هل يؤثر انتماء الصحفي إلى الأحزاب السياسية على مصداقيته ومدى حرفيته؟

Автор إسماعيل عزام
Oct 30, 2018 в مواضيع متنوّعة

في الانتخابات المغربية الأخيرة الخاصة بتدبير المدن والقرى والمحافظات (الإنتخابات البلدية)، قدّم عدد من الصحفيين المغاربة ترشحياتهم بأسماء أحزاب معيّنة، فتحوّلت العلاقة بين الصحفي والحزب السياسي، من تغطية الأخبار والتحقيق في الملفات، إلى الحديث باسمه والدفاع عنه وحث الناس على التصويت له.

اختيار بعض الصحفيين الانتماء إلى الأحزاب السياسية ليس أمرًا جديدًا، ففي الكثير من دول العالم، هناك الصحافة الحزبية، أي الصحف الناطقة بأسماء أحزاب معيّنة التي يكون فيها رئيس التحرير عضوًا داخل الحزب، ويوجّه الخط التحريري للجريدة نحو الدفاع عن الحزب والحديث باسمه وتقديم برامجه ورؤياه الخاصة بالميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

غير أن انتماء الصحفي إلى حزب سياسي عادةً ما يُثير الكثير من النقاشات حول أخلاقيات المهنة، فإن كانت جلّ القوانين في العالم التي تنظم مهنة الصحافة لا تمنع انتماء الصحفيين إلى الأحزاب، فإنه في المقابل، هناك الكثير من الصحفيين المحترفين الذين يعتقدون بضرورة حفاظ الصحفي على موضوعيته ومصداقيته، بالتالي البقاء بعيدًا عن معترك الأحزاب السياسية، في وقت يدافع فيه آخرون عن حق الصحفي في ذلك.

ويتحدث المجلس السويسري للصحافة (مؤسسة غير حكومية) أن الصحفي عليه ألّا يقبل بممارسة مهام حزبية أو وظائف إقتصادية مشيرةً إلى ما قد يحدث بسببها من تضارب في المصالح، حتى ولو أظهر استقلالية تامة. أما في ما يخص قيامه بعمل سياسي بعيدًا عن الانتماء السياسي، مثلًا مستشار في بلدية، فالأمر لا يشكّل تحديًا أخلاقيًا شرط أن يفرّق بشكل كامل بين مهمته السياسية والصحفية، وأن يوضح للعموم التزاماته السياسية الجديدة.

من جهة أخرى، يظهر موقع مجتمع الصحفيين المحترفين صارماً في هذه النقطة، إذ يؤكد أنه على الصحفي عدم الانتماء لأيّ حزب سياسي، بل ويطلب من الصحفيين عدم العمل في الحملات السياسية، وعدم الانخراط مع اللوبيات السياسية، وحتى الابتعاد عن الجمعيات التي قد تؤثر على مصداقية عملهم، وذلك خوفًا من تضارب المصالح، المبدأ الذي تنصّ عليه غالبية مواثيق أخلاقيات الصحافة في العالم.

ويتحدث موقع مجتمع الصحفيين المحترفين المعروف بـ SPJ أن الصحفيين الذين يعملون في المجال السياسي، ملزمون بعدم القيام بأيّ نشاط سياسي، مشيرًا إلى أن بعض مدراء الصحف طلبوا من الصحفيين عدم حضور سهرات مموّلة من أحد الأحزاب، غير أن SPJ لا يظهر متفقًا مع القول بضرورة عدم تصويت الصحفيين للأحزاب الذين يقتنعون بها، معتبراً أن هذا الرأي فيه الكثير من الراديكالية والتطرّف.

غير أن الصحفي قد يكون سياسيًا ناجحًا، بشكل يوحي أن الخبرة الصحفية تنفع في تدبير المجال السياسي، ومنهم مثلًا هيلين زيل، زعيمة حزب الرابطة الديمقراطية في جنوب إفريقيا، إذ اشتهرت كثيرًا بأعمالها الصحفية قبل أن تخلع جبة الصحافة وتدخل معترك السياسة.

في هذا السياق، تتحدث حنان رحاب، وهي عضو بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وصحفية بجريدة "الأحداث المغربية"، أن مسألتي الحياد والموضوعية تشكّلان دائمًا امتحانًا بالنسبة للصحفي، خاصة المنتمي إلى حزب سياسي، ففي كل مرة يكتب مقالة سياسية يجد نفسه في مواجهة هذا التجاذب: "هل نكتب الحقيقة وفق ما تمليه علينا ضمائرنا أم نجمّلها حيناً ونتغاضى عن جزء منها حينًا آخر انحيازًا لموقف سياسي أو فكري او تنظيمي؟".

وتضيف رحاب لشبكة الصحفيين الدوليين:" من واقع تجربتي المهنية، أقول إنني انحزت دائمًا إلى الحقيقة، قد أكون أخطأت التقدير أحيانًا، لكن لم يحدث قط أن تعمدت تزييف الحقيقة. العمل الحزبي بالنسبة لي هو سعي إلى تحقيق قيم كبرى أؤمن بها، وهو أكبر عندي من وجودي الفردي وحتى تنظيمي السياسي، وفي هذه النقطة يلتقي العمل الصحفي بالعمل السياسي".

وتتابع رحاب: "يجب التمييز بين الصحفي الملتزم الذي يدافع عن توجه معيّن وذلك من حقه والصحفي المحترف الذي ينقل الخبر فقط دون أي تأويل ولا أي مجهود لتحليله وطبعاً الصحفي المرتزق الذي يحابي من يدفع أكثر. أنا أصنف نفسي في خانة الصحفية الملتزمة بديموقراطية الدولة والمجتمع والمؤمنة بقيم الحداثة بالتالي لا يمكن إلا أن أكون منحازة لهذا التوجه السياسي".

وحتى إن ظهر ديفيد بريور، عن موقع ميديا هيلبينغ ميديا غير مرتاح كثيرًا للصحفي المنتمي إلى الأحزاب، إلّا أنه يؤكد في مقالة مطوّلة أن هذا النوع موجود عبر العالم رغم الكثير من السلبيات التي توّجه إليه. ومن ذلك، عدم قدرته على إخفاء انتمائه السياسي في عمله، وقضاؤه لوقت طويل في العراك مع من يخالفون توجهاته السياسية، وحماسه لملفات معيّنة دون أخرى، حتى ولو اقتضى به الحال الدفاع عن قصص لا تظهر منطقية.

تحمل الصورة رخصة المشاع الإبداعي على موقع فليكر، بواسطة Acampada Jove.