ما إن تخرج قضية من قضايا العنف ضد المرأة حتى يُسارع الصحفيون بنقلها للرأي العام، ويتم النقاش والجدل حولها، ولكن كيف تمت هذه التغطية؟ وأي مصادر للمعلومات قاموا باستخدامها؟ وبماذا تأثر نقلهم لوقائع الحادثة؟ تبقى أسئلة في غاية الأهمية بمقدار أعلى ربما من النقل بحد ذاته.
يقول الصحفي أكرم النتشة في هذا الخصوص: "يتعرّض الصحفيون للضغط الاجتماعي من أقارب لهم في حال تناولوا القضية خارج ما يرغب به المجتمع المحيط، خاصة أن الصحفيين هم أبناء البيئة وليسوا من خارجها، وبالتالي، فإن هذا الأمر قد يحد من المهنية والعكس صحيح، إذ قد يحصل على إطراء عالٍ في حال توافقت التغطية مع الجمهور وهذا قد يؤثر أيضاً على التغطية"، مشددًا على أنّ "النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو شكل آخر من أشكال الضغط الاجتماعي الافتراضي، لذا فإن الصحفي قد يقع ضحية تشهير بالتلميح أو التصريح على وسائل التواصل الاجتماعي"، مشيراً إلى أهم معيق أمام الصحفيين هو قلة المعلومات التي تشكل تحديًا أساسيًا في قضايا العنف خاصة من قبل الأمن أو منظومة العدالة، ما يضع الصحفيين أمام عبئين: الأول نفي الشائعات، والثاني تقديم معلومة حقيقية ومن مصدر موثوق" .
وكان النتشة أحد الإعلاميين المتحدثين في ورشة عمل تم تنظيمها من قبل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ووزارة شؤون المرأة، ومركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت، في محافظة بيت لحم بالتزامن مع عقدها في قطاع غزة كذلك، الهادفة إلى تعزيز معرفة الإعلاميين/ات بالخدمات المتاحة للنساء الناجيات والضحايا من العنف وإشكاليات العنف القائم على النوع الاجتماعي في التغطية الإعلامية.
من جهتها، تقول الإعلامية نور السويركي، وهي منسقة مشروع في مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة: "هناك العديد من التحديات التي تواجه الإعلاميات/ين في الوصول للمعلومات حول قضايا العنف ضد النساء، وهذه التحديات تتعلق بغالبية عوامل تقييم المصادر فهي غير متاحة وغير سهلة في الوصول، وبالذات الوصول للضحايا للسماع منهم مباشرة، عدا عن الاشكاليات المتعلقة بعدم الدقة والموضوعية ودرجة الإحاطة والتحديث للمعلومات".
أما التحديات المتعلقة بدور الإعلاميات/يين، عند وصولهم للمصدر الأول للمعلومة وهو "الضحية /الناجية من العنف"، وكذلك عند انتاج المادة الإعلامية، كما أبرزتها مقابلات قامت بإجرائها الصحفية السويركي، فهي كالتالي:
1. هناك عدم إدراك من قبلهم لـ "مبادئ التعامل مع ضحايا العنف" من أبرزها الخصوصية وعدم الضرر والسرية والموافقة المستنيرة في الكتابة عن بعض التفاصيل، حيث أن بعض المواد الصحفية قد ينتج عنها ضرر ما للضحية نتيجة الجهل بهذه المبادئ أو التغرير بالضحية وحتى أثناء المقابلة قد لا تشعر الضحية/الناجية بالراحة المطلوبة بسبب طبيعة أسئلة الصحفي التي قد تحمل لها اللوم في بعض الأحيان، مثل سؤال: ماذا فعلت؟ بدلاً من سؤال: ما الذي حدث؟
2. ضعف الخبرة المتعلقة بـ " اللغة الحساسة جندرياً عند كتابة أو تقديم المادة الإعلامية والتي قد ينتج عن هذا الجهل ضرراً للضحايا حتى وإن كان ضرراً نفسياً، من خلال استخدام صور نمطية محددة أو لغة منحازة جندرياً أو مصطلحات ذكورية لا تتواءم مع نوعية المادة التي يتم العمل عليها.
3. كذلك هناك جهل لـ"الخدمات المقدمة لضحايا العنف" على الرغم من توجه الإعلاميات/ين للمؤسسات النسوية، ولكنهن/هم يطلبون لقاء الضحايا من دون الاستعلام عن الخدمات المقدمة في المؤسسات النسوية، والتي ربما من شأن المعرفة بها تغيير مسار تناول المادة الصحفية أو محور تسليط الضوء فيها والذي من شأنه أيضاً مواجهة الصورة النمطية في المجتمع المحلى حول دور المؤسسات النسوية.
