قانون الجرائم الإلكترونية.. الصحافة هي الضحية الأبرز

Apr 2, 2021 em موضوعات متخصصة
صورة

في 24 يونيو/حزيران 2017، صدر في الأراضي الفلسطينية قرار بقانون الجرائـم الإلكـــترونية، الذي تكمن أهميته وفقًا للحكومة في سد الفراغ القانوني الهائل المتعلق بالجرائم الإلكترونية، لا سيما أنها تزداد ازديادًا ملحوظًا، وأنه يهدف إلى معاقبة من يسيئون استخدام تقنيات المعلومات.

ردود فعل متباينة سيطرت على المشهد عقب صدور القانون، فمنظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوقية محلية ودولية رأت فيه مسًّا بالحريات الصحفية ومصدرًا لتكميم الأفواه، خلافًا لنصوص القانون المحلي التي ضمنت حرية التعبير.

بالمقابل مثّل القانون لدى جهات أخرى حلًّا منطقيًّا لمن يسيء استخدام التكنولوجيا ومنصات التواصل ويلبي حاجة مجتمعية، ووسط تلك الآراء كان من الواضح وجود شبه إجماع على أن القانون الجديد، حتى بعد إجراء تعديلات عليه في نيسان/إبريل 2018، يستهدف في ثناياه حرية الصحافة.

"بات يشكل أساسًا لارتكاب المزيد من الانتهاكات المتصلة بحرية الإعلام"، كان هذا ملخص موقف المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى" عن القرار بقانون، وكذلك لجنة دعم الصحفيين الفلسطينيين، التي عبرت بالقول "ساعد أجهزة الأمن في قمع الحريات الصحفية".

وتعقيبا على ذلك، يقول الصحفي محمد القوقا: "إن القانون على أهميته في تنظيم المعاملات في الفضاء الإلكتروني ومكافحة الشائعات بما يحفظ مصالح المجتمع، إلا أنه عليه ملاحظات جوهرية تمس بحرية الصحافة أفرادا ومؤسسات، الأمر الذي يخالف النصوص والمواثيق الدولية التي شددت على أهمية احترام حق حرية التعبير، التي انضمت لها فلسطين مسبقا".

                                   إقرأوا أيضًا: مع ركود دور نقابتهم.. كيف يمكن للصحفيين أن يساهموا بتعزيز آدائها؟

والقانون الجديد الذي يتكون من 61 بندًا، مخترق للخصوصية، ومتجاوز للشفافية، ولا يصون حق التعبير، والحديث للقوقا، الذي يضيف لـ "شبكة الصحفيين الدوليين" "تضمن القرار بقانون مصطلحات عامة لا تفسير محدد لها، فهي فضفاضة ويمكن تفصيلها على مقاس الحدث والشخص".

وجاء في المواد ١٦ و٢٠ و٥١، أنه يحق للدولة معاقبة الفرد بالغرامة أو الحبس على وقع تُهم عامة قد توجَّه لهم مثل: "تهديد الأمن القومي والنظام العام، المساس بالآداب العامة، الإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي..."، من دون توضيح لما تعنيه.

وفي تلك الحالة يفترض أن تكون مبينة واضحة دون لبس أو تأويل خارج السياق، فلا يبقى حينها للجهات الأمنية أو القضائية إلا التحقق من وقوع الجناية، وذلك تماشيًا مع الأصل القانوني بأنه "لا جرم ولا عقوبة إلا بنص قانوني".

ويعلق القوقا: "هذه الحالة الضبابية أثارت المخاوف منذ اللحظات الأولى لصدور القانون، أنه سيستخدم بناء على المصالح السياسية، وسيستهدف ملاحقة المعارضين (...) ولقد تحولت تلك المخاوف بعد 3 سنوات إلى وقائع كان ضحيتها الأبرز، الصحافة وحرية الإعلام".

ووفقا لورقة حقائق معنونة بـ"القيود المفروضة على حرية التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي" نشرت في تموز/يوليو 2020 المنصرم، فإن معدل انتهاك حرية الرأي والتعبير ارتفع بعد تعديل قانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936 في قطاع غزة، ثم قرار بقانون الجرائم الإلكترونية بالضفة الغربية.

الانتهاكات تنوعت بين اعتقال نشطاء من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، وتهديد بعضهم أو منعهم من السفر، إضافة إلى توجيه تهم مختلفة لهم، من بينها "إساءة استخدام التكنولوجيا" و"الإخلال بالأمن العام".

وذكرت الورقة التي نشرها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية– مسارات، أن منظمات حقوقية فلسطينية رصدت ارتكاب أجهزة إنفاذ القانون في الضفة والقطاع، 193 انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير عبر شبكات التواصل، خلال المدة (2016-2019)، في حين سجلت لجنة دعم الصحفيين الفلسطينية 127 انتهاكًا محليًّا ضد الصحفيين خلال 2020م.

59 موقعًا إلكترونيًا، من بينها مواقع إخبارية واجتماعية وسياسية وصفحات "فيسبوك"، كانت الضحية الأكبر لقانون الجرائم الإلكترونية، بعدما قررت محكمة صلح رام الله في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2019، حجب تلك المواقع ومنع الدخول لها، بذريعة إقدام هذه المواقع على نشر صور ومقالات ووضع عبارات "تهدد الأمن القومي والسلم الأهلي، وإثارة الرأي العام الفلسطيني".

وبعد قرابة 17 شهرًا على صدور قرار الحظر، الذي وصفته حينها نقابة الصحفيين بـأنه "يوم أسود في تاريخ الصحافة الفلسطينية"، صدر حديثًا مرسوم رئاسي بشأن تعزيز الحريات العامة، يتساءل الصحفيون الفلسطينيون: هل يحمي المرسوم الجديد حقهم بحرية الرأي والتعبير، أم سطوة قانون الجرائم الإلكترونية أقوى، خاصة في ظل محدودية دور نقابة الصحفيين بتوفير الحماية للصحفي الفلسطيني؟

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Bermix Studio