داخل نظام بسهولة وتعقبها إلى مصدرها، مما يسهل على القراء التحقق من نشر قصة معينة بواسطة مؤلفها المعلن، ويحد من انتشار المقالات الإخبارية الخادعة.
- منح الصحفيين طرقًا جديدة لفرض رسوم على المحتوى المتميز باستخدام المعاملات الدقيقة اعتمادًا على المحتوى المدعوم من "بلوكتشين"، وفقًا لمجلة كولومبيا للصحافة (CJR).
المصورون VS الصورة المولدة
فريد ريتشن محرر الصور السابق في صحيفة نيويورك تايمز الذي ألف ثلاثة كتب عن مستقبل التصوير قال في مقابلة أجرتها معه Columbia Journalism Review: "بدون التصوير سيصبح مفهوم التاريخ مشوهًا أكثر فأكثر. ماذا يحدث إذا كان لدى الناس خمسة ملايين صورة -تبدو مثل الصور الفوتوغرافية- للحرب العالمية الثانية وفقًا للطريقة التي يريدون أن تبدو بها الحرب، أين ستذهب الحقيقة؟ التصوير الصحفي هام للمجتمع فهناك العديد من الأشخاص الذين يفتقرون إلى السلطة والذين يجدر الاهتمام بهم".
وقدّم ريتشن بعض النصائح للمصورين للحاق بالمستقبل في وجود الذكاء الاصطناعي:
- يحتاج المصورون إلى التفكير في أنفسهم كمؤلفين بدلاً من كونهم مجرد "رماة". يجب أن يتوقفوا عن التعبير عن وجهة نظر الآخرين ويتحولوا إلى التعبير عن وجهة نظرهم من خلال تفسيرهم للمواقف عبر الصور.
- على المصورين السماح للقارئ بمعرفة بعض الأحاسيس بما كان يحدث، مع إضافة المزيد من المعلومات السياقية، إما عن طريق مقال مصور -مجموعة من الصور المتسلسلة التي تحكي قصة- أو عبر التسميات التوضيحية، أو الوسائط المتعددة -التي تجمع النص والصوت والفيديو- لوضع الصورة في سياقها.
النزوح الوظيفي
بحسب تقرير معهد رويترز حول اتجاهات وتوقعات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا لعام 2023، لكي نتجنب النزوح الوظيفي الذي قد يحدثه الذكاء الاصطناعي أو نقلل من آثاره، لا مناص من تدريب الصحفيين على العمل مع الذكاء الاصطناعي، حيث يجب أن تستثمر المؤسسات الإخبارية في تدريب الصحفيين للعمل جنبًا إلى جنب مع أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. كما يجب أن تتعاون المؤسسات الإخبارية ومطورو الذكاء الاصطناعي والهيئات التنظيمية لوضع معايير وإرشادات صناعية للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي التوليدي في الصحافة.
نحن على أعتاب موجة جديدة من الاضطراب حيث تبدأ تقنيات الذكاء الاصطناعي في التأثير على العالم الحقيقي. المؤسسات الصحفية والإعلامية التي تحمل فكرًا راديكاليًا ولم تتبنَّ التحول الرقمي بالكامل بعد ستكون في وضع صعب للغاية. لن يتم تقييم النجاح في السنوات القليلة المقبلة بمدى سرعة التحول الرقمي، ولكن من خلال القدرة على تحويل المحتوى الرقمي بما يلبي توقعات الجمهور المتغيرة بسرعة.
مستقبل التوظيف
أولًا، الوظائف المهددة
توقعت جامعة أكسفورد إيكونوميكس في دراسة لها أن يفقد البشر نصف الوظائف لصالح منظومة الذكاء الاصطناعي.
- ما يقارب من خسارة 20 مليون وظيفة على مستوى العالم- بحلول عام 2030 بسبب ثورة الروبوتات.
في المقابل من المتوقع أن تتضاعف أعداد الروبوتات لتصل 20 مليون روبوت بحلول نفس العام.
وقد أفادت دراسة وظائف المستقبل في المملكة العربية السعودية الصادرة عن منتدى الرياض الاقتصادي أنّ درجة مخاطر التحولات الرقمية والتكنولوجية على سوق العمل السعودي أكثر من 70%، ووضعت المهن الكتابية ضمن المهن المعرضة للخطر بالإضافة لوظائف المراسل الصحفي والمراسل الرياضي ضمن قائمة المهن المهددة بالاندثار.
بينما تُظهر توقعات مركز التعليم و القوى العاملة بجامعة جورج تاون أن وظائف غرفة الأخبار بما في ذلك مذيعة الأخبار، والمراسل، ومذيع الأخبار الإذاعية، وكاتب فريق العمل ستنخفض بنسبة 3% في الفترة من عام 2022 إلى 2031.