4. يغفل الكثيرون في عملهم الإعلامي ضرورة الاشارة إلى أهمية المساءلة والمحاسبة لمرتكبي جرائم العنف قانونياً ومجتمعياً، ولذلك قد ينتج عن ذلك مادة إعلامية تعزز فكرة الافلات من العقاب وأن لا جدوى من الافصاح لأن الواقع لن يتغير.
وللخروج من دائرة العقبات التي تعاكس عمل الإعلاميين/ات في الوصول لمصادر المعلومات في قضايا العنف تُقدِّم الصحفية نور السويركي مجموعة من التوصيات:
أولاً: تفعيل المرصد الوطني للعنف من خلال وزارة شؤون المرأة بحيث يقوم المرصد بدوره المنوط به وإنتاج التقارير الدورية والموثوقة ويعمل بمثابة قاعدة بيانات وطنية فيما يتعلق بأرقام ونسب العنف وتكون متاحة وسهلة الوصول للجميع ويتم الترويج لها في المجتمع المحلي فهذا من شأنه تعزيز مفهوم الرقابة في المجتمع.
ثانياً: إنشاء أو تفعيل وحدة متكاملة في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعمل دراسات خاصة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي والعنف ضد المرأة، وليس المسح السنوي فقط، مع مراعاة أهمية الإعلان عن المنهجية المتبعة في بحوثها ومسوحها.
ثالثاً: يجب أن تكون المؤسسات النسوية مصدراً مهماً للإعلاميات/ين حول قضايا العنف ولذلك فإن إنشاء اطار إعلامي متخصص يهتم بالتواصل مع الصحفيين من شأنه ترتيب اجتماعات دورية وورش متخصصة للإعلاميات/ين حول قضايا العنف يفيد في تفعيل النقاش وليس موسميته وزيادة الوعي الذي ينعكس بدوره على تجويد الأداء المهني.
رابعاً: إن تفعيل قانون الوصول للمعلومات من شأنه تعزيز الوصول للمعلومات حول قضايا العنف ويضع الجميع أمام مسؤولياته وتحت طائلة المساءلة في حالة التقصير التي يعاني نتيجتها الإعلاميات/ون.
خامساً: فتح أبواب التعاون المشترك بين المؤسسات الإعلامية والإعلاميات/ين العاملين بشكل حرّ من خلال تدريبهن/هم على أصول ومبادئ التغطية الإعلامية المتخصصة في قضايا العنف ومحاربة الصورة النمطية لضحايا العنف والمؤسسات العاملة في هذا المجال. في هذا الإطار يجدر الاشارة إلي وجود تجربتين يمكن الاستثمار فيهما:
* الأولى تجربة مجلة الغيداء النسوية وما أكدت عليه ريم البحيصي سكرتيرة تحرير المجلة أن جميع المواد المنشورة منذ بداية اختيار الفكرة وصولاً لإنجازها يتم متابعتها وتقييمها ومراجعتها جندرياً.
* بالإضافة إلى تجربة شبكة نوى التابعة لمؤسسة فلسطينيات حيث أكدت الصحفية شيرين خليفة على وعي مؤسستها الكامل لمبادئ التعامل مع الضحايا.
إن العلاقة ما بين دور الإعلام مع مؤسسات الحماية والشرطة والنيابة العامة والقضاء مهم جداً أن تكون بشكل تكاملي؛ ليتمكن الإعلام من القيام بدوره الكامل والشامل فيما يخص قضايا العنف عموما، هذا ما أكدت عليه الإعلامية الدكتورة رابعة الدريملي.
وتضيف الدريملي: "على المؤسسات الإعلامية التعاون مع مؤسسات الحماية؛ لإبراز قصص النجاح للنساء اللواتي تمكّن من مواجهة العنف وانطلقن بحياتهن من جديد، وكيف تعاملت تلك المؤسسات معهن لتخطي تلك المحنة؛ كي تكون تلك القصص الناجحة دافعاً حقيقياً لغيرهن من النساء ضحايا العنف، حتى يتجاوزن ضعفهن ويكسرن صمتهن وخوفهن وكي لا تكون المرأة مجرد خبر فقط، من دون التعمق في مسببات العنف".
من جانبها، وعلى مستوى الأدوات التطبيقية للمؤسسات الإعلامية ترى الكاتبة والإعلامية الحرة هداية شمعون ضرورة "إعداد دليل انفوجرافيك بما يشمل المصطلحات المتوقع استخدامها، ومدلولات استخدامات الكلمات الأخرى مثل مصطلح عانس، ضحية، وغيره، إضافةً إلى إعادة الروح لإحياء مدونات السلوك والمواثيق الصحفية بالتركيز على المؤسسات الإعلامية والوكالات، وأن يرافقها لقاءات تفاكرية تساهم في تحسين الفهم لقضايا النوع الاجتماعي".
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش.