في الأعوام الأخيرة، زاد الإهتمام بتقصي الأخبار والتحقق من المعلومات، وتمّ تأسيس مبادرات وإطلاق مشاريع إعلاميّة عدّة لرصد الأخبار باللغة العربية والصور والفيديوهات والتأكد من صحتها، أبرزها ميزان فرانس برس التابع لوكالة الصحافة الفرنسية. حتى أنّ الكثير من الصحفيين باتوا يعيرون اهتمامًا خاصًا للتحقق من الخبر قبل التسرّع بنشره، علمًا أنّه بالتوازي مع تفشي جائحة "كوفيد 19"، ووقوع أحداث مأساوية حول العالم في النصف الأول من عام 2020، زاد استخدام وسائل التواصل الإجتماعي لمتابعة الأحداث الطارئة، ومعه ارتفعت نسبة التضليل ونشر الأخبار الكاذبة.
وبحسب دراسة أجراها المركز الدولي للصحفيين حول استخدام التكنولوجيا في غرف الأخبار العالميّة، تبيّن أنّ استخدام أدوات التحقق على وسائل التواصل الإجتماعي ارتفع بشكل ملحوظ، حيث يستخدم 25% من الصحفيين أدوات التحقق بشكل أسبوعي، بعدما كانت النسبة 11% عام 2017، كما أصبحت ثلث المؤسسات الإخبارية تستعين بمدققين بالحقائق، وتتمثّل أبرز الأدوات الرقمية التي يستخدمها الصحفيون للتحقق من المعلومات بتحليل البيانات، محركات البحث، إنشاء تصورات بيانية، وغيرها.
التضليل.. وأنواعه
من جهته، يوضح الدليل الشامل للتحقق من الأخبار أنّها تنقسم على الشكل التالي:
- الأخبار المزيفة: تبدو هذه الأخبار حقيقية للوهلة الأولى وتحتوي صورًا وعناوين كالأخبار العاديّة، لكن من السهل التعرّف عليها.
- الأخبار المُضللة: يعدّ التعرّف عليها أصعب من الأخبار المزيّفة، لأنّها تحتوي جزءًا حقيقيًا من الخبر، لكنّه مأخوذ من سياق معيّن، وبدون هذا السياق يختلف المعنى.
- الأخبار المتحيّزة: وهي نوع من الأخبار المُضللة التي تسعى لشرح وقائع أو أخبار حقيقية لكن بشكل متحيّز.
- العناوين المثيرة: وهي عناوين مثيرة للدهشة أو الاستغراب، تدفع المتابع للضغط عليها من أجل معرفة معلومات، قد تكون حقيقيةً أو كاذبة.
- السخرية: تحاول بعض المواقع إعطاء الخبر صيغة كوميدية فلا يعلم القارئ، ويقوم بنشر المعلومات ومشاركتها كأنها أخبار حقيقية.
وفي هذا الصدد، تترتّب مسؤولية على الصحفيين للتنبّه إلى التضليل والتوضيح للرأي العام والمتابعين عن وجود تلاعب في فيديو، تعديل في صورة أو نشرها على أنّها جديدة في سياق محدد، لكنّها تكون قديمة، أو خبرًا مضلّلاً ويحتوي معلومات كاذبة. ومن هنا تزيد أهمية البحث عن مصدر الخبر الأساسي، من هي الجهة التي نشرته وفي أي بلد، استخدام لقطات الشاشة للبحث عن مصدر فيديو ويمكن الإستعانة بخدمة خرائط جوجل و Google earth لتحديد المواقع والأماكن التي التقط فيها الفيديو، كما يمكن استخدام عدد من التطبيقات والأدوات لاكتشاف مصادر الصور.
إقرأوا أيضًا: تجارب عربية مهمة لتنقية المحتوى العربي من الشائعات والأخبار المغلوطة
تجربة "ميزان فرانس برس"
وفيما نشأت منصات في العالم العربي للتحقق من الأخبار مثل منصة مسبار، منصة أكيد، موقع فالصو وغيرها، برزت أيضًا خدمة "ميزان فرانس برس" لتقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس باللغة العربية، ضمن مكتب العاصمة اللبنانية بيروت. ويساهم مع الفريق الذي يعمل في التحقق من المعلومات والصور والفيديوهات عدد من المراسلين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يراسلون بدورهم الوكالة العالميّة.
وعن هذه الخدمة الإخبارية، أوضحت جويس حنا من فريق تقصي الأخبار في فرانس برس في حديث لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" أنّ "فريقًا من الصحفيين في مكتب الوكالة الفرنسية في بيروت يعمل على تقصي الأخبار منذ إطلاق المشروع في شباط/فبراير 2019، بعدما كانت الوكالة قد أطلقت مشروعًا مماثلاً في فرنسا عام 2017. وأشارت حنا إلى أنّ الفريق خضع لتدريبات مكثفة حول طرق الإستقصاء والتدقيق بالمعلومات والتحقق من الأخبار.
وأضافت: "نتحقق من الأخبار المضللة التي تنتشر باللغة العربية في جميع أنحاء العالم"، ولفتت الى أنّ الخبرة في العمل الصحفي والمعلومات التي يمتلكها الصحفيون تساعدهم على اكتشاف علامات التضليل في خبر ما أو أن يلفت نظرهم عنصر ما مضخّم في فيديو مثلاً، ما يدفعهم للتحقق من صحته، مثل حجم صاروخ في الفيديو.
الصورة من موقع "ميزان فرانس برس"
ولفتت حنا من الوكالة التي تجري تدريبات للصحفيين المهتمين بتعلم طرق تقصي الحقائق، الى أنّ فريق "ميزان فرانس برس" لا ينشر أي تقرير إلا بعد التأكد من كلّ الجوانب ويتحقق بالمعلومات بنسبة 100%، وشددت على ضرورة البحث عن مصدر أي خبر للتحقق ممّا ورد فيه، وشدّدت على أنّه ينبغي أن ينتبه الصحفيون عند حصول أحداث كبيرة بأنّ معلومات كاذبة ستنتشر مثلما حدث في أعقاب الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت. وعن أبرز المفردات التي يستخدمها المضللون عند نشر خبر كاذب، أوضحت أنّ كلمة "عاجل" باتت تُستخدم بشكل كبير.
وما يساعدهم كفريق هو أنّهم يعملون في وكالة لديها مراسلين على الأرض في العالم، وبحال لم يتأكدوا من خبر ما من خلال الأدوات المتاحة، يمكنهم الإستعانة بالمراسلين المنتشرين جول العالم ليساعدوهم على التحقق، بحسب حنا التي نبّهت من أنّ مروجي الأخبار المضللة يسعون إلى التأثير بمشاعر الناس عبر الدين أو السياسة ويثيرون النعرات وتكون أهدافهم تحقيق المنفعة المالية أحيانًا من خلال حصول الأخبار الكاذبة على مشاركات على السوشيال ميديا.
الصورة من موقع "ميزان فرانس برس"
6 نصائح للإحتماء من فخ التضليل
وفيما يلي يقدّم فريق تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس ستّ نصائح لعدم الوقوع في فخ الأخبار الكاذبة:
أولاً، إن شككتم بصحة منشور لا تشاركوه واحذروا مما يجري تداوله على مواقع التواصل الإجتماعي فالمروجون يحاولون اللعب على المشاعر بهدف التضليل أو التحريض أو مجرد كسب الأرباح المادية، ويرفقون منشوراتهم بتعليقات مثيرة، فلا تقعوا في فخهم عن طريق الضغط على زر المشاركة!
ثانيًا، إن وقع نظركم على معلومة مثيرة للشك لا تترددوا بالنظر إلى تعليقات المستخدمين، ففي بعض الأحيان يكون أحدهم قد تحقّق من صحة الخبر، ونشر في خانة التعليقات رابط الخبر الصحيح أو الأصلي.
ثالثًا، في بعض الأحيان نظرة واحدة تكون كفيلة بدحض المعلومة، فقد يدعي منشور ما عن حدث مضلل يجري في فصل الصيف، بينما يرتدي الأشخاص في الصورة أو الفيديو المرفقة بالخبر المعاطف. إذًا هناك تفاصيل في المنشورات تدفع إلى التشكيك بصحتها.
رابعًا، عند الشك انسخوا النص الوارد في منشور أو جزءًا منه وفتشوا عنه في محركات البحث، وهنا قد تعثرون على نفي أو مصدر رسمي يحمل معلومات مختلفة
خامسًا، غالبًا ما يعمل مروجو الأخبار الكاذبة إلى إلصاق صورة مؤثرة، وهنا لا تترددوا في التقاط صورة من الشاشة والتفتيش عنها في محركات البحث مثل خدمة الصور في جوجل، تيناي، يانديكس، بينج وغيرها.
سادسًا، ينصح فريق فرانس برس الصحفيين والناشطين بالتحقق من المصدر، باعتبار هذه القاعدة الذهبية في تقصي المعلومات، فغالبًا ما يدعي مروجو الأخبار الكاذبة أنّ منشوراتهم مأخوذة من مصدر موثوق، ولكن لكلّ وسيلة إعلامية صفحتها على الإنترنت، راجعوها وتأكدوا من صحة الخبر. كما يجب التنبّه من الأخبار الساخرة التي يتمّ تداولها على أنّها صحيحة على الإنترنت.
ويهتمّ فريق "فرانس برس" بإشراك الجمهور من خلال استقبال رسائل المتابعين الذين يريدون التحقق من مدى صحة خبر ما، وذلك عبرفايسبوك وتويتر أو من خلال البريد الإلكتروني.
إقرأوا أيضًا: منصة "مسبار" للتحقق من الأخبار.. استراتيجيات ونصائح للصحفيين
مصادر مفيدة
وإضافةً إلى ما سبق، يمكن أن يلجأ الصحفيون إلى المصادر التالية للتحقق من صحة المعلومات والمصادر على الإنترنت:
archive: في حال كان الخبر الكاذب أو الفيديو محذوفًا، يمكن الإستعانة بهذا الموقع للعثور على الصفحة الأصلية.
Certificate Search: يساعد هذا الموقع بالبحث عن معلومات حول مالكي المواقع الالكترونية.
Botometer: يصنّف هذا الموقع الذي ابتكرته جامعة إنديانا الحسابات المزيّفة والوهمية على موقع تويتر، ويحدّد تاريخ إنشاء الحسابات. لمعرفة المزيد عن الموقع، إضغط هنا.
موقع FactCheck.org: يمكن للمستخدمين طرح أسئلة في هذا الموقع حول صحة الأخبار السياسية، وبالتالي يقوم الفريق العامل في الموقع بتقصي الحقيقة وشرحها بشكل كامل لهم.
Fake Bananas: وهو نموذج آلي يمكنه التعرف على المعلومات الخاطئة بدقة، بنسبة 82 بالمئة، كما أنّه يتحقق من المصادر ويعرض تلك الموثوقة.
Snopes: منذ عام 1994، يعمل الموقع على تصنيف المقالات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي والصور ومقاطع الفيديو، والبحث عن مدى جديتها، وبدلاً من التصنيفات "الحقيقية أو الخاطئة" الشاملة، يستخدم سنوبز فئات أكثر تحديدًا، بما في ذلك "صحيح"، "خطأ"، "مختلط"، "عفا عليها الزمن"، "يساء توزيعها"، وغير ذلك. يعرض الموقع أيضًا قائمة تظهر مواقع الأخبار المزيفة.
ويمكن للصحفيين الإطلاع على "دليل خاص بالتحقق من صحة المحتوى الرقمي"والذي يورد طرق وأدوات التحقق الرقمية، التعرف على هوية الناشر، طرق التحقق من الأماكن، وأدوات أخرى للتحقق من الصور.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة جون شنوبريش