كيف تقنع لجنة تحكيم بأنّك تستحق الحصول على منحة صحفية؟

Автор أمل مكي
Jul 27, 2022 в استدامة وسائل الإعلام
صورة تعبيرية

في العام 2020 حصلتُ على منحة زينيت للصحافة التي مكّنتني من إنجاز تحقيق وطن خارج الخدمة، الذي سمح بوصول أوّل وسيلة إعلام تونسية إلى مخيمات عائلات مقاتلي تنظيم "داعش" في شمال شرق سوريا. 

الآن، وللعام الثاني على التّوالي، أتولّى عضوية لجنة تحكيم المنحة ذاتها. كان ذلك غريبًا بعض الشيء، أن أتحوّل إلى الضفّة الأخرى. فقد اعتدتُ خلال سنوات عملي الصحفي على أن أكون في جهة الطّالب، لا المانح. 

خلال سنوات عملي الصحفي المحترف، لم أتقدّم بطلبات منح كثيرة. ربّما لا يتجاوز عددها عشر منح على أقصى تقدير. ذلك أنني لم أرغب في أن يتحوّل التقديم للمنح والفرص الصحفية إلى جزء قارّ من عملي اليومي. فأنا صحفية ولست "صيّادة تمويلات". كما أنني أدرس بعناية الفرص الصحفية قبل التقديم عليها. وقد تراوحت قيمة المنح التي تقدّمت للحصول عليها بين 2500 دولار وأكثر من 90 ألف يورو (منحة إنتاج لمنصّة "إنسان" التي شاركتُ في تأسيسها). وقد قوبلت كلّ الطّلبات التي تقدّمتُ بها بالإيجاب. 

لا ريب أنّ المنح الصحفية عامل مساعد في عملنا الصحفي، فهي ترفع تحدّيات كثيرة يواجهها الصحفيون في تمويل إنتاجاتهم، خاصّة إذا كانوا مستقلّين. كما أنّها تفتح بابًا للاستقلالية، ولحرية اختيار المواضيع، وتخصيص وقت أكبر للاشتغال على الموادّ المتعمّقة، الأمر الذي قد لا تسمح به مؤسسات إعلامية وغرف أخبار كثيرة. كما أنّ المنح تقدّم دعمًا ماليًا لا يستهان به، خاصّة في معظم دولنا العربية حيث يتقاضى الصحفيون أجورًا غير منصفة. 

ولأنني كنت دائمًا متمسّكة باستقلاليتي، وبرغبتي في اختيار المواضيع التي أعمل عليها، ولأنّ أجور الصحفيين في تونس "مدعاة للبكاء"، فقد كنت دائمًا أتعامل بجدّية مع المنح التي أتقدّم للحصول عليها. 

أقوم مرّة كلّ شهر بتفقّد صفحة الفرص الصحفية على موقع شبكة الصحفيين الدوليين وصفحة المنح على موقع صندوق الصحافة. يساعدني ذلك، لا على معرفة المنح التي يمكنني التقديم لها فقط، بل أيضًا على توسيع شبكة الجهات المانحة التي أعرفها، وعلى فهم توجّهات المانحين على المدى القريب والمتوسّط. كثيرًا ما أغلق صفحة المنحة بدون المضيّ قدمًا فيها، لأنّ موعد التقديم قريب أو لأنّ الشروط لا تنطبق عليّ بشكل كامل، أو لأنني غير جاهزة في الوقت الحالي للتفرّغ لذلك. لكن متى قرّرت أنّ الفرصة ملائمة لي وبأن المنحة ضرورية لإنجاز قصّتي المقبلة، أقوم بتحديد يوم للتقديم في أجندتي وبتخصيص يوم أو أكثر، حسب الحاجة، لإعداد طلب التقديم. 

فالإعداد الجيّد هو كلمة السرّ في نجاح طلب تقديم لمنحة صحفية. يجب أن يظهر طلبك بشكل لا يترك مجالا للشكّ أنّك تأخذ تلك المنحة على محمل الجدّ وبأنك قضيت وقتًا كافيًا للإعداد لها. 

وهذا يحيلني على الخطأ الأوّل في التقديم للمنح الصحفية ضمن مجموعة أخطاء قد تجعل لجنة التحكيم تقتنع أنّك لا تستحقّ الحصول عليها. 

