صحافة السويش في السويد: ماذا تعني ومن هو صحفي السويش؟

17 déc 2020 dans موضوعات متخصصة
صورة

يجري نقاش كبير في السويد حول طرق تمويل جديدة في الصحافة تسمى بـ "swish media" أو "صحافة السويش"، ويطلق على الصحفيين المستفيدين اسم " swishjournalistik "أي صحفي السويش. والتي تعني ببساطة أن الصحفي أو الكاتب أو الوسيلة الإعلامية يمكنها الحصول على تمويل مباشر من قبل القارئ للمواد الصحفية، عبر تطبيق تحويل الأموال من خلال الهاتف (Swish). كذلك تم تضمين كلمة swish journalist في قائمة الكلمات الجديدة لمجلس اللغات. هذه الطريقة أصبحت تمول عددًا لا بأس به من المطبوعات والصحفيين وقادة الرأي السويديين.

ويتوجه المزيد من الصحفيين في السويد إلى متابعيهم وجمهورهم. ويطالبونهم برعاية أعمالهم من خلال التبرعات عبر السويش، وفي الغالب تصل تبرعات صغيرة، لكنها كثيرة إلى الحد الذي دفع ببعض الصحفيين والكتاب إلى تقديم إستقالات أو الحصول على إجازة غير مدفوعة والتفرغ لإنجاز مشاريع صحفية، لا يمكن لوسيلة الإعلام التي يعملون بها من تغطية تكاليفها.

من بين هؤلاء المحلل الإعلامي بريت ستاكستون الذي بدأ مع الصحفي مارتن شيببي (معتقل سابق في سجون إثيوبيا) مشروع مبادرة إعداد التقارير الرقمية بلانك سبوت، وهو موقع إلكتروني ممول بالكامل من تبرعات السويش، يراقب ويكتب عن أكثر الزوايا المنسية في العالم. هناك أيضًا الصحفي المستقل جوي أولسون الذي يعمل من الصين، والصحفي الإذاعي السويدي السابق يورغن فولدت رئيس تحرير Kvartal، وهي مجلة على الإنترنت تركز على القضايا العامة بدأت في عام 2016، وتعتمد بالكامل على تبرعات القراء، وتتميز بمقالات تحليلية معمقة من خبراء ومنظرين معروفين. بالإضافة إلى الصحفية والمناظرة الاجتماعية الناقدة للهجرة كاترينا جانوش المحسوبة على اليمين السويدي.

وربما يكون أشهرهم اليوم أيضاً الصحفي المستقل يواكيم لاموت الذي يشغل حيزًا مهمًا من النقاش عندما يتعلق الأمر بهذا النوع الجديد من الصحافة الممولة. يواكيم ترك العمل في أشهر برنامج استقصائي في التلفزيون السويدي، ويقوم بإنجاز تغطيات صحفية حول قضايا حساسة للكثيرين، ويسلط الضوء على الأشياء التي لا تريد الصحافة التقليدية تناولها، على سبيل المثال قضايا المهاجرين في الضواحي، وقضايا تجارة المخدرات والحروب بين العصابات، ولديه صفحة على فايسبوك بالإضافة إلى موقع إلكتروني وجمهور كبير يُقدم له التمويل اللازم، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس شركة فردية حتى يتمكن من استقبال التبرعات التي وصلت في عام 2019 فقط إلى حوالي ثلاث ملايين كرون سويدي أي ما يعادل تقريباً 300 ألف دولار أمريكي.

لكن لماذا أصبح الأمر كذلك؟ هل هذه طريقة جيدة لتمويل الصحافة وتكوين الرأي؟ وإلى أي مدى يُسمح للممولين بالتحكم في المحتوى وكيف يساهم التمويل الجماعي في تعزيز مصداقية الصحافة؟ هل سيشكل هذا الشكل الجديد من التمويل مستقبل الصحافة المستقلة في السويد؟ هل تُشكل طرق التمويل هذه ولو جزئيًا تحديًا لغرفة الأخبار التقليدية؟

من هو الأكثر استقلالية؟ أولئك الذين يتلقون مساهمات القراء الطوعية، بحيث تكون المواد الصحفية مجانية ومتاحة للجميع، أو أولئك الذين يطلبون منك الإشتراك الشهري لقراءة المواد الصحفية أو مشاهدة التغطيات الحصرية، ويعيشون على أموال الضرائب المقدمة على  شكل مساعدة إعلامية من قبل الحكومة؟

في البداية قد أحتاج إلى توضيح ما هو واضح: لقد تم تمويل الصحافة دائمًا من قبل قراء الصحف الورقية والإعلانات وأحيانًا الرعاة. لكن الآن أصبح تمويل الإعلانات أكثر صعوبة، حيث أصبح من غير المفهوم بشكل متزايد للمعلنين لماذا يجب رؤيتهم في سياق لا يمكنهم التحكم فيه. لذلك ذهبوا إلى محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي، تاركين إيرادات القارئ كأفضل بديل لإيرادات الإعلانات، وغالبًا ما يكون البديل الوحيد للصحافة. لهذا الغرض، تم بناء جدران الدفع الرقمية، حيث يدفع القراء مقابل الوصول إلى المواد الإعلامية في الصحافة التقليدية، أما في حالة صحافة السويش، يحدث العكس، حيث  يمكن للجمهور الوصول إلى المواد الصحفية مجاناً، وقرائتها و بعد ذلك يقرر في حال أراد المساهمة أم لا،  وفي هذه الحالة تُعتبر التبرعات دليلاً مباشرًا على التقدير بدون وسطاء.

التحول إلى هذا النوع الجديد من  التمويل يرجع بحسب الخبراء إلى عوامل عدة، حيث يرى البعض أنّ وسائل الإعلام التقليدية حولت تركيزها - من تمحيص ونقد ومراقبة السلطة السياسية  إلى مراجعة ونقد سلطة الشعب الذي يمنح الديمقراطية معناها - و أن الديمقراطية لا تعمل بدون حرية التعبير. وتتطلب حرية التعبير مناقشة حرة ومفتوحة حيث يمكن التعبير عن مواقف متضاربة مختلفة حتى يتمكن الناخبون من اتخاذ خيار إعلامي؛ لذلك بدأ مستهلكو وسائل الإعلام البحث عن ممثلين جدد وعن جهات فاعلة جديدة ومستقلة لا تقدم التقارير المعدة لصالح السلطة.  

لكن النتائج الرئيسية لدراسة حول صحافة السويش قامت بها كلية غوتنبرغ للصحافة تظهر، أن الصحفيين التقليديين، يعتقدون أن أساليب العمل التي يستخدمها صحفيو السويش لا تتساوى مع الأساليب التي يستخدمها الصحفيون التقليديون حيث تكمن أسباب موقفهم السلبي تجاه صحفيي السويش في أن تقاريرهم الإخبارية ليست موضوعية بما فيه الكفاية، فهي مدفوعة بالمال، ولا يمكن ضمان استخدام مدونة الأخلاقيات الصحفية، كما أن صحفيي السويش يمكن أن يقللوا من المصداقية للصحفيين بشكل عام. وبما يخص المواقف الإيجابية التي تم تحديدها هي أن الصحافة السويشية توفر مكملاً جيداً التقارير التقليدية وأن صحفيي السويش يمكن أن يتناولوا وجهات نظر جديدة لا تعطيها وسائل الإعلام التقليدية الأولوية.

لكن غياب الناشر المسؤول الذي يتبع قواعد أخلاقيات الصحافة، ومدونة السلوك الإعلامي،  قد يدفع الصحفيين إلى التورط في أعمال أخرى غير صحفية كأن يتحولوا إلى أدوات في يد الأحزاب السياسية، أو أن تؤدي إلى أن يكتب الصحفي فقط لمن يمنح التبرعات. عندها يصبح السؤال: ما نوع الصحافة التي ستنتجها للحفاظ على التبرعات؟ هل تجرؤ على أن تكون مثيرا للجدل، إذا كان ذلك يقلل من رغبة القارئ في الدفع.

هذا الأمر يوقع صحفي السويش تحت ضغط إيجاد زاوية تناول مختلفة، حتى عندما لا توجد زاوية. بحيث يخاطر في هذه الحالة بالوقوع في إدمان الاستنتاجات السهلة والبسيطة التي تتماشى مع آراء السويش وقيمه وربما حتى أحكامه المسبقة في بعض الأحيان.

في حالة يواكيم قمت بالإطلاع على جميع المنشورات من عام 2019 على صفحته على فايسبوك، وقمت بتجميع بعض الاحصائيات حولها، كان هناك 164 منشور عام، منها 115 أو 70% تقريباً يتحدث فيها عن نفسه، أكثر من 6 % بقليل من منشورات لاموت تحتوي على نوع من المحتوى الصحفي.

 في العديد من المنشورات انتقد يواكيم وسائل الإعلام الأخرى التي تعيش على المنح، وبأن الصحفيين الآخرين يعملون من المكاتب ولا يعيشون الواقع. في ضوء ذلك، قد يبدو غريباً بعض الشيء أنه هو نفسه قام فقط بأربعة تقارير حيث ترك مكتبه وخرج إلى الشارع، وهو ما يعادل 2.5٪ من إجمالي المنشورات على صفحة فايسبوك الخاصة به.

كانت المرات الأربع التي غادر فيها لاموت المكتب للقيام بمثل هذه التقارير الحية في 21 آذار/مارس في أوبسالا، ومن 1 إلى 2 أيار/مايو في أوبلاند فاسبي، و 25 آب/أغسطس في  نيشوينغ، و24 تشرين الأول/أكتوبر في مسقط رأسه غوتنبرغ.

وبالتالي فإن الإجابة على عدد المرات التي يسمح فيها يواكيم للناس العاديين بالتحدث هي في المتوسط ​​مرة واحدة كل ثلاثة أشهر. ربما لا توجد منصة أخرى تسمي نفسها صحافية أقل اهتمامًا بآراء المواطنين العاديين.  بدلاً من ذلك، فإن آراء يواكيم الخاصة وصراعاته الشخصية هي التي تشغل معظم المساحة.

وفقًا لبريت ستاكستون، ناشر بلاك سبوت فإن الشرط الأساسي للنجاح هو على وجه التحديد القرب من القراء. حيث يعمل بريت عن قرب مع "المؤيدين" (كان يُطلق عليه سابقًا المشتركين). المؤيدون مدعوون إلى الاجتماعات والمشاركة في مجموعات حصرية على فايسبوك، حيث يقدمون النصائح والآراء، ويقضي الصحفيون  في بلاك سبوت نصف وقت عملهم على الأقل في رعاية هذه العلاقة. وهذا يؤدي الى أن يتحول القراء نوعًا ما الى مؤلف مشارك في الصحافة التي تنتجها بلاك سبوت.

لكن هذا لا يعني أنه لا توجد تحديات في نموذج التمويل الجماعي. أحد هذه الأسباب هو أن الصحفي يجب أن يصبح رائد أعمال واستراتيجي علاقات عامة، والذي يجب أن يتحمل عدم اليقين في بعض الأحيان ويكرس الوقت لخطط العمل وإدارة الأعضاء، وجعل الناس يواصلون المساهمة.

في النهاية إن حرفة إجراء محادثة حقيقية مع القراء ليست شيئًا طبيعيًا بالنسبة للصحفي. فهو شيئًا لم نعتد على تعلمه حتى في كلية الصحافة. أتمنى أن يعطي الجميع الأولوية للعمل بعلاقة أوثق مع القارئ حول الصحافة نفسها. باعتباره مصدر التمويل المستقبلي للصحافة الرقمية.

الصورة الرئيسية مأخوذة من شاشة الدفع الخاصة بتطبيق السويش والمكتوب باللغة السويدية يعني "تم إرسال المبلغ"، أي المبلغ المُتبرّع به إلى الجهة الصحفية