دراسة عن الإعلام في لبنان.. عناصر الجذب والثقة وتفاعل الجمهور

Mar 25, 2021 em إشراك الجمهور
صورة

في ظلّ الأزمات الإقتصادية والصحية التي تشغل العالم، اندفعت المؤسسات الإعلامية إلى إجراء دراسات وأبحاث حول تأثّر العمل الصحفي بموجة الأخبار الكاذبة وسياق الأزمات المتعددة، وكيفية انعكاس هذه التغيّرات على الجمهور، الذي تريد المؤسسات استعادة ثقته وجذبه لمتابعة المحتوى وتفاعله معه.

وفي هذا السياق، يتميّز لبنان بالتنوّع الطائفي والموقع الجغرافي والنظام السياسي الحرّ، الذي ساهم في تحويل العاصمة بيروت إلى مركز رائد للصحافة والطباعة في المشرق العربي، وفيما بعد نما الإعلام اللبناني في قطاعيه المطبوع والسمعي-البصري.

إبّان السنوات الأخيرة، شهد لبنان ظهور عدد كبير من المواقع الإلكترونية الإخبارية، وذلك نظرًا لتكاليف التشغيل المنخفضة نسبيًا من جهة، واتّساع نطاق وصول المنشورات عبر الإنترنت إلى عدد أكبر من القرّاء من جهة أخرى. لكنّ تجارب إعلاميّة كثيرة تفتقر إلى العديد من العناصر الأساسية المرتبطة بالصحافة المستدامة، ومنها: ضمان الاستقلالية التحريريّة، والالتزام بالمعايير الأخلاقية للصحافة، التحقيق، التحليل والاستقصاء، التدقيق في الحقائق، توفير تجربة مبتكرة للمستخدم على صعيد الشكل والمظهر، واعتماد نماذج قائمة على الاستدامة المؤسسية، وفقًا لما ورد في مقدّمة دراسة أعدّها صحفيون وباحثون من مؤسسة سمير قصير، بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان.

ولفت معدّو الدراسة إلى أنّ العديد من الصحفيين المستقلّين والخرّيجين الشباب شرعوا في مغامرة صعبة تتمثّل في إنشاء منصّات إعلاميّة إلكترونيّة تعالج أوجه القصور العديدة القائمة في المشهد الإعلامي اللبناني التقليدي. وعلى الرّغم من حصول هذه المنصّات على دعم كبير من العديد من المانحين الدوليين والمنظّمات المعنيّة بتطوير الوسائل الإعلامية، إلّا أن القيود الديموغرافية والمؤسسية لا تزال تُعيق هذه المنصّات عن تحقيق كامل إمكاناتها. فعلى سبيل المثال، ثمة افتراض بأن محتوى الوسائل الإلكترونية المستقلّة يتم استهلاكه فقط من قبل شرائح محدودة من الجمهور، وهي الفئة الحضريّة والشابّة، من الطبقة المتوسّطة العليا، وذلك وسط التحوّلات القائمة على صعيد كيفية تلقّي القراء والمشاهدين الشباب للمعلومات المطلوبة وتتبّعهم لها، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. لذلك، أصبح من الضروري التوجّه نحو اعتماد التأثيرات البصرية والمتحرّكة لعرض الحقائق والآراء بهدف جذب انتباه المستخدمين.

إقرأوا أيضًا: خطوات للصحفيين لاستعادة ثقة الجمهور خلال تغطيتهم "كوفيد 19"

وهدف الباحثون من خلال هذه الدراسة إلى تقييم عامليْن أساسيّيْن للاستدامة بناءً على عيّنة من هذه الوسائل الإعلامية الجديدة والمستقلة عبر الإنترنت في لبنان. وتمثّل العاملان بالإلتزام بأعلى معايير الجودة في مجال الصحافة، وبالقدرة على جذب جمهور أوسع.

 وتعمّقت الدراسة في تحليل منظور الشباب وطلّاب الجامعات إزاء مصادر المعلومات المختلفة هذه، سعيًا إلى فهم تداعيات الأحداث والتصدّعات السياسية الكبرى التي شهدها لبنان منذ عام 2019، ومن أبرزها الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، وجائحة فيروس كورونا وانفجار بيروت في 4 آب/أغسطس 2020.

مصادر الأخبار

 بعد البحث في إجابات المشاركين، خلصت الدراسة إلى وجود نسبة مرتفعة من استهلاك الأخبار عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ويبدو أنّ معدّل استخدام انستجرام وتويتر تجاوزت معدّل استخدام فيسبوك.

وذكر المشاركون من مختلف المناطق والخلفيات ارتباط المنصات الإعلامية الرسمية بالأحزاب الطائفية، مشيرين إلى أنّ هذا العامل يمثّل عقبة تمنع إنتاج مخرجات جديرة بالثقة والتصديق، ومع ذلك لا يزال جزء كبير من المشاركين يعتمد على وسائل الإعلام الرئيسية للحصول على الأخبار الفوريّة، وذلك بسبب العلاقة الوثيقة والمقربة بين تلك الوسائل والسلطات الحاكمة. ومع ذلك شدّد معظم المشاركين على الحاجة إلى التحقق من صحة المصادر الرسمية بطرق عدّة، وذكروا مرات كثيرة أنّهم يلجأون إلى إجراء مقارنات بين وسائل الإعلام المختلفة لبناء الرواية الفعلية حول الحدث وكيف يجب فهمه وتحليله. كما أقرّوا أنّ تلك المقارنات ضاعفت أيضًا من قدرتهم على تحديد الإنتماءات السياسية لوسائل الإعلام ووجهات نظرها التحريرية.

وبحسب الدراسة، بدأ أنّ معظم الطلاب المشاركين قد بقوا علاقة ثقة متينة مع وسائل الإعلام المستقلّة، عند البحث عن تقارير وتحليلات دقيقة وموضوعيّة وشملت بعض الأمثلة التي ذكرها أحد الطلاب بعض الوسائل مثل ميغافون والمفكرة القانونية، حيث قال: "بينما أستعين بالوكالة الوطنية للإعلام - أي الوكالة الرسمية التابعة للدولة اللبنانية - كمصدر موثوق به للأحداث الفورية، يمكن العثور على تغطيات تحليلية مماثلة على بعض الصفحات مثل ميغافون والمفكرة القانونية فإنّهما تتبعان روايات موثوق بها".

ويظلّ التلفزيون مصدرًا مهمًا للأخبار بالنسبة لأقليّة ملحوظة من المشاركين. فيما مال الطلاب الناطقون بالفرنسية أكثر إلى مشاهدة التلفزيون مقارنةً بالطلاب الناطقين باللغة الإنجليزية، حيث اعتمد هؤلاء بشكل حصريّ على مصادر بديلة.

الثقة

وأضافت الدراسة أنّ الثقة بالتحليلات التي تنشرها وسائل الإعلام المستقلة تنبع من أرضية أخلاقية معيارية مشتركة بين القراء. وتشمل عوامل الثقة التي تحدث عنها المشاركون مستوى التناسق والإحتراف في جودة التصميم والكتابة، إلى جانب مدى الإستشهاد بمراجع أصلية ومباشرة على أرض الواقع. واعتُبر هذا العامل مهمًا بشكل خاص للشباب المقيمين خارج بيروت لا سيما بسبب اعتمادهم على تلك المصادر ذات الصلة بمنطقتهم السكنية.

عوامل الجذب الخاصة بالمضمون الإعلامي

أكد المشاركون من جميع الجامعات والمناطق في الدراسة، على فائدة العروض المرئية لا سيما من ناحية المحتوى السمعي والبصري المتحرك في الأخبار والتعليقات. وتجلّى ذلك في المقام الأول برغبة المشاركين في مشاركة مقاطع الفيديو الإخبارية القصيرة بدلًا من مقالات يهيمن عليها الطابع النصّي.

وذكر مشاركون عددًا من العوامل بشكل متكرر، كمستوى وضوح الصفحة الرئيسية وخيار الخط واللون والتناسق. وسلّطوا الضوء بشكل مباشر على أهمية هذه العوامل في الإشارة إلى مدى تكرار زياراتهم إلى المواقع الإخبارية. وتباينت آراء المشاركين حول أهمية المرئيات لدى البث الصوتي أو البودكاست، فقد اعتقد بعض الطلاب الناطقين بالفرنسية بشكل عام أنّ غياب المرئيات يجعل من البث الصوتي أداة تواصل ضعيفة نسبيًا، ومن ناحية أخرى اتجه الطلاب الناطقون بالإنجليزية نحو التأكيد على أهمية البودكاست بشرط استضافة شخصيات شعبية ومؤثرة.

كذلك، فضّل الطلاب والشباب أن يقرأوا ويشاركوا المواضيع التي تثير اهتمامهم والتي يملكون بعض المعلومات عنها ممّا يظهر اهتمامًا ضئيلًا أو معدومًا بالرغبة في تعلم موضوع جديد لم يعتادوا عليه مسبقًا. ولاحظ الباحثون ميولًا عامًا لقراءة المواضيع الإجتماعية ومتابعتها بدلًا من المواضيع التقنية أو المتخصصة.

التوصيات

في ختام الدراسة، وجد الباحثون أنّه من الضروري أن تهدف المنصات الإعلامية إلى إزالة الغموض عن المحتوى التقني والمتخصص من أجل تقديم معلومات سهلة ومتاحة للجميع. ومن الأفضل أن تدمج الوسائل الإعلامية لغتين على الأقل في منشوراتها لا سيما وأنّ عددًا كبيرًا من الشباب في لبنان يتكلّمون لغتين أو أكثر.

وخلص معدّو الدراسة إلى أنّ  أحد المعايير المهمة التي ذكرها الشباب هي العروض المرئية للمحتويات النصية، ولذا فإنّ استخدام الصور والنصوص البسيطة والمراجع الصوتية يعدّ امرًا بالغ الأهمية.

كما أوصى الباحثون وسائل الإعلام المستقلّة أن تتّبع استراتيجية معينة لخلق توازن بين المواضيع المحلية والأجنبية التي تنشرها، وأن تنغمس في مشاريع لبناء المجتمع بالتزامن مع المنظمات غير الحكومية والجماعات الحقوقية المحلية وقد يسهّل هذا التعاون العلاقات والمفاهيم ووجهات النظر العالمية والتركيز القائم على المواطن لدى تلك المنصات الإعلامية.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة دنيال جوزيف.