  1. عدم الإعداد المُسبق 

الإعداد يعني أن نقرأ بعناية بنود المنحة وشروطها، وأن ننتبه جيّدًا لمعايير الاختيار. هذه المرحلة رئيسية في كلّ عملية تقديم، والتعامل معها بسطحية أو الاستهانة بها يعني أن نقع بالضرورة في أخطاء. الأمر الأوّل الّذي سنعرفه في هذه المرحلة هو ما إذا كنّا مؤهّلين للحصول على المنحة أم لا. تخيّل منحة صحفية تنصّ بكل وضوح على أنّها مفتوحة للصحفيين من اليمن والعراق ومصر والأردن فقط، سيكون غير مجدٍ أن تتقدّم بطلب الحصول عليها وأنت من المغرب! 

ستسمح لك هذه البنود والشروط أيضًا بمعرفة معايير الاختيار وتوقّعات الجهة المانحة من المشروع والنتائج التي تأمل في الوصول إليها. اقرأ تلك المعايير والتوقعات بعناية وسجّلها في الملاحظات لديك لتستخدمها لاحقًا في شرحك لفكرتك. إذا كان من بين معايير الاختيار مثلًا أن تكون قصّتك فريدة من نوعها أو ذات زاوية جديدة لم يتمّ التطرّق إليها في السابق، سيكون من العبث إذن أن تقدّم فكرة تقرير اشتغلتَ أنت نفسك عليه من قبل وبدون أن تطرح فيه زاوية جديدة. بل الأسوأ من ذلك، أن تقوم بعمل "نسخ/ لصق" لجُمل أو فقرات كاملة من تقرير سابق لك في طلب التقديم. عدا عن كون هذا السّلوك قد يُظهر كسلاً لديك، فإنّ أعضاء لجنة التحكيم قد يعتبرونه استخفافًا بوقتهم و/أو بذكائهم. إذ يمكن لعضو اللجنة أن ينسخ ما كتبتَه ويُلصقه في خانة البحث في جوجل ليعثر على التقرير.


  1. استخدام مقاربة ضبابية 

الوضوح فضيلة مطلوبة في طلبات التّقديم كما في العلاقات الإنسانية. إذا كنت غير قادر على شرح فكرتك بوضوح وبدقّة في طلب التقديم، فإنّ لجنة التحكيم لن تتمكّن من فهمها. إذا كانت المنحة مثلًا مخصّصة للتقارير الصحفية المعمّقة حول تداعيات التغيّرات المناخية، فيجب أن تكون فكرتك واضحة من حيث ارتباطها بالفعل بالتغيّر المناخي وتداعياته. إذا كانت المنحة موجّهة لدعم التجديد والإبداع في غرف الأخبار، فيجب أن تعكس فكرتك بوضوح كيف أنها ستساعد على التجديد في مؤسستك/غرفة الأخبار التي تعمل بها. 

وعمومًا، يتطلّب الوضوح شرحًا جيّدًا. لذلك فإنّ الاكتفاء بـ3 أسطر في خانة شرح الفكرة بينما هي تسمح بـ10 أسطر أو أكثر، قد يقول الكثير عن جديّة طلبك للتقديم. 

أذكر أنني عندما تقدّمت للحصول على منحة زينيت للعام 2020، كتبتُ شرحا مطوّلًا لفكرة التحقيق استنفذت فيه كلّ المجال المسموح به. ذلك أنني قمت بالبحث الأوّلي حول الموضوع خصّيصًا من أجل المنحة. وهكذا، شرحت بالتفصيل، فكرة التحقيق وارتباطها بالهدف من المنحة وملاءمتها لكلّ شروط الاختيار ومعايير التقديم. كما بيّنت خطّتي المرتقبة للاشتغال على الفكرة، والمحاور الأساسية للتحقيق، والمصادر التي سأستند إليها، والشكل الصحفي الّذي سأشتغل عليه، والوسائط المتعدّدة التي سأستخدمها، والمدّة اللازمة للإنجاز، والتأثير الّذي أرغب في تحقيقه.

كما أنني قدّمت ميزانية مفصّلة واقعية غير مبالغ فيها، حدّدت فيها مصاريف الاستعانة بشخص مرافق (فيكسر)، ومصمّم غرافيك وفريق تصوير محترف، وأتعابي الشخصية.

