عرف المغرب خلال الشهرين الأخيرين تساقطات مطرية هائلة أدت إلى فيضانات بمناطق متعددة جنوب المملكة المغربية. حدث لم تعهده الصحافة الوطنية التي حاولت تغطية الوقائع، وتحدّت رداءة الأجواء الجوية، لا سيما بعد قطع عدد من الطرق وسقوط مجموعة من الجسور.
هذه الفيضانات حكمت على قرى بكاملها بالعزلة التامة، ممّا حتّم على الصحفيين استخدام كل التقنيات من أجل التواصل مع سكّانها، ونقل الصورة الكاملة للرأي العام. وفي هذا الإطار، حاولت جريدة هسبريس الإلكترونية، التي تُعتبر أول موقع مغربي من حيث الزيارات، والموقع الذي أعمل أنا لحسابه، تغطية هذه الأحداث بما تيّسر من طرق ووسائل، نحاول تلخيصها في ثلاثة محاور أساسية:
صفحات التواصل الاجتماعي: هناك مجموعة من نشطاء الإنترنت الذين يوثقون مثل هذه الوقائع بصور ومقاطع فيديو ونصوص قد تفيد الصحفي في عمله، لكن توخي الدقة أمر واجب، فهناك فيديو مثلاً انتشر في صفحات مغربية على فيس بوك لفيضان يجرف مواطنين، بينما يعود هذا الفيديو في الحقيقة إلى فيضان في الهند.
وعلى الصحفي أن يحاول ما أمكن بناء علاقات ثقة في الشبكات الاجتماعية مع مواطنين من المناطق المعزولة كي يخبروه بكل جديد، فمثل هذه العلاقات هي التي تجعل الصحفي يحصل على السّبق، مع مراعاة تعدّد المصادر داخل المنطقة نفسها، وذلك من أجل التحقق من الأخبار قبل نشرها، فضلاً عن تأكد الصحفي من أن المواطن المعني يرسل له الأخبار بمفرده وليس إلى جميع الصحفيين، وألا تكون لديه مصلحة معينة، يمكن أن تكون انتقامية مما يدفعه لإرسال أخبار معينة، بشكل يغيّب الدقة في كلامه.
ودائماً في الشبكات الاجتماعية، على الصحفي الاستفادة من الرسائل التي تصل إلى الصفحة الرسمية لجريدته على فيس بوك وتويتر. فقد جرت العادة على إهمال هذا الجانب نظراً لكثرة الرسائل التي لا تفيد الجريدة، غير أنه في وقت الفيضانات، يعكف المواطنون على التواصل مع الجريدة انطلاقاً من هذا الركن، وغالباً ما يرسلون مقاطع فيديو مميزة أو صورًا توثيقية قادرة على مساعدة الصحفي في إنتاج أخبار مميزة.
الاتصالات الهاتفية: في مناطق تغلب عليها الأمية ويقل فيها استخدام الإنترنت كوسيلة تواصل، يبقى الهاتف الوسيلة الأمثل لمعرفة آخر الأخبار، فمجموعة من الأخبار التي نشرتها هذه الجريدة الإلكترونية عن الفيضانات كانت عبر هذه الوسيلة، إلا أن استخدام الهاتف يجب أن يراعي مجموعة من النقاط.
من هذه النقاط وضع الرقم الهاتفي للجريدة واضحاً سواء على الموقع أو لدى المصالح المختصة بتقديم دلائل الهاتف أو على ظهر بطاقات الصحفيين، وذلك من أجل نشره على أبعد مدى. فقد يكون بعض المواطنين محاصرين بسبب الفيضانات ولا يملكون سوى الهاتف للتواصل مع الجريدة.
ومن هذه النقاط كذلك، التأكد من هوية المتصل كطلب رقم بطاقة التعريف الوطنية والاحتفاظ به كدليل على إجراء المكالمة، والاتصال بمصدر آخر من المنطقة لغرض التأكد ولو بشكل تقريبي ممّا قاله المتصل، إضافةً إلى البحث في شبكة الانترنت عن أخبار مشابهة، نشرتها المواقع المحلية الخاصة بالمنطقة التي اتصل منها الشخص المعني.
زيارة المناطق المتضرّرة: هناك حكمة صحفية يرّددها الصحفيون على الدوام وهي "من رأى ليس كمن سمع"، بمعنى أنه من ينتقل إلى مكان الحدث، تتوفر له معطيات أقوى من ذلك الذي يتواصل فقط عن طريق الهاتف أو الإنترنت. لذلك تظهر أنواع الكتابة الصحفية الميدانية (التحقيق، والاستطلاع، والتقرير..) التي تكون أقوى في وصف الحدث من الأجناس أو الأنواع الصحفية "المكتبية" (المختصر، والمقال التركيبي..). فالعمل الميداني يوفّر على الصحفي القدرة على التقاط جزئيات وتفاصيل مهمة يتميز بها عن غيره.
غير أن الانتقال إلى المناطق المتضررة في وقت الفيضانات ينطوي على مخاطرة كبيرة، لذلك على الصحفي أن ينسّق ما أمكن مع مرشد من المنطقة قبل زيارته وأثنائها، وأن يدرس بشكل مستفيض خريطة المنطقة كي ينأى عن الأماكن الخطرة. كما عليه أن يحمل معه الغذاء والشراب كي لا يقع ضحية الجوع والعطش. فضلاً عن حمله لأكثر من بطارية كاميرا ما دام الكهرباء يكون مقطوعاً في هذه المناطق، أو أن يستخدم كاميرات تعمل ببطاريات لا تحتاج إلى شحن بالكهرباء.
وانطلاقاً من تجربتنا في الموقع في زيارة جبال الأطلس الكبير بالمغرب بعد الفيضانات الأخيرة، على الصحفي أن يحمل معه بعض الأدوية البسيطة التي تعالج الجروح وحالات الإغماء، كما أن العراقيل التي تضعها السلطات على عمل الصحفي بهذه المناطق، تلزمه بأن يلتزم السرية قبل السفر، بأن لا يعلن في حساباته على الشبكات الاجتماعية بأنه سيزور المنطقة كذا، وبأن يتفادى إثارة الانتباه إليه أثناء عمله.
الصورة الأساسية من تصوير اسماعيل.