المصداقية.. وتأثيرها على الحياة المهنية للصحفي

por زيد الفتلاوي
Oct 30, 2018 em مكافحة التضليل والمعلومات الخاطئة

تعتبر المصداقية في الصحافة من أهم الركائز الأساسية للعمل كصحفي يثق به جمهوره ويستمع إليه ليكون مرجعاً لأي خبر يراد التأكّد منه. هذا لا يأتي من فراغ، بل من عمل نابع من مفهوم الصحفي للصحافة وأساسياتها وطرق السير على الخطوط الصحيحة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور ونشر المحتوى من جهة ومحافظاً على مصداقية نقل الخبر من جهة ثانية.

للأسف، ما نعيشه اليوم من تنافر (عقائدي وسياسي ومناطقي ومذهبي) قد وصل إلى شخصيات صحفية وإعلامية أصبحت أبواقاً لجهاتها على حساب المهنية والحقيقة والمصداقية في الصحافة... التي اعتبروها مثالية لا تنفع في الوقت الحالي. والمشكلة الكبرى أن البعض منهم صار قدوة للمبتدئين في عالم الصحافة والإعلام وهذا عامل خطير يجب التصدي قبل أن تتفشى هذه الظاهرة بين الشباب الصحفيين.

لا تكن جزءاً من القضية بل كن ناقلاً لها

زيادة وتنوع وسائل الاعلام من (إعلام مستقل، إعلام جهوي وإعلام مؤسساتي) إضافةً الى صحافة المواطن وما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر، إنستجرام ، تليكرام، وواتساب وغيرها) أو مدونات بلوجر ووردبريس، يشكل حالة صحية بشكله العام، ولكن في نفس الوقت لقد صنع هوّة أثّرت سلباً على المصداقية وخاصةً في الدول التي تكثر فيها الأحزاب والتكتلات على أسس دينية أو عرقية أو غيرها. تجلّ هذا التنوع من خلال انعكاس إنتماء الصحفي (السياسي والديني والمناطقي) على عمله وما يقدمه من محتوى صحفي سواء كان مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً، مبتعداً عن الميثاق المهني المتعارف عليه وهو (لا تكن في القضية بل كن ناقلاً لها) وترى هكذا أنواع من الصحفيين "يجمّلون السواد ويزيدون البياض قبحاً"، بحسب رغبات الجهات التابعين لها أو بحسب إنتمائتهم السابق ذكرها، وهنا إن لم تختفي المصداقية المطلوبة بالعمل الصحفي لا بل يمكن أن تزول معها رحلة الصحفي مع الرأي العام.

أغلب المؤسسات الإعلامية التي تنتمي إلى جهات سياسية أو دينية أو مناطقية غالباً ما تكون ضعيفة في تحريك الرأي العام أو التأثير عليه بصورة مباشرة لأن الجمهور مؤمن بأن الجهوية تعمل لصالحها ولا يمكن أن تتقاطع مع أيدلوجياتها في البقاء والنفوذ؛ ويستثنى من ذلك جمهور الجهة التي تتحدث بلسانها المؤسسة الإعلامية.

أساسيات لا بد منها لنشر المحتوى الصحفي بصورة صحيحة

1- إعمل لكشف الحقيقة وانقلها للجمهور، وابتعد عن كتابة الخبر بما يناسب انتمائك وتوجهاتك، فعدم كتابته أفضل من كتابته مقتطعاً أو منقوصاً.

2- لا تلفق قصص من وحي خيالك غير موجودة في الواقع إرضاءً لجهتك، توقّع أن تلقى كل قصة خبرية تكتبها اهتمام وبحث.

3- إنتهج التوازن والوضوح في كتابة الخبر من دون تعقيد، ولا تحاول التهرب من ذكر السلبيات التي تقع على عاتق جهتك أيضاً أثناء حادثة معينة.

4- عدم تبني وجهة نظرك بالخبر.

5- إسند الأقوال داخل الخبر لمصادرها واعمل على اختيار مصادر موثوق منها.

6- لا تنشر الاكاذيب عن خصوم جهتك، فهذا يجعلك فاقد للمصداقية لدى الرأي العام وسرعان ما ستصل الأخبار عكس ما نشرتها أنت. إبحث عن السلبيات وانشرها انتصاراً للحقيقة والمهنية فقط.

7- الإعتدال في طرحك للمواضيع بصورة مهنية "يجبر" الجميع على الإنصات أو قراءة المحتوى الصحفي الذي تقدّمه.

8- إبتعد عن التجريح الشخصي والتعرض لعادات وكرامة المجتمعات فالموضوعية والمهنية شيء والتعرض لسمعة الاشخاص أو الفئات المجتمعية شيء آخر.  

الشبكة العنكبوتية.. بين ارتفاع منسوب الحريات وتراجع منسوب المصداقية   

آلاف الصفحات ومئات الوكالات والصحف الإلكترونية ومثلها المدونات، انطلقت في السنوات الأخيرة تحت مسمى الصحافة أو الاعلام  الحديث؛ حتى الجريدة الورقية بدأت تتحول الى صفحات pdf وتنشر على الانترنت. هذا ما فتح المجال للكثير من الصحفيين بالكتابة المستقلة وتأسيس مواقع وصفحات إخبارية على مواقع التواصل الإجتماعي بعيدة عن سيطرة الجهات السياسية أو الدينية أو المناطقية.

على الرغم من الحرية التي منحتها الشبكة العنكبوتية إلاّ أنها ساهمت بخلق أجواء صحفية بعيدة عن المهنية خاصةً مع غياب الرقابة والتنظيم. فشهدنا على إطلاق مواقع إخبارية وصفحات وهمية تعمل على نشر الإشاعات والأكاذيب وأقل ما نستطيع أن نصفها به هو أنها حرب إثبات الوجود للجهات المتعددة على حساب مهنة عمادها الحقيقة والصدق والأمانة، وما يزيد الوضع تعقيداً هي مشاركة الصحفي في هذه المواقع أو الصفحات، كالترويج لها أو العمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة معها.

ليبقى الإعتماد الأول والأخير على من يتخذ من مهنة الصحافة والإعلام وسيلة لنقل الحقيقة مهما تطلب الأمر.


الصورة لزيد الفتلاوي أثناء تغطيته لإحدى التظاهرات في العراق.