  1. إظهار نفسك كهاوي.ة 

إذا كان شرحك لفكرتك يتضمّن الكثير من الجمل التي تبدأ كالتالي :"آمل أن…"، "إذا كان كلّ شيء على ما يرام فسأتمكّن من.."، إلخ، فإنّ ذلك يضعك للأسف في خانة الهواة. ترغب لجنة التحكيم في أن يعكس شرحك قدرتك على الإقناع. أن تكون فكرتك قابلة للإنجاز، بالقوّة وبالفعل. أي أنها فكرة غير طوباوية، وأنّك تملك المهارات والمعارف اللازمة للاشتغال عليها وتسليمها في الوقت المحدّد. 

حسنًا، علينا أن نقرّ دائمًا بإمكانية ظهور تحديات لم نحدّدها في تقييمنا للمخاطر، أو بوجود نقص ما في إمكانياتنا. في هذه الحالة، من المهمّ أن نوضّح ذلك في طلب التقديم. فالاعتراف بحاجتنا للتوجيه في نقطة ما أو للتمكين في مهارة ما، نقطة تحسب لنا. وكثير من الجهات المانحة ستخصّص بالفعل موجّهًا يرشدك خلال فترة الإنجاز. 

  1. العجرفة والغرور 

على النقيض من النقطة السابقة، يمكن لبعض طلبات التقديم أن تُظهر عجرفة صاحبِها. تسمح غالبية استمارات التقديم بوجود خانة يجيب فيها المتقدّم على السؤال :"لماذا أنت الصحفي الأنسب للحصول على المنحة؟"، الهدف من هذا السؤال هو أن تبيّن إلمامك بالموضوع الذي تودّ الاشتغال عليه، وخبرتك السابقة، إن وجدت، في إنجاز موادّ مشابهة، وتزوُّدَك بشبكة مصادر وعلاقات تسهّل عليك العمل عليه، وتمتّعك بالمهارات اللازمة و/أو الفريدة من نوعها، وقدرتك على الالتزام بمواعيد التسليم واحترامك لأخلاقيات الصحافة إلخ. 

سيكون من الجيّد أن تذكر كلّ هذا في ردّك على السّؤال، لكن أن تكتفي بكتابة "لأنّني حاصل على عدّة جوائز"، فذلك قد يعطي انطباعًا لعضو لجنة التحكيم بأنّك "تستعرض عضلاتك". وحتى إن قلت إنّك حاصل على جوائز، فأي جوائز؟ وعن أيّ موادّ؟ قد لا تصدّق ذلك، لكن كلمة "جائزة" وحدها قد لا تجذب لجان التحكيم. 

  1. إظهار أنّك "صيّاد منح" 

هذه نقطة حسّاسة بعض الشيء. إذ أنني ذكرت سابقًا أنّ المنح الصحفية مهمّة لنا كصحفيين، بل وضرورية أحيانًا. لكن هناك فرقًا بين أن نستفيد من المنح لإنجاز تقارير ما كانت لتكون ممكنة لولا الدعم المالي، وأن نستعين بالمنح على أجورنا المتواضعة في كثير من الدّول، وبين أن يصبح صيد المنح مهمّة يومية من مهامّنا. 

قد يظهر ذلك للجنة التحكيم إذا كانت المنحة مثلا موجّهة للصحفيين البيئيين ذوي الخبرة، في حين يكشف طلبك بكلّ وضوح أنّك لم تعمل سابقًا على المواضيع البيئية على الإطلاق (الحلّ؟ انتظر فتح باب التقديم لمنحة موجّهة لصحافة البيئة بدون اشتراط الخبرة)، أو إذا فعلتَ ما ذكرتُه أعلاه من "نسخ ولصق" موادّك السابقة في استمارة التقديم بدون بذل أيّ مجهود إضافي، أو إذا كان طلب التقديم غير مجهول الهوية (للجنة التحكيم) وبالتالي ستعرف الجهة المانحة أنك قدّمت السنة الماضية على منحة الصحافة البيئية، والعام الذي قبله على منحة التقارير الاجتماعية، وها أنّك تقدّم هذا العام على منحة الكتابة في الاقتصاد. النشاط والحيوية أمران محبّذان بالفعل، ولكنّ المبالغة قد توحي بأنّك لا تلقي بالا للتخصّص الصحفي قدر اهتمامك بالمنح الصحفية. 