وتوقع تقرير مستقبل الوظائف 2023 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن يحدث تغيير لما يصل إلى ربع الوظائف (23٪) تقريبًا بحلول عام 2027. من خلال نمو بنسبة 10.2٪ مع خلق 69 مليون وظيفة جديدة، وانخفاض بنسبة 12.3٪ مع إلغاء 83 مليون وظيفة من بين 673 مليون وظيفة مطابقة لمجموعة البيانات. أي بانخفاض صاف قدره 14 مليون وظيفة بما يعادل 2٪ من العمالة الحالية. التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كانا لهما اليد العليا في توقعات التغيير الوظيفي، تلاهما تداعيات جائحة كوفيد-19 ونقص الإمدادات والتضخم وأزمة تكلفة المعيشة العالمية.
كما أصدر مكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل التابع لوزارة العمل الأميركية كتيبًا للتوقعات المهنية كشف فيه المستقبل الوظيفي للمهن المختلفة في الولايات المتحدة من عام 2021 إلى عام 2031، يمكن الاستناد إليه كمؤشر لمستقبل الوظائف الصحفية والإعلامية حول العالم:
انخفاض في التوظيف سيشمل المهن الآتية:
- محللو الأخبار والمراسلون والصحفيون بنسبة 9٪.
- المحررون بنسبة 5٪.
- المذيعون بنسبة 4%.
- المصححون اللغويون ينخفض عليهم الطلب تدريجيًا. حيث من المتوقع أن تتوفر 200 فرصة عمل فقط خلال الفترة بين 2021 و2031.
ثانيًا، وظائف ستنمو
بحسب دراسة معهد ماكينزي عن مستقبل العمل لعام 2023، فإنّ نمو الوظائف سيكون مركزًا بشكل أكبر في الوظائف التي تتطلب مهارات عالية مثل (مجالات الصحة أو العلوم والتكنولوجيا والهندسة)، بينما سينخفض الطلب على الوظائف ذات المهارات المتوسطة والمنخفضة مثل (تقديم الخدمات أو أعمال الإنتاج).
تنبأ كتيب التوقعات المهنية الصادر عن وزارة العمل الأميركية بارتفاع الطلب على عدد من الوظائف الصحفية والإعلامية حتى عام 2031:
- المترجمون جاءوا في صدارة الأكثر نموًا بنسبة 20%.
- محررو الأفلام بنسبة 12%.
- مصورو الفيديو بنسبة 12%.
- مديرو الإعلانات والترويج والتسويق بنسبة 10%.
- فنيو البث والصوت والفيديو بنسبة 10%.
- البودكاست بنسبة 10%.
- المصورون بنسبة 9%.
- أخصائيو العلاقات العامة بنسبة 8%.
- الكتاب التقنيون بنسبة 6%.
- رسامو الكاريكاتير والرسوم المتحركة بنسبة 5 %.
- الكتاب والمؤلفون بنسبة 4 %.
- وظيفة المخرج الفني (الإخراج الصحفي) بنسبة 4 %.
- مصممو الجرافيك بنسبة 3%.
مستقبل البودكاست
هناك أكثر من 2.4 مليون مشروع بودكاست، و66 مليون حلقة على مستوى العالم، بحسب Demand Sage. يقدمون إلى 464.7 مليون مستمع بودكاست على مستوى العالم بما يعادل 22٪ من إجمالي مستخدمي الإنترنت، ومن المتوقع أن يصل عدد المستمعين إلى ما يقارب 505 مليون مستمع بحلول عام 2024، بحسب eMarketer.
فيما يتعلق بالتمويل من المتوقع أن ترتفع عائدات إعلانات البودكاست بنسبة 29٪ هذا العام وتتجاوز 2 مليار دولار- وفقًا لـ eMarketer - بينما يتوقع التقرير السنوي المشترك الصادر عن مكتب "the Interactive Advertising" وشركة (PwC) أن تبلغ قيمة صناعة البودكاست 4 مليارات دولار بحلول عام 2024.
ديف جاكسون مؤسس مدرسة البودكاست عام 2005 ومؤلف كتاب "الربح من البودكاست الخاص بك" قال في إحدى مقابلاته الصوتية مع منصة Podpros أن البث الصوتي الآن في مكانة مثيرة حقًا مع ظهور منصات البث الصوتي مثل Spotify وApple Music، وأن هناك تنوعًا في المحتوى المنتَج مثير للإعجاب، وأن جودة الإنتاج تحسنت أيضًا مع المزيد من الاستثمار في تصميم وتحرير الصوت الاحترافي.
بشكل عام، يظن جاكسون أنّ البث الصوتي أصبح شكلاً سائدًا من وسائل الإعلام، وستنمو شعبيته في السنوات القادمة، ويرى أن هذا هو الوقت المناسب لاقتحام هذا المجال.
