المسؤولية الاجتماعية بزمن كورونا.. الواقع والمطلوب

Aug 31, 2020 em تغطية كوفيد 19
المسؤولية الاجتماعية بزمن كورونا.. الواقع والمطلوب

يُعد التحلي والالتزام بمبادئ المسؤولية الاجتماعية من أسس العمل الصحفي في مختلف الظروف، إلا أن قيمة ذلك المبدأ تزداد أهمية وتتضاعف في أوقات الأزمات والأوقات غير العادية، كتلك التي يعيشها العالم الآن في ظل تفشّي جائحة كوفيد 19.

وبداية تجدر الإشارة إلى أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية عند السلطة الرابعة ينص في جوهره على أن يعمل الإعلام سواء كان فرداً أو منظمة على خدمة مصلحة المجتمع ككل، عبر تزويده بالأخبار والمعلومات في إطار من الدقة والموضوعية والشفافية، بما يحقق المصلحة العليا للمجتمع.

واستناداً للمفاهيم السابقة وبعد استعراض عام لكيفية تعامل وسائل الإعلام مع جائحة كورونا يمكن تقسيم أنماط المعالجة الإعلامية لثلاثة أساليب تباينت في مدى الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية.

اهتمّ التيار الأول بالمعالجة السطحية في نقل مستجدات أزمة كورونا وأخبار الإصابات والوفيات كحدث عابر من دون تفاصيل، وبلا الاهتمام بتوعية الجمهور ورفع مستوى المعرفة عن الفيروس ومخاطره وأساليب الوقاية منه خاصة في بدايات انتشار الفيروس.

أما النمط الثاني فلعب على وتر الإثارة في بث الأخبار الصفراء وإرهاب الرأي العام بالأخبار المتضاربة سعياً وراء أهداف ذاتية بعيداً عن أبسط أخلاقيات المسؤولية الاجتماعية، لتأتي النتيجة على هيئة ضرب سلامة واستقرار المجتمع وترهيب الناس بالإضافة إلى خلق آثار نفسية عند المتلقي كالاكتئاب.

ومن تداعيات المعالجة السابقة أنها عززت إلى حد ما من "نظرية المؤامرة" عند فئة من المجتمع على اعتبار أن كورونا خدعة ومجرد فقاعات إعلامية، والسبب في ذلك يرجع إلى أن تلك الفئة تلقت أخبارها بالتوازي من مصدر يلتزم بالمسؤولية ويقدم المعلومات على حقيقتها وأخر يفعل العكس، لتكون المحصلة تكذيب هذا وذاك ثم الاقتناع بـ "المؤامرة".

وبين النمط الأول والثاني، ظهر _ولو بشكل محدود_ صنف ركن إلى اللامبالاة والاستخفاف بالجائحة وخطورتها، وجعل من كورونا "مادة كوميدية" تُعرض على شاشته، وكذلك برز صنف آخر ربط بوصلة أخباره بأجندات سياسية أو مصالح اقتصادية دون اعتبار للمسؤولية الاجتماعية.

ولكن النمط الثالث حرص على تقديم تغطية متكاملة تنسجم مع مفهوم المسؤولية في خدمة مصالح المجتمع، فمارس دور التوعية والوقاية وإفراد مساحات واسعة لتقديم النصائح وفتح قنوات تواصل بين المجتمع والطواقم الاستشارية الصحية المتخصصة، سواء في الإعلام المطبوع أو الإلكتروني أو الإذاعي بالإضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي.

وفي ذات الوقت التزمت تلك الوسائل بأخلاقيات المهنة وبإعطاء المجتمع حقه في الحصول على مستجدات كورونا دون تهويل أو تهوين عبر تقارير موثوقة ودقيقة وحقيقية، وبعيداً عن إثارة البلبلة ونشر الذعر في أوساط المجتمع إنما الواقع بأخباره الإيجابية أو السلبية.

على سبيل الذكر، خصصت وسائل اعلام زوايا لتغطية تطورات كورونا بمضامين مختلفة، كـاسأل طبيب العربية وزاوية صحة قناة الحرة وكذلك تغطية مع حكيم في قناة الجزيرة مباشرة، أما فريق فرانس برس فعمل على رصد أبرز الأخبار الكاذبة حول كورونا المستجد.

يُعلق المحرر الصحفي محمد الدلو: "أزمة كورونا خلقت مناخات لا تقل خطورةً وتعقيداً عن حالة الحرب، وجعلت من دور الصحفي حساسًا للغاية في كيفية ترجمة مبادئ المسؤولية الاجتماعية ميدانياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوسط الإعلامي في المنطقة العربية يعاني من ندرة الصحفي المتخصص بالمجالات الطبية أو ذاك الصحفي العلمي".

ويوضح الدلو في حديثه لـ "شبكة الصحفيين الدوليين" أنّه ليس من مهامه التهويل وإثارة الرعب بكورونا تحت ذريعة دفع المواطنين للالتزام بإجراءات الحجر وقرارات الجهات المسؤولة بالدولة، وأيضا ليس من مهامه بث الأمل بمبرر حاجة الجمهور إلى الطمأنينة وسط حالة الخوف التي يعيشونها تحت وطأة كورونا".

المتوقع من الصحفي في زمن كورونا_ والحديث للدلو_ عدم الاكتفاء بنقل البيانات والبلاغات من الزاوية المعالجة الإخبارية فقط أو عرض المعلومات بطريقة سطحية بدون إعطاء أهمية أو إفراغ مساحة للتحليل والثقيف والتنوير.

إن المسؤولية الاجتماعية وخدمة المصلحة العليا للمجتمع تضاعفت أهميتها وحساسيتها في زمن كورونا، فالواقع لا يتطلب فقط تحوّل المعالجات والأخبار المتعلقة بكورونا إلى سلم الأولويات، إنما المطلوب أيضا الاهتمام بنوعية وكيفية تلك المعلومات ورفع جودة أساليب المعالجة وإنتاج مضامين عميقة.

كذلك تندرج حماية الصحفي لنفسه والالتزام بتعليمات الجهات المسؤولة، في إطار المسؤولية الاجتماعية، كعدم السعي للوصول إلى مناطق الحظر أو مقابلة الأشخاص المصابين والامتناع عن نشر أسمائهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في زمن كورونا لا يوجد سبق صحفي فالمسؤولية أكبر، وهو ما تدعمه مارينا ووكر من "مركز بوليتزر" بالقول "ليست مرحلة ملائمة للسبق الصحفي والعمل كالعادة".

الصورة الرئيسية لـأوستين ديستيل من موقع انسبلاش