لماذا نحتاج إلى صحافة الحلول في الشرق الأوسط؟

13 mars 2021 dans موضوعات متخصصة
صورة

كتبت دينا أبوغزالة وهي مشاركة في الدورة السابعة من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لشبكة الصحفيين الدوليين:

في شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019 سافرت إلى ولاية يوتا الأمريكية لحضور مؤتمر صحافة الحلول السنوي، الذي تنظمه شبكة صحافة الحلول. وفي أول يوم لي هناك تشاركت طاولة العشاء مع صحفية أمريكية مخضرمة، وبعدما استمعت إلى حديثي حول تأسيس منصة إيجاب، التي كانت لا تزال مجرد فكرة، بادرتني بالسؤال عما إذا كان المناخ العام في المنطقة آمنا لمثل هذه الفكرة.

وبحماستي المعهودة، أجبت بسرعة البرق: "بالطبع! لم لا! سنسلط الضوء على القصص الإيجابية لنظهر أن شعوب هذه المنطقة هي أيضا فاعلة، وليست سلبية تعيش حالة انتظار لأن تحدث الأمور حولها – أي إظهارها بخلاف الطريقة المعتادة للتغطية الإعلامية للأخبار القادمة من منطقتنا".

هنا قاطعتني لتحكي لي كيف تحمّس وفد صيني رسمي التقت به في وقت سابق عندما علم عن فكرة صحافة الحلول، وكيف عبر عن امتنانه لتطوير هذا النوع من الصحافة الذي قد يغير التغطية النمطية للصين في الإعلام الغربي. كان هدفها أن تنبهني إلى أنه من المهم ألا تُستغل صحافة الحلول لتبييض وجه أنظمة غير ديمقراطية.

ثم غادرت الطاولة لتتحدث مع مجموعة أخرى من الحضور.                            

لم تفارقني ملاحظتها طوال تلك الليلة.

"هل من المعقول أن هذا النوع الجديد من الصحافة سيقتصرعلى الشعوب المتقدمة فقط؟ هل هناك لعنة تلاحق منطقتنا لحرمانها من أي شيء إيجابي؟" - بقيت أسأل نفسي.

ظلت هذه الملاحظة تشغلني لمعرفتي بأنها ستدور في أذهان كثيرين، وذلك على الرغم من وضع قواعد لصحافة الحلول لضمان تحليها بالموضوعية وبالمصداقية، مثل التأكد من أن الحل المتناول قد طبّق فعلا وليس مجرد فكرة، إلى جانب وجود دليل على درجة نجاحه (أو عدمه) وأهمية شرح كيفية تطبيق هذا الحل وعرض أي قيود أو تحديات قد ترافق تطبيقه.

كل هذا دفعني لتذكير نفسي بالأسباب التي شجعتني لدخول عالم صحافة الحلول.

كنت قد سمعت عن صحافة الحلول لأول مرة خلال جلسة في مبنى بي بي سي في لندن عام 2016 - حيث كنت أعمل آنذاك - وتحمست وقتها كثيرا لأنني كنت أرى بأم عيني كيف توقف كثير من الناس حولي عن متابعة الأخبار "لأنها تصيبهم بالاكتئاب" وهذا ما أكدته دراسات أجرتها عدة مؤسسات مثل معهد رويترز لدراسة الصحافة.

وتزايد اقتناعي بصحافة الحلول عندما اطلعت على بعص المؤشرات الأولية لتفاعل الناس مع هذه النوع من الصحافة.

بالطبع ليس الهدف هو نفي الأحداث السلبية عن منطقتنا، وإنما عندما تكاد تكون الأخبار السلبية فقط هي التي تحظى بالاهتمام الإعلامي، فإنها ترسخ صورة ذهنية نمطية سلبية عن هذه المنطقة وشعوبها.

هذه الصورة النمطية هي التي تضعني في مواقف غريبة كلما سافرت – وآخر تلك المواقف كان خلال مؤتمر صحافة الحلول. فغالبا ما أسأل عما إذا كان بإمكاني ارتداء بعض الملابس في مصر، وكثيرا ما أفهم معنى تلك النظرة لدى البعض عند معرفة عمري وعمر أولادي: "يا حرام فرضوا عليها الزواج مبكرا" – لأسارع بالتوضيح أني وجدت حب حياتي مبكرا.

كما أن هذه الصورة النمطية هي التي تجعل عددا كبيرا من الشباب العربي يرى أن الهجرة للغرب هي الحل.

وهذه الصورة النمطية هي التي تسهل انتشار مقولة أن "الغرب يكرهنا" وأن الإعلام الغربي ما هو إلا "أداة لتنفيذ أجندات أجنبية"، ولذا فإن الوطنية تقتضي عدم تصديق هذه التقارير، والدفاع عن مجتمعاتنا ضد قوى الشر التي تريد لنا الخراب سواء على المستوى السياسي (عن طريق زعزعة ثقتنا بحكوماتنا) أو المستوى الاجتماعي (من خلال نشر قيم غريبة عننا وعن ديننا) وغير ذلك.

ولكن تخيلوا معي لو كانت التغطية الإعلامية لأخبار منطقتنا تشمل الأنواع المختلفة للصحافة إلى جانب صحافة الحلول. أعتقد أنه ستكون هناك فرصة لعرض صحافة جادة دون إصابة الناس بالاكتئاب أو دفعهم لليأس من الحياة بمجتمعاتهم - وهذا فعلا ما لمسته عندما تفاعل الناس مع قصص صحافة الحلول التي كتبتها (مثل هذه وهذه) وهذا ما تم أيضا توثيقه من تجارب غرف أخبار مختلفة.

كما ستفشل حجة بعض الأشخاص في السلطة ممن يعتبرون الصحافة صناعة شريرة؛ فعندما يرى الجمهور أن نفس المنصة الإعلامية التي تغطي الكوارث وتنشر تحقيقات تكشف انتهاكات وفساد، هي نفسها التي لا تتأخر عن عرض تقارير عن المبادرات والحلول المبتكرة للمشكلات، يصعب حينها إقناعه أن كل ما يريده الصحفيون هو الخراب.

أعتقد أن صحافة الحلول ستعزز حيادية وموضوعية الصحفي، وستعزز دور الإعلام في مجال التوعية.

كما أن صحافة الحلول تعزز المساءلة؛ فكم من مرة تحجج مسؤول بعدم وجود حل، أو بصعوبة تطبيق حل لمشكلة ما. أليست أفضل وسيلة لمساءلة هؤلاء المسؤولين هي تسليط الضوء على حلول أوجدتها مجتمعات أخرى لمشكلات مشابهة وعرضها بطريقة سلسة على الجمهور؟

صحافة الحلول هي نوع من الصحافة الاستقصائية ولكنها بدلا من استقصاء المشكلة، تستقصي الحل. الهدف من صحافة الحلول ليس القول إن كل شيء على ما يرام، بل على العكس؛ فالمشكلة هي جوهر صحافة الحلول. فإن لم يكن هناك مشكلة، لن يكون هناك حل يكتب عنه الصحفي. لكن الفرق هو أن صحافة الحلول لا تكتفي بعرض المشكلة فقط، بل تتناول الحل الذي ابتكر لمواجهة هذه المشكلة، وتكشف مدى نجاحه.

بعد أن توصلت لهذه النتيجة، استطعت النوم أخيرا، وتوجهت خلال إفطار اليوم التالي لذات الصحفية لمشاركتها رأيي عن سبب حاجتنا الماسة لهذا النوع من الصحافة التي خصصت له مؤسسات إعلامية كبيرة مثل بي بي سي والجاارديان ونيويورك تايمز مساحات وبرامج خاصة.

بعد الإنصات لي جيدا، قالت لي إنها أعجبت بمنطقي وإنها ستفكر فيما قلته لها مليا، كما نصحتني بكتابة رأيي هذا في مقال - وها أنا أتبع نصيحتها بعد أكثر من عام!

*دينا أبوغزالة صحفية مصرية عملت لمدة 14 عاما بهيئة الإذاعة البريطانية قبل تركها لإنشاء "إيجاب" في أغسطس 2020. يمكنكم متابعة إيجاب وهي إحدى الشركات الإعلامية الناشئة المشاركة بمركز التوجيه التابع لشبكة الصحفيين الدوليين لعام 2020 على فيسبوك وتويتر وانستجرام.

كل عام منذ 2017 يلتقي صحفيون من مختلف أنحاء العالم في منتجع ساندانس بأمريكا لمناقشة سبل تطوير صحافة الحلول. الصورة من مؤتمر عام 2019.