في عصر الثورة الرقمية، باتت صحافة البيانات من الأنواع الصحفية التي تتطوّر وتتشعّب بشكل سريع، إذ يتعاظم دورها في في إنتاج وتوزيع المعلومات. ويلجأ إليها عددٌ كبير من الصحفيين لا سيّما وأنّها تضمّ مجموعة متداخلة من الكفاءات، فإلى جانب الصحفي يوجب هذا النوع من الصحافة وجود مصمّم أو مختصّ بالتصميم وآخر ضليع في علوم الحاسوب والإحصاء.
ومن خلال صحافة البيانات، يجري تنظيم المحتوى الإخباري عبر أجزاء هيكلية من البيانات، بدلاً من نشر تقارير ومقالات إخبارية مطوّلة.
في عالمنا العربي، ظهرت مبادرة جديدة، جديرة بالإضاءة عليها، وهي "بيانات بوكس"، هذه المنصّة التي لقيت ترحيبًا من قبل الناشطين على موقع "فايسبوك"، الذين رأوا فيها وسيلةً لمعرفة الكثير من المعلومات الاجتماعية والاقتصادية، عبر الأرقام أو الفيديوهات السريعة أو الإنفوجرافيك، الأمر المفيد والموفّر للوقت.
"شبكة الصحفيين الدوليين" أجرت حوارًا مع عليا العالي، وهي باحثة في السياسات العامّة ومن مؤسسي منظمة "حلول"، وهي منظمة غير ربحيّة أُسست في لبنان ومن خلالها انطلق مشروع "بيانات بوكس".
في حديثها مع شبكة الصحفيين الدوليين، قالت العالي: "أسّسنا هذه المنظّمة لأسبابٍ عدّة، لا سيّما بعدما تأثّرنا بكَون الصحافة في العالم العربي ليست مواكبة للعصر الرقمي، خصوصًا في كتابة المقالات"، وأضافت: "وجدنا أنّ هناك الكثير من الطرق التي تساعد في التطوير، وقررنا العمل في هذا المجال، أي عبر تقديم محتوى إبداعي مبني على البيانات على مواقع التواصل الإجتماعي، إذ بدأنا من فايسبوك وإنستغرام وتويتر، حتّى أصبح لدينا فيما بعد موقع لمخاطبة المتابعين من خلاله".
وعن الأعضاء، لفتت العالي الى أنّ المؤسسين هم من مصر ولبنان والبحرين، وقالت: "أردنا تقديم محتوى يخاطب الشباب العربي، الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و34 عامًا، وهذا المحتوى يقوم به فريق متخصص ومهاراته مختلفة، إذ يصنعه بناءً على البيانات لا الوسائل التقليديّة في الصحافة".
وأوضحت العالي أنّ "حلول" أسّست لـ"بيانات بوكس"، حيثُ قالت: "بعدما بدأنا بعرض العمل، وجدنا تفاعلاً مع هذا النوع من المحتوى، أي السرد المرئي، الإنفوجرافيك، الصور، وغيرها من الطرق الجديدة"، مضيفةً: "همّنا هو ألا تكون طريقة العرض مملّة، ولذلك، نحاول أولاً تحديد الجمهور المستهدف (الفئة، البلد،… ) قبل كتابة أي "سكريبت"، إضافة إلى تحديد النقاط التي قد تجذبه أكثر لهذه القضية. كما نركز في كل فيديو أو إنفوغرافيك على نقطة أساسية واحدة. فنحن نتواصل مع جمهورنا عبر المنصات الإجتماعية حيث إيصال الرسالة في أقل من دقيقة أهم من تكديس المعلومات التي لا تهم الجمهور".
وتحدّثت العالي بالتفصيل عن المشروع، مشيرةً الى أنّه انطلق منذ حوالى السنة ونصف السنة، ويضمّ صحفيين وباحثين في السياسة العامّة ومصمّمين. كما أوضحت أنّ عدد الفريق ليس كبيرًا، ومع ذلك فهو ينتج محتوى بشكلٍ شبه يوميّ.
وعن طريقة العمل، قالت إنّ الفريق يعمل على تبسيط المعلومة، وذلك يتطلّب وقتًا، لا سيّما عند خلق محتوى عن مواضيع علميّة وصحيّة أو إقتصاديّة. وقالت إنّ عمل الفريق الرئيسي يتركّز على برنامجي إكسيل وجوجل درايف الذي يتيح للفريق العمل من دول عربية مختلفة.
وأشارت الى أنّ المهارات الأساسيّة المطلوبة في هذا النوع من العمل هو الإلمام بأساسيّات الصحافة، إضافةً الى حبّ البحث وفهم البيانات، ونوّهت الى أنّه من غير الضروري أن يكون الصحفي مختصًا بالبيانات، إذ يمكنه الإستعانة بمختصّ بالبيانات لضمان الدقة في المعلومات.
وقالت إنّ المصادر التي يعتمدها الصحفيون عديدة، أبرزها البيانات التي تُصدرها المنظمات الدوليّة، والتي يمكن تحويلها الى قصص، التقارير الموثوقة والتي يمكن أن تكون صادرة عن جهات حكوميّة، وأضافت: "الوصول الى المعلومات يعدّ مهارةً أيضًا، والمصمّم هو عنصر أساسي في العمل، فالسرد المرئي يختلف عن باقي طرق العرض".
وعن رغبة بيانات بوكس بالتعاون مع مساهمين جدد، أعربت العالي عن نيّة فريقها بالعمل في كل دولة عربية، مشدّدة على أهمية الموارد المتنوعة، وقالت إنّ "أهم نقاط القوة في فريقنا الحالي هو التنوع من ناحية التخصصات والجنسيات وغيرها".
وعن الشراكات، أوضحت أنّه لم يحدث أن تعاون الفريق مع جهات صحفية خارجية، وأضافت: "لقد عملنا مع عدد من الجهات المرموقة في حملات اعلامية مبنية على البيانات كمنظمة الاسكوا والبوابة العربية للتنمية ومركز عصام فارس للسياسات العامة في الجامعة الأمريكية في بيروت".
وشاركت العالي في حديثها لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" أهمّ المشاريع التي عمل عليها "بيانات بوكس"، وهي أزمة اللاجئين السوريين في لبنان، الأعمال غير الرسميّة في مصر، التغيير المناخي وتأثيره في المناطق العربية، إضافةً الى مواضيع أخرى تلامس ما يرغب الشباب العربي بمعرفته وقد لا يجد المحتوى المناسب.
وأشارت إلى أنّ بيانات بوكس في صدد التحضير لمشروع عن الأخبار المزيّفة بالتعاون مع مشروع بناء السلام في لبنان التابع لـبرنامج الامم المتحدة الانمائي.
وتطرّقت الى أنّ مصادر التمويل هي مشكلة دائمة للصحافة سواء في العالم العربي أو خارجه، ولا حلّ نهائيًا لهذا الأمر، ولمن يريد الشروع بمشروع جديد، نصحت العالي الصحفيين بالبدء بطريقة تطوّعية، وتخفيض المصاريف.
وختامًا، عرضت العالي بعض الموارد التي يمكن للصحفيين المهتمين بصحافة البيانات الإستفادة منها وهي:
البوابة العربية للتنمية: هي مبادرة لمجموعة التنسيق لمؤسسات التنمية العربية الوطنية والإقليمية والبنك الإسلامي للتنمية وصندوق الأوبك للتنمية الدولية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تسعى لنشر المعرفة حول التنمية في المنطقة العربية وتحسين وفرة ونطاق استخدام المعلومات المتعلقة بالتنمية.