ثالثًا، وظائف تصنعها التكنولوجيا في المستقبل
أعلنت مؤسسة استشراف المستقبل بأبوظبي في تقريرها "157 وظيفة شائعة حتى عام 2040..دع أبناءك يستعدون لها" عن وظائف فعالة لجيل ألفا المولودين بعد عام 2010 نرصد المتعلق منها بصناعة الصحافة والإعلام.
أهم وظائف الذكاء الاصطناعي:
- مدربون ومشرفون مستقلون معززون بقدرات الذكاء الاصطناعي.
- كتاب معززون بقدرات الذكاء الاصطناعي.
- خبراء في الأمن الإلكتروني معززون بقدرات الذكاء الاصطناعي.
- خبراء في الذكاء الاصطناعي معززون بقدرات الذكاء الاصطناعي.
أهم وظائف الواقع الممزوج أو الهجين "المختلط":
- منتجو أخبار يعتمدون في عملهم على الواقع الممزوج.
- منتجو أفلام يعتمدون في عملهم على الواقع الممزوج.
- مصممون ومشيدون لتجارب معتمدة على الواقع الممزوج.
- مدربون يعتمدون في عملهم على الواقع الممزوج.
أهم الوظائف التي ستظهر بفضل الآلات الذكية وأنظمة التعلم الذكي القائمة على الروبوتات:
- مطورو برامج تدريسية معتمدة على الذكاء الاصطناعي.
- مدربون تربويون للعمل على أنظمة الذكاء الاصطناعي التعليمية.
- مطورو مهارات شخصية معززة بالذكاء الاصطناعي.
- مراقبون شخصيون للحياة المعززة بأنظمة الذكاء الاصطناعي.
- مصممو واجهات تفاعلية لأنظمة التدريس المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
- مطورو عمليات التعليم الذكية.
وظائف المستقلين المعززين بالذكاء الاصطناعي:
- المدربون المستقلون المعززون بالذكاء الاصطناعي.
- الكتاب المحسنون بالذكاء الاصطناعي.
- مبرمجو الكم المعزز بالذكاء الاصطناعي.
- خبراء الأمن السيبراني المعزز بالذكاء الاصطناعي.
- خبراء الذكاء الاصطناعي.
وأضاف خبير المستقبل توماس فري عددًا من وظائف المستقبل في مدونته نرصد منها المتعلق بصناعة الصحافة والإعلام:
- مصممو عالم ميتافيرس.
- مصممو الصور الرمزية.
- مصممو الصفحات وأخصائيو المحتوى الالكتروني على الإنترنت.
- المهن التي لها علاقة بالبيانات وتحليلها.
- أخصائيو نظم معلومات رقمية.
رابعًا، مهارات المستقبل
أظهر بحث عن وظائف الصحافة ودليل المسارات المهنية في عام 2023 لكبير علماء البيانات بالبوابة البحثية "Research" عماد بوشريكة أن الخبراء يتوقعون تغييرًا إيجابيًا من عام 2020 إلى عام 2030 في التوظيف قدره 2800 للوظائف المسجلة البالغ عددها 46700 وظيفة لتخصصات الصحافة في عام 2020.
المهارات المطلوبة للعمل في مجال الصحافة والتماشي مع المستقبل تشمل مهارات معرفية وتقنية واجتماعية خاصة بالأدوار الوظيفية:
- مهارات الفهم والتواصل: وتعني القدرة على جمع وتحليل المعلومات من مجموعة متنوعة من المصادر.
- مهارات الكتابة لجميع الوسائط المقروءة والمسموعة والمرئية.
- الاستماع الفعال والتعلم النشط والإدراك الاجتماعي.
- حل المشكلات المعقدة. خاصة عند التعامل مع معلومات حساسة للغاية مع عواقب قانونية.
- محو الأمية التكنولوجية. المعرفة باستخدام أدوات التحليل الإحصائي أو أدوات إنتاج الوسائط المختلفة وتحرير الصوت والفيديو وربما إنشاء صفحات الويب وصيانتها.
هناك أيضًا عدد من المهارات التي تتطلبها وظائف المستقبل والتي أثبتتها الدراسات:
- المهارات التحليلية والبحثية.
- مهارات التخطيط الاستراتيجي والتنظيم وقياس الأداء.
- مهارات صناعة القرار.
- القدرة على التعامل مع متغيرات التقنيّة الرقمية.
- مهارات التعلّم والتعليم السريع.
أهم المهارات المعرفية التي يجب أن يمتلكها الصحفيون وفقًا للأهمية في قاعدة بيانات O NET Online) ،2021):
- اللغة الإنجليزية بنسبة 96%.
- الاتصال والإعلام بنسبة 93%.
- القانون والحكومة بنسبة 68%.
- أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات بنسبة 60%.
- الاتصالات بنسبة 60%.
- خدمة العملاء والشخصية بنسبة 54%.
أهم المهارات العامة
- إدارة الوقت.
- العمل بروح الفريق.
- مهارات العرض والخطابة.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على فريبيك.