ألهمت مدونة "humans of New York" الكثير من المصوّرين عبر العالم، إذ تحوّلت صورها وقصصها الإنسانية التي تلتقط تفاصيل يومية من حيوات الأشخاص إلى تقليد يحاول أبناء الكثير من البلدان العربية السير به، فراحوا يتنقلون بين المدن والقرى، يبحثون عن وجوه تختزل تنوّع الحياة وصعوبتها، كي يقدموا للقارئ صورًا وتجارب حية لـ"بروفايلات" إنسانية تختزل غالبية فئات المجتمع.
تناسلت الكثير من الصفحات على فيس بوك هذه التجربة وكان من ضمنها بعض الدول العربية من بينها صفحة ناس المغرب، وناس لبنان وناس عمان وناس القاهرة وناس الشرق الأوسط والكثير من الأمثلة.
فهل يمكن للصحفيين الإعتماد على مثل هذه التجارب الحية والصور المنوعة في بناء تقارير أو تحقيقات إجتماعية تمتد في بعدها الإنساني إلى ما أبعد من الخبر الصحفي.
ناس الشرق الأوسط
تحدثنا مع أحد المشرفين على صفحة ناس الشرق الأوسط، وهو خالد زيدان الذي شرح لنا عن تجربته قائلاً، نتحدث يومياً إلى الكثير من الناس الذي يعيشون بيننا، ومنهم من ينتمي إلى جنسيات أجنبية كالهند والفلبين والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها. "يتيح لنا هذا الواقع بالنظر إلى الأمور من زوايا مختلفة، فترى الواقع من عيون مواطنين أجانب، فمنهم من هو مرتاح ومتأقلم بعيشه معنا وهناك من يحسّ بالعكس."
هذا الاختلاف في نظرة الأجانب إلى المكان الذي يعيشون فيه، والذي يشكّل في الغالب وطن الصحفي أو الباحث، يتيح لهذا الأخير إيجاد أفكار لمواد صحفية يتناول من خلالها سهولة أو صعوبة اندماج الأجانب في وطنه، وما يرافق ذلك من مشاكل قد تصل أحياناً إلى الإحساس بالعنصرية أو الغربة الدائمة أو الاختلاف الكبير في العادات والتقاليد.
ويضيف زيدان أن تواصل الصفحة مع جميع الأشخاص على اختلاف أنواع الأعمال التي يمتهونها من سائقي الأجرة وصولاً إلى الأطباء، يساعد الصحفي على تحليل بيئة المجتمع وعلى معرفة مشاكل المهنيين وعلى اكتشاف بعض الأفكار التي تصلح لتقارير موسّعة عن الأجور أو اختلافها بين القطاعين العام والخاص ومعاناة أصحابها في إيجاد العيش الكريم.
ناس القاهرة
وشأنها شأن ناس الشرق الأوسط، ترّحب صفحة ناس القاهرة بمختلف الصحفيين الراغبين بالإستفادة من قصصها، بل إن المشرفين عليها يطلبون من الصحفيين الراغبين في ذلك بأن يرافقوا مصوّري الصفحة في تجوالهم ورحلاتهم اليومية بحثاً عن قصص تصلح للنشر. إن احتضان القاهرة لحوالي 23 مليون شخص، يتيح تنوّعاً كبيراً في القصص، خاصةً مع الكم الهائل الذي يحمله هذا الرقم من تناقضات في سبل العيش، ممّا يعزّز من فكرة تقبل الإختلاف، ويعزز دور الصحافة في تقريب وجهات النظر والتأكيد على التنوع وهو ما يبقى الهدف الأساسي من إنشاء الصفحة.
من جانبٍ آخر، يمكن للصحفي الإستفادة من خبرة المشرفين على الصفحة في إقناع الناس بأن يكونوا موضوع الصورة بهدف النشر للعموم. ففي الكثير من الأحيان يجد الصحفي صعوبة في إقناع المواطن البسيط بالتقاط صورة له، والقدرة على الإقناع ليست سهلة وتأتي عن طريق التعوّد والتمرّس، إلى درجة يصير معها توقيف الناس في الشارع والتقاط صور لهم بموافقتهم، أمراً يومياً روتينياً.
ناس المغرب
أمّا في المغرب، يظهر أن أكبر استفادة يمكن أن تعود على الصحفي في تعامله مع صفحة ناس المغرب، هي نشره لصورها التي تلتقط تفاصيل الحياة في أماكن من الصعب عليه أن يصل إليها، بما أنها توجد في مناطق نائية وتحتاج صبراً طويلاً بسبب صعوبة التنقل. يتيح المشرفون على الصفحة من ضمنهم مراد دكالي، إمكانية نقل صورها إلى الجرائد والاستعانة بها في قصص إنسانية فريدة، شريطة ذكر مصدر الصور، بل إن أحد المشرفين يؤكد إمكانية أن يساهموا في ربط الصحفيين بالأشخاص الحاضرين في القصص لأجل إيجاد تفاصيل أكثر.
كما يقدّم دكالي بعض النصائح للصحفيين لأجل إقناع الناس بالتقاط صور لهم، أوّلها الابتسام واللقاء بهم بوجوه بشوشة، واختيار أوقات الحديث إليهم بعناية "فلا يمكن أن نتحدث مع شخص وهو يهم بالصعود إلى القطار ولكن يمكن أن نبدأ كلامنا في انتظار القطار. كما يمكننا التوجه للحديث مع الأشخاص العاملين في السلك العام كرجال الأمن مثلاً بعيداً عن أوقات الإزدحام أو ضغط العمل حيث راحتهم الجسدية هي مفتاح لراحتهم النفسية للحديث معنا.
يضيق دكالي، أن من حسنات الحديث مع المواطنين الذين يسكنون في البوادي البعيدة هو كرمهم وحفاوتهم باستقبال أي ضيف آتٍ من بعيد وهذا بالفعل يمنحك الفرصة لمعرفة قصصهم وتصويرهم بشكلٍ عفوي. من المفضّل أن يبتعد الصحفي عن الأسئلة التقليدية أو الاستطرادات بل يكتفي بالدردشة البسيطة وتسجيل أهم الإقتباسات وبالطبع أن يأخذ الإذن بنشر أي محتوى من صاحب العلاقة.
الصورة الرئيسية من صفحة ناس المغرب، أمّا الصورة الثانية فهي من صفحة ناس القاهرة على فيس بوك.