منذ ثورة 2011، شهدنا نحن الصحفيات والصحفيون في تونس مناسبات انتخابية عديدة. شخصيًّا، عشتُ كلّ محطّة انتخابية بشكل مختلف.
خلال انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، تشرين الأول/أكتوبر 2011، رافقتُ فريق "الجارديان" البريطاني في تغطيته بصفتي صحفية مترجمة. في الانتخابات التشريعية والرئاسية للعام 2014، كنتُ عضوة فريق الرّصد بالهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السمعي البصري، حيث عملنا على رصد مدى احترام وسائل الإعلام التونسية للتعددية السياسية وعملها بأخلاقيات الصحافة واحترامها لحقوق الإنسان خلال الحملات الانتخابية. أمّا في كلّ من الانتخابات البلدية (المحلّية) لعام 2018 والتشريعية والرئاسية للعام 2019، فقد عملتُ كصحفية مرافقة (فيكسر) لمؤسسات صحفية أجنبية على رأسها "أساهي شيمبون" اليابانية.
كانت كلّ محطّة انتخابية حدثًا بالغ الأهمية في السياق التونسي الجديد بعد الثورة، ولكن الانتخابات التشريعية المقبلة، والمزمع تنظيمها في 17 كانون الأول/ديسمبر 2022، تنفرد بخصوصيات تجعلها لا تشبه كلّ ما سبقها:
- تأتي الانتخابات في سياق إجراءات استثنائية بدأ الرئيس التونسي قيس سعيّد فرضها في 25 تموز/يوليو 2021 (إقالة الحكومة وتعيين أخرى، تجميد عمل البرلمان ثمّ حلّه، حلّ المجلس الأعلى للقضاء، إصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، تمرير دستور جديد للبلاد).
- سيتمّ تنظيم الانتخابات وفق مرسوم رئاسي وليس وفق قانون أساسي صادر عن سلطة تشريعية.
- بقيت ملامح النظام الانتخابي الجديد غامضة لوقت طويل سواء لدى الطبقة السياسية أو عموم التونسيين باستثناء بعض التصريحات الصّادرة عن الرئيس قيس سعيّد.
- سيتمّ التصويت للأفراد وليس للقوائم (خلافًا للتشريعيات السابقة).
- لن يكون هناك على الأغلب مراقبون أجانب للانتخابات، على خلاف ما جرت عليه العادة في الانتخابات السابقة.
ملامح القانون الانتخابي الجديد
صدر في الرائد الرسمي للبلاد التونسيّة، مساء الخميس 15 سبتمبر/أيلول 2022، المرسوم 55 لسنة 2022، الذي يتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 مايو/أيار 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء. وهذه أبرز ملامحه:
- التحوّل من نظام الاقتراع على القوائم إلى نظام الاقتراع على الأفراد.
- التخليّ عن مبدأ التناصف ومبدأ تمثيل الشباب.
- إلغاء التمويل العمومي والحفاظ فقط على إمكانيّة التمويل الذاتي والخاصّ.
- إضافة 3 شروط للترشّح: شرط عدم حمل جنسيّة أجنبيّة بالنسبة للمترشّحين بالدوائر الانتخابيّة بالتراب التونسي، وضرورة إقامة المترشّح بالدائرة الانتخابيّة المترشّح عنها، وشرط النقاء من السوابق العدليّة (عبر تقديم البطاقة عدد 3 أو وصل في الحصول عليها).
- سيكون المترشّحون مطالبين بتقديم قائمة اسميّة تضمّ 400 تزكية من النّاخبين المسجّلين في الدّائرة الانتخابيّة معرّف عليها بإمضاء المزكّين.
- التقليص في عدد مقاعد المجلس التشريعي من 217 نائبًا الى 161 مقعدًا.
- مكّن القانون الانتخابي الجديد من آليّة سحب الوكالة (الفصل 39 جديد) من النّائب في دائرته الانتخابيّة في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابيّة أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدّم به عند الترشّح.
- تم التشديد في العقوبات في ما يتعلّق بالجرائم الانتخابيّة (الفصل 161) بما يتعلّق بكلّ شخص ثبت قيامه بتقديم عطايا نقديّة أو عينيّة قصد التّأثير على النّاخب، أو استعمل نفس الوسائل لحمل النّاخب على الإمساك عن التصويت سواء كان ذلك قبل الاقتراع أو خلاله أو بعده.
ولفهم تداعيات هذه التعديلات بشكل أعمق، يمكن مراجعة التقرير الصّادر عن منظّمة "البوصلة" بعنوان "القانون الانتخابي: تعديلات تؤسّس لمجلس رجالي من أصحاب الأموال والولاءات والقبلية".
الآن، وقد تعرّفنا على القانون الانتخابي الجديد، لنتذكّر معًا ما هو دورنا كصحفيين ومؤسّسات إعلامية. تقوم على عاتق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية ثلاثة أدوار أساسية خلال الفترات الانتخابية:
1.) إعلام الناخبين
2.) مراقبة سير العملية الانتخابية
3.) التعبير عن صوت النّاخب وقضاياه
وفي الحقيقة، يجب أن تكون التغطية الصحفية للانتخابات محكومة قبل كلّ شيء بالمبادئ الأساسية التي ينبني عليها العمل الصحفي. وأهمّ هذه المبادئ كما هو متعارف عليه دوليًا: الدقة، الإنصاف والتوازن والحيادية، الاستقلالية التحريرية وعدم التأثر بالضغوط السياسية والحزبية أو العمل لصالحها، احترام خصوصية الآخرين والتعامل بانفتاح واستقامة مع الناس، العمل للمصلحة العامّة والتحلّي بروح المسؤولية تجاهها.
تقوم كلّ مؤسسة إعلامية في درجة ثانية بتحديد المبادئ التوجيهية الكبرى لصحفييها، آخذة بعين الاعتبار القانون الانتخابي وقرارات الهيئات التعديلية (إن وُجدت). كما يتعيّن عليها إعداد خطّة تغطية إعلامية للحملة الانتخابية، وهذه عملية هامّة وضرورية لكلّ مؤسسة وحتّى للصحفيين المستقلّين.
فيما يلي، تقدّم شبكة الصحفيين الدوليين عددًا من الخطوات اللاّزمة للصحفيين/ات الّذين سيغطّون الانتخابات التشريعية 2022، إضافة إلى بعض الموارد المفيدة:
أوّلًا، قبل الانتخابات
1.) الاطّلاع على القانون الانتخابي (المرسوم الرئاسي المنظّم له) والتمعّن في كلّ فقراته والانتباه للثغرات الكامنة الممكنة فيه.
2.) فهم خصوصيات المجلس النيابي ومجالس الأقاليم وأدوارها وصلاحياتها.
3.) الإلمام بكافّة تفاصيل روزنامة الانتخابات التي من المفروض أن تعلن عنها الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات.
4.) مراجعة الأدلّة والمواثيق الخاصّة بتغطية الانتخابات (سيتمّ ذكرها أدناه).
5.) متابعة البرامج السياسية للمرشّحين ومساءلة مدى مصداقيتها وقابليتها للتنفيذ وتمكين الجمهور من فهمها بالشكل الجيّد.
6.) الامتناع عن نشر برامج المترشّحين خلال فترة الصمت الانتخابي (تشمل يوم الصمت الانتخابي ويوم/ أيام الاقـتراع وحتى غلـق آخـر مكتب اقـتراع في كامـل الجمهورية).
ثانيًا، يوم الاقتراع
سيكون دورك يومها تقديـم المعلومـات الأساسـية عــن مراكــز الاقــتراع، وســبل الوصــول إٕليهــا، ومواقيت فتحهــا وغلقهــا، وكيفيــة الاقـتراع وكذلـك مـن خـلال التذكـير بأرقـام المترشـّحين، وصلاحيات أعضاء المجالس ومهامّهــم، إلخ. كـما ستتولّى وصـف المشـهد كـما تراه مـن موقعـك خاصـة في حالـة رصـد تجـاوزات (شبهات رشوة، محاولات تأثير على خيارات الناخبين، أعمال عنف أو شغب)، ومن المهمّ أن تتعامل بحذر مع نتائج سبر الآراء التي يتمّ القيام بها بعد غلق مكاتب الاقتراع، وتؤكّد على أنها نتائج سبر آراء وليست نتائج أولية للتصويت.
ثالثًا، بعد يوم الاقتراع
تواصل متابعة النتائج وما من المحتمل أن يرافقها من طعون حتى الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية. كما تتابع مستجدّات بدء أشغال المجلس التشريعي والمجالس الإقليمية وحيثياتها وتسهر على مساءلة أعضائها ومتابعة إيفائهم بوعودهم الانتخابية من عدمه.
توصيات للصحفيين/ات خلال التغطية الصحفية:
- الاطّلاع على القانون الانتخابي الجديد (وفهمه مقارنة بالسّابق).
- النّأي بالنّفس عن التجاذبات الداخلية والخارجية وعن الدعاية السياسية، وتغليب المصلحة العامّة.
- عدم اعتبار مؤسسة إعلامية أجنبية واحدة مرجعًا يعتدّ به، فلكلّ المؤسسات خطّها التحريري.
- اعتبار تبليغ مشاغل التونسيين/ات أولوية وعدم الاكتفاء بمتابعة المترشّحين والسياسيين.
- تدقيق الحقائق ومقاطعة المصادر.
- تجنّب استخدام لغة منحازة أو عنصرية أو انفعالية أو فيها دعوة للعنف أو استغلال لمشاعر فئات معيّنة.
- التغطية المتوازنة فيما يتعلّق بالنوع الاجتماعي (حضور النساء كمترشّحات أو ناخبات أو خبيرات) وذوي الإعاقة.
- الحرص على عرض الآراء المختلفة للناخبين أو للعازفين عن التصويت.
- تبسيط المعلومات والاعتماد على الوسائط المتعدّدة مثل الإنفوجرافيك في عرض الإحصائيات والمعطيات الرقمية.
- اختيار زوايا غير تقليدية وتسليط الضّوء على القضايا الإنسانية.
موارد مفيدة للصحفيين/ات:
دليل الصحفي في التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السمعي والبصري، 2019.
التغطية الصحفية المنصفة للإنتخابات من منظور النوع الإجتماعي: دليل الإعلاميات والإعلاميين، مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2014
دليل الإجراءات للتغطية الصحفية للإنتخابات، مراسلون بلا حدود والإذاعة والتلفزة التونسيتان، 2019
الصّورة الرئيسية من تصميم أمل مكي