في الوقت الذي تجري فيه الاستعدادات لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في بعض الدول في الشرق الأوسط، بينها تونس وليبيا، تعتبر المشاركة العامة وضمان الحريات الأساسية من أبرز الأسس لنجاح هذا الاستحقاق وتعزيز المشاركة الشاملة فيه وممارسة الحقوق السياسية، فالعملية الانتخابية تعدّ من أبرز أشكال الديمقراطية التي تتيح للشعوب التعبير عن إرادتهم واختيار مَن يمثِّلهم، ويحمل قضاياهم، وآمالهم وتطلعاتهم.
وباتَ واضحًا أنّ الانتخابات الحرة والنزيهة لا تتعلق بحرية التصويت ومعرفة كيفية الإدلاء بالأصوات فحسب، بل تتعلق أيضًا بعملية المشاركة حيث ينخرط الناخبون في النقاش العام ويكون لديهم معلومات كافية عن الأحزاب والسياسات والمرشحين وعملية الانتخابات نفسها من أجل اتخاذ القرارات المناسبة.
ورغم أهمية الانتخابات والمشاركة بها، يشير مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (ODIHR) إلى حدوث تراجع مطّرد على مدى عدة عقود في أعداد الناخبين الذين يدلون بأصواتهم في الانتخابات، ويشمل العزوف عن المشاركة السكان بوجه عام، لكنه يبلغ أعلى مستوياته بين الشباب، حيث باتَ المواطنون يشعرون بخيبة أمل فيما يعتبرونه شعارات انتخابية لا تنفك تخلو من المضمون، إضافة لانعدام الثقة في الأحزاب السياسية، ومرده في الأساس إلى أوجه قصور في الممارسة الديمقراطية في هياكلها الداخلية.
ومن هنا تأتي، اليوم، أهمية عمل الصحفيين ووسائل الإعلام في مشاركة الأفراد في كل ما يتعلق بالانتخابات، حيث لا يمكن أن ينفصل دور الإعلام عن مجمل العملية الانتخابية. لكن كيف يمكن للجمهور أن يشارك وسائل الإعلام في العملية الانتخابية ويكون جزءًا أساسيًا من هذه العملية؟
تحتاج وسائل الإعلام إلى الحفاظ على مستوى عالٍ من المهنية والدقة والحياد في تغطيتها، بحيث يجب أن تضمن القوانين واللوائح الحريات الأساسية للديمقراطية، بما في ذلك حرية المعلومات والتعبير، وكذلك المشاركة. وفي الوقت نفسه، يجب أن يطالب الأفراد وسائل الإعلام الحكومية، أو تلك الممولة من المال العام، بتوفير تغطية عادلة ووصول للجميع.
ويتوجب على الأفراد التعرف على آليات الانتخاب والترشح، والإجراءات المصاحبة لذلك من مواعيد مهمة، وأماكن، وشروط وغيرها، كذلك خلق نقاش مع الأفراد الآخرين غير المطلعين على برامج المرشحين وخلفياتهم، وهو ما يساعدهم على اتخاذ قرارهم بشأن من ينتخبون.
في مقابلة مع شبكة الصحفيين الدوليين، قدّم الخبير بعلم البيانات في قسم بحوث الجمهور في "بي بي سي"، محمد حسين، أبرز النصائح والأدوات التي يمكن أن يستفيد منها الصحفيون/ات المهتمون بتغطية الانتخابات في الشرق الأوسط، ليتمكنوا من إشراك الأفراد والجمهور في العملية الانتخابية، وهي كالتالي:
- ينبغي على الصحفي ألا يخرق قواعد وضوابط الانتخابات مثل فترة الصمت الانتخابي.
- يجب أن يضع الصحفي نفسه مكان الناخب الذي قد ينتخب للمرة الأولى وليس لديه معلومات عن كيفية الانتخاب مثل مكان وزمان التصويت وكم تستغرق عملية التصويت وما المطلوب إحضاره إلى مكان التصويت.
- يجب أن يقدم الصحفي بعض الحلول للناخبين الذين قد يكونون في أعمالهم يوم الانتخاب.
- يجب أن يأخذ الصحفي بالحسبان احتياجات الجمهور، وذلك على شكل فئات حيث أن كل فئة قد تكون لديها احتياجات مختلفة وتستجيب لشكل تقدم مختلف.
- يجب أن يستغل الصحفي التقنيات الرقمية الحديثة ليكون فعالًا في تقديم محتوى يمكن تخصيصه حسب كل مستخدم للوسيلة إذا كانت رقمية.
- يمكن للصحفي أن يجرب طرقًا جديدة في تقديم المحتوى مثل المواد التفاعلية كالألعاب، أو Q&A التي تجيب على أسئلة المتلقي باستخدام اللغة الطبيعية أو الصوت، أو محرك بحث حول كل المحتوى المتعلق بالانتخابات.
- يجب أن يدرك الصحفي المعاصر أنّ هدفه هو إشباع حاجات الجمهور بكفاءة وفعالية، أي أنّ كل فرد من المتلقين يختلف عن الآخرين عندما يتعلق الأمر باحتياجاته ورغباته وميوله وتفضيلاته وكمية الجهد والوقت الذي يستطيع بذله في متابعة موضوع الانتخابات وما يتعلق به.
- ينبغي ألاّ ينسى الصحفي تقديم مواده بطريقة قصصية مهما كانت المعلومات المتعلقة بالانتخابات جافة وسردية.
- قبل الانتخابات، على الصحفي معرفة الجمهور الذي يتوجه إليه مثلًا الرأي العام السائد والأحاديث التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويشير خالد الهمداني، في دراسة حول دور وسائل الإعلام في الانتخابات، صادرة عن مركز الدراسات والبحوث إلى أنّ مسؤولية وسائل الإعلام والصحفيين تتمثَّل تجاه الجمهور في:
- تزويد الجمهور بالمعلومات التي تساعده في ممارسة حقه في العملية الانتخابية، والتي تشمل المعلومات المتعلقة بالعملية الانتخابية نفسها والنواحي الإجرائية، حتى يحصل الجمهور على فرصة عادلة في ممارسة حقه في الانتخاب، وتلك المتعلقة بالمرشحين وبرامجهم.
- ضرورة أن تعمل وسائل الإعلام كمراقب حاسم للانتخابات، وأن تشارك الناس في كل ما يتعلق بتفاصيل العملية، ممّا يحافظ على شفافية العملية.
كذلك:
- يجب أن توفر وسائل الإعلام آلية لسماع أصوات المواطنين والمشاركة فيها وخاصة في البرامج السياسية ومنصات الحملات الانتخابية.
- يجب الإبلاغ من قبل الصحفيين ووسائل الإعلام عن تطور الحملة الانتخابية للناخبين؛ والإبلاغ عن النتائج ومراقبة فرز الأصوات.
- توفير منصة للجمهور لإيصال مخاوفهم وآرائهم واحتياجاتهم إلى الأحزاب/والمرشحين وهيئة الانتخابات عبر برامج وحوارات تلفزيونية.
- تجنٌب اللغة التحريضية في التقارير أو التغطية الصحفية للانتخابات، مما يساعد على منع العنف المرتبط بالانتخابات بين الأفراد المختلفين سياسياً.
- إعطاء مساحة لجميع مكونات الشعب للحديث عن تطلعاتهم حول الانتخابات سواء كانت تلك الشعوب أصلية أو من غير المواطنين أو الأشخاص الوافدين.
- يجب على وسائل الإعلام أن تكون شفافة وقادرة على تقديم المعلومات بشكل سهل يجعل الأفراد قادرين على اتخاذ قرارات بشأن من سينتخبون.
من الأمثلة الناجحة حول كيفية إشراك الجمهور في الانتخابات كان مشروع أرض الإنتخابات، المموّل من مختبر أخبار جوجل والذي كان تجربة لجمع الأخبار الاجتماعية في يوم الانتخابات الرئاسية الأميركية، ويعدّ أكبر مشروع صحفي تعاوني في يوم واحد في التاريخ، فقد جمع 650 طالبًا صحفيًا من 14 جامعة لمراقبة وتوثيق حالات قمع الناخبين، مستخدمين توجيهات من خط "أرض الإنتخابات" الساخن، الرسائل النصية ووسائل التواصل الإجتماعي، وتلقى الطلاب أفكارًا يمكن استخدامها من قبل أكثر من 400 صحفي محترف.
ويعتمد الجمهور على وسائل الإعلام خلال العملية الانتخابية لمساعدته في رسم صورة واضحة عن المرشحين وبرامجهم الانتخابية، وما إذا كانت تلك البرامج تلبي طموح الجمهور. وتشير شبكة المعرفة الانتخابية إلى أنه على وسائل الإعلام توفير منصة للمناقشات والحوار وهو ما يعد حيويًا. ويوفر الإعلام آلية لسماع أصوات المواطنين، لكي يؤثروا بذلك على البرامج السياسية ومنصات الحملات الانتخابية. وتحتوي شبكة المعرفة على مقالات عميقة التخصص، إحصاءات عالمية وبيانات، موسوعة الانتخابات، المساعدة الانتخابية، المراقبة والتطوير المهني، مصادر تخص البلدان والأقاليم، أخبار انتخابية، تقويم (روزنامة) الانتخابات، أسئلة سريعة، شبكات المختصين وغيرها الكثير.
اليوم، لا يمكن أن تعتبر الانتخابات ديمقراطية ما لم يتمكن الجمهور من المشاركة الكاملة بدون أن يعوقه شيء عن ممارسة الحق في الاختيار. ونتيجة لذلك، يعدّ الإعلام أمرًا حيويًا لضمان وجود منصة عامة أي تتسم بالشفافية للنقاش والمشاركة في الحوار.
تمّ تصميم الصورة الرئيسية عبر كانفا.