  1. التقديم في اليوم الأخير (أو الدّقيقة الأخيرة) 

أضفتُ "أو الدّقيقة الأخيرة" عن قصد. ذلك أنني فعلتُ ذلك! كنتُ ورئيس جمعية شاركت في تأسيسها حينئذ نعدّ للتقديم لمنحة مقدّمة للجمعيات قصد بعث مشروع إنتاج محتوى رقمي. كنتُ قد وضعتُ الفكرة وعرضتها على رئيس الجمعية الذي وافق عليها، واستعرضنا معًا استمارة التقديم ونموذج ميزانية المشروع. لكن في الأثناء، انشغل كلانا بعمله ومشاغله الخاصّة وحلّ آخر أجل للتقديم (منتصف الليل من ذلك اليوم) ونحن لم نخطّ كلمة واحدة. ليلتها، بدأنا العمل في الساعة السادسة مساء على استمارة شرح المشروع وعلى الميزانية المقترحة. وفي الساعة الحادية عشر و59 دقيقة بالضبط أرسلتُ ملفّ التقديم! 

حصلنا على المنحة بالفعل. ولكنّ ذلك لا يعني أنّ التقديم في الدقيقة الأخيرة سيصبح عادة من عاداتي أو عاداتِك! 

كلّما أعددتَ مسبقًا للتقديم، وتركت لنفسك مجالًا لمراجعة الطّلب مرّة أو أكثر، كلّما عزّزت حظوظك في النجاح. كما أنّ تكرار التقديم المتأخّر قد يضرّ بسمعتك، وهذا أمر لا أحد يرغب في حصوله! 

الآن وقد استعرضنا أبرز ما عليك تفاديه في التقديم لمنحة صحفية، نذكر بإيجاز ما يجب عليك فعله: 

  • اقرأ البنود والشروط.
  • انتبه لمعايير الاختيار. 
  • أعدّ بحثك جيدًا.
  • خطّط جيدًا للتقديم. 
  • كن محدّدًا وواضحًا.
  • أظهر أنك قادر على إنجاز القصّة.
  • تحدّث عن التأثير الّذي ستحدثه قصّتك.

من المهمّ أن تتذكّر أنّه، من حيث المبدأ، فكرتُك وحدها هي القادرة على أن تجعل لجنة تحكيم تجيبك بالقبول. ولذلك، قد تكون صحفيًا ناجحًا ومشهورًا وحاصلًا على جوائز ومع ذلك تفاجأ برفض طلبك للحصول على منحة. 

هذا ما حصل مع العالِمة كارول جرايدر. ففي اليوم الذي فازت فيه عالمة الأحياء الجزيئية بجائزة نوبل لعام 2009، علمت أنّ طلب المنحة الذي تقدّمت به مؤخرًا قد تمّ رفضه. تحدّثت جرايدر لاحقًا عن ذلك بالقول: "حتى في اليوم الّذي تفوز فيه بجائزة نوبل، قد يتساءل المشكّكون عمّا إذا كنت تعرف حقّا ما تفعله".

ربّما يعكس ما حدث مع الفائزة بجائزة نوبل خللًا ما في نظام المِنح، وربّما يعكس في المقابل من ذلك، أنّ طلبها لم يكن مُقنعًا بالفعل!

في الختام، يمكن اعتبار التقديم للمنح مهارة يجب امتلاكها وصقلها في مجالنا الصحفي اليوم. وهي بالفعل موضوع عدّة مقالات وتدريبات تقدّمها مؤسسات فاعلة في المجال الصحفي والإعلامي وحقوق الإنسان. 

لكن من المهمّ أن تسأل نفسك دائمًا "لماذا أرغب في التقديم لهذه المنحة؟" وإذا كان ردّك فقط "للحصول على المال"، فأنت بالتأكيد تعاني من قصور في فهم الهدف من هذه التمويلات الصحفية. بعض المنح مخصّصة بالفعل، وبوضوح، لدعم الصحفيين وغرف الأخبار مادّيًا. لكنّ المنح الموجّهة للإنتاج، خاصّة في الصحافة المتعمّقة، تهدف إلى تمكينك من تبليغ صوت من لا صوت أو لا منبر له، ومن إحداث تغيير ما كان ليكون لولا قصّتك.

بعبارة أخرى، فكّر في المنحة الصحفية على أنّها عامل مساعد لك في جعل العالم مكانًا أفضل. تمامًا كما هو الهدف من الصحافة الجيّدة.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة ماركوس وينكلر.