كيف تتحقق من المواد التي نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي؟

Oct 30, 2018 em صحافة الموبايل

تناقلت العديد من المؤسسات الصحفية المصرية في أواخر العام الماضي خبراً خاطئاً، مفاده أن سيدة تركية هتفت لمصر ورئيسها الحالي أثناء القبض عليها في المظاهرات المناهضة لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه تنظيم الدولة الإسلامية. حيث نشر موقع "اليوم السابع" مقطع الفيديو، وبُث كذلك من خلال برنامج العاشرة مساءً الذي زعم مقدمه أن مقطع الفيديو يعد برهاناً على نجاح المشهد السياسي في مصر.

ومن خلال البحث عن تاريخ نشر مقطع الفيديو على موقع "يوتيوب" تبيّن أنه يعود للإحتجاجات التي شهدتها تركيا في عام 2009، وأن الفتاة التى سُحلت في المظاهرات، كانت تردد هتاف تركي لا علاقة له بالأحداث السياسية في مصر، وبالرغم من ذلك تناقلت المواقع المصرية نقلاً عن بعضها مقطع الفيديو ككرة الثلج المتدحرجة دون البحث عن مصدره أو حقيقته هو ما أوقع بهم في مصيدة الشائعات ليقوموا بترويجها دون التحقّق والتأكّد من دقتها ومصداقيتها.

هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن عرضها، والتى تأتي نتيجة للتسرع في النشر وعدم توخي الدقة على الرغم من أن أدبيات الصحافة تشمل العديد من المقولات الشهيرة التي توصي الصحافيين بضرورة توخي الحذر وتفادي عدم الدقة بكل السبل، منها على سبيل المثال  "عند الشك عليك بالبحث للتأكد". وفي أوائل عام 2014 أصدر مركز الصحافة الأوروبية دليل التأكيد من الأخبار والذي تضمن الكثير من الدروس والحالات العملية، إليكم منها هذه الخطوات التي تساعد الصحفي للوصول إلى الحقائق وتقلل من تكرار نشر الشائعات.

تحقّق أولاً

تساعد عملية البحث الأولية في جمع معلومات تتعلق بتاريخ وموقع حدوث الواقعة ومعرفة الجهة الأولى التي قامت بنشرها. فإذا كانت المادة المتداولة تصريحاً لأحد السياسين أو المشاهير فالأفضل البحث في حسابه الرسمي للتأكد، خاصةً أنه مؤخراً باتت تتداول أقوال محرّفة لشخصيات عامة وتتناقلها الصحف دون تأكد. أمّا إذا كان المحتوى عبارة عن مقطع فيديو، ففي هذه الحالة هناك خطوات معروفة للكشف عن صحته قبل النشر وتبدأ بأخذ صورة ثابتة من مقطع الفيديو ومن ثم تحميلها على موقع جوجل للصور، لتكشف لك نتائج البحث عن بعض الحقائق وعن إذا كان المقطع تم فبركته أو لا. أما للتحقق من الصور فقد يكشف محرك البحث عن الصور تين إي"، كافة المعلومات من أين جاءت الصورة، لمن هي وكيف تم تداولها على مواقع الانترنت.

التأكد للمرة الثانية

إن ما يميز الصحفي المحترف عن غيره هو قدرته على التدقيق في المعلومات للوصول للحقائق، وتعد القاعدة الرئيسية للتحقق هو البحث عن مصدر آخر للتأكد. فإذا وردت إليك معلومات من جهة ما تفيد بحدوث قتل جماعي بأحد المدن السورية أو نزوح سكان أحد القرى العراقية على يد أفراد من تنظيم الدولة الإسلامية، فلا تسارع بنشر هذه المعلومات، قبل تمحيصها والتأكد من تناقلها بشكل مؤكد بين وكالات الأنباء الموثوق بها، وإذا تبيّن أن في الخبر شائبة، عليك الإمتناع عن نشره. هذه هي المسؤولية في بث الاخبار المتصلة بشكلٍ وثيق في كثيرٍ من الأحيان بحياة مئات الاشخاص.

استعن بالمصادر

لا تفترض أبداً صدق الصور ومقاطع الفيديو المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعية، وحاول الاتصال بطريقة مباشرة بمصدر المادة المنشورة للحصول على معلومات أكثر، أو استعن ببعض الشخصيات ذات الصلة بالحدث، فقد يقوموا بنفي المادة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما قد يقودك لسبق صحفي ويجذب اهتمام القارئ لما ستنشره وما لديك من تفاصيل ومعلومات مؤكدة تنفي ما هو متداول. وهذا ما حدث بالفعل في القصة الصحفية التي نُشرت على موقع ياهو مكتوب، حيث قام المحرر الصحفي بالاستعانة ببعض المصادر بتركيا للتأكد من واقعة السحل وهتاف المتظاهرة وهو ما قاده لسبق صحفي جديد جعل قصته الصحفية هي الأكثر قراءةً على موقع ياهو لمدة أسبوع كامل.

الحل الأفضل

اذا استحال التأكد من مصدر المحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي أو العثور على معلومات حول دقته، فمن الأفضل نسبها لمصدر وعدم تبنيها، ونشرها بصياغة أنها مادة متداولة على شبكات التواصل الاجتماعي وقد نالت نسب مرتفعة من المشاهدات وليس كمادة خبرية مؤكدة، مع ضرورة الإشارة الى محاولات التحقق منها والنتائج والمعلومات التي توصل إليها الصحفي، مع إضافة ردود الأفعال المتداولة حولها كالتعليقات والتغريدات المصاحبة لها. وتتبع الـ BBC  هذا الأسلوب في نشر قصة صحفية يومية بخدمة "بي بي سي ترند" تجمع كل ما هو متداول بكثرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا مثال على طريقة صياغة هذا النوع من الأخبار.

وأخيراً تذكر .. الأخطاء مكلفة

ليست المصداقية وثقة الجمهور هي كل ما يخسره الصحافي نتيجة عدم الدقة؛ فثمة خسائر أخرى مكلفة أيضاً. فعندما يتسبب الخطأ في الإساءة لشخص أو أشخاص أو مؤسسات أو حتى دول، من غير المستبعد أن يلجأ المتضررون إلى القضاء لطلب التعويض. وعادةً لا تتسامح المحاكم مع مرتكبي الأخطاء، فلن تقتنع هيئة المحكمة بأن السبب في الخطأ هو نقص خبرة الصحافيين، أو ازدحام الأجندة الخبرية في يوم بث الخبر أو أي أعذار أخرى قد تكون منطقية إلاّ أنها خارج نطاق الإجراءات القضائية.

عمرو العراقي صحفي متخصص في صحافة البيانات ومؤسس موقع إنفوتايمز.


الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية.