كلّما أبدع الإنسان وقدّم وابتكر، يصبح أكثر نجاحًا وتميزًا في عمله، لا سيّما في مجال الإعلام والصحافة، فهناك العديد من الصحفيين الذين أثبتوا نجاحهم من خلال ما قدموه من جهود رائعة أثرت في المجتمع وكشفت حقائق وغيّرت حكومات وأنتجت ثورات.
وفيما يلي استعراض لأبرز أسباب نجاح المراسل الصحفي وتميّزه عن غيره من المراسلين، وللاستفادة من تجارب المراسلين الناجحين في الوطن العربي، استضافت شبكة الصحفيين الدوليين مراسل قناة "الحرة" في العراق ميثم الشباني الذي عمل مراسلاً صحفيا فيها منذ 2004 حتى اليوم، وقد قدّم مسيرة مهنيّة تضمنت العشرات من التقارير التلفزيونية القيّمة والمتنوعة والتي وصل من خلالها إلى مناطق ساخنة وخطرة تعرض بسببها إلى المخاطر والإصابات، بهدف نقل الحقيقة بمصداقيّة، وبذلك اكتسب الشباني ثقة وشعبية جماهيرية واسعة داخل العراق وخارجه.
يرى الشباني أنّ المراسل الناجح هو الصحفي الاستقصائي الميداني الذي يسأل كثيرًا ويعمل بعمق دقيق في قلب الحقيقة ويأخذ معطياته بنفسه، ثم ينقل الحدث كما هو بصدق مجرد من أي إضافة. وبالنسبة له فإنّ الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل يعتبر نموذجًا للتجارب الإعلامية الناضجة التي يجب على الصحفيين الاستفادة منها.
ومن خلال عمله المستمر توصّل الشباني إلى أربع قواعد يمكن اعتبارها أساسًا لنجاح المراسل في عمله وهي:
أ- لا صحافة بلا أخلاق.
ب- لا نجاح بدون تطوير الذات.
ج- تخيل عملك في حقل ألغام وكن متأهبا دائما.
د- الفشل هو تقليد الآخرين والاتكال عليهم.
وبحكم تجربته فقد استخلص عددًا من النصائح التي يعتبرها ضرورة لكل مراسل صحفي طموحه النجاح، ومن بينها ما يلي:
1- التجرد التام: على المراسل أن يجرد نفسه من كل الأهواء والانتماءات العرقية والدينية والقومية ليكتسب المهنية ثم النجاح.
2- نقل الأحداث بصدق وموضوعية: يجب على المراسل أن يُظهر الحقيقة كما هي بدون زيادة أو نقصان وأن يبتعد عن التلاعب بالألفاظ والمعاني ولا يتعمد إخفاء أي جانب من جوانب الحقيقة حتى لو تقاطعت مع أفكاره أو قناعاته.
3- الإلمام الثقافي والتعددية في المعلومات: يجب على المراسل الناجح أن يكون ملمًا بكل العلوم وبشكل واسع وأن يراعي التعددية في المعلومات ومصادرها، كما يجب أن تكون ثقافته متنوعة ومتجددة وشاملة لكل العلوم والمعارف.
4- الاستعداد الدائم للعمل: من المهم جدًا أن يدرك المراسل الصحفي أنّه مكلف في أي وقت للقيام بالمهمة في أي مكان أو زمان، لذلك عليه التحلي بالاستعداد الدائم للعمل مها اشتدت الظروف وكبر حجم المخاطر.
5- عدة الأمان ودراسة خارطة المكان: عندما يكلّف المراسل بالقيام بمهمة صعبة في مناطق حربية ساخنة عليه أن يهيّئ عدة الأمان الضرورية وأن يؤمّن كل وسائل الاتصال التي يحتاجها وكذلك يجب ان يبلغ المقربين منه بوجهته ويحيط عمله بالسرية التامة وعليه أن يطلع على خارطة الموقع الذي سيعمل عليه من ناحية مداخله ومخارجه ومكامن الخطر فيه.
6- شبكة الأصدقاء والزملاء في مكان العمل: من المهم جدا أن يشكل المراسل شبكة من الأصدقاء والزملاء في بيئة المهمة المكلف بالعمل عليها للمساعدة عند الحاجة.
7- التخصص في مجال المراسلة الصحفية: لا يوجد شيء اسمه تخصص المراسل الصحفي في موضوع معين بل يجب أن يكون عمله المراسل شاملا لكل المواضيع من دون التقيد بموضوع معيّن أو تخصص محدد.
8- الشجاعة والصدق والأمانة: من أهم المعايير التي يجب أن يتحلى بها المراسل لأنه على تماس مباشر مع الحدث ولذلك يعتبر مسؤولا عن الحقيقة أمام الرأي العام.
9- المناورة والتفاوض: يجب أن يكون المراسل الناجح ذكيًا ومناورًا ومفاوضًا جيدًا، حتى يستطيع الوصول إلى الحقيقة الكاملة بدون تأخير أو حرج أو مأزق أو خطر.
10- اعتماد مصادر دقيقة ومتجددة: على المراسل الناجح أن يعتمد مصادر دقيقة، ويحافظ على سريتها وأن يفتح قنوات مصادر جديدة كلما استجدت الظروف والأحداث فالإعتماد على مصادر دقيقة ونزيهة ستجعل المراسل مصدرًا للمعلومة الموثوق بها لدى الجمهور.
11- التواصل الاجتماعي: من الضروري جدًا أن يتمتع المراسل الناجح بحضور اجتماعي وأن يكون مقبولا لدى الآخرين حتى يتمكن من انجاز عمله بدون معوقات ويضمن تفاعل الجمهور مع مادته الإعلامية.
12- العمل في مؤسسة إعلامية تؤمن بالحرية والمهنية: العمل ضمن مؤسسة إعلامية مهنية تؤمن بالحرية وتحترمها أحد أهم وابرز عوامل نجاح المراسل الصحفي في عمله.
13- تطوير القدرات: المراسل الناجح هو من يطوّر نفسه بنفسه من خلال متابعة أساليب العمل الحديثة عبر الانترنت وتطوير قدراته ومهاراته باستمرار مع ضرورة تخصيص وقت كافٍ للتعلم، عليه أن يدرك جيدا أن الرتابة في العمل تقتل الإبداع وتضعف من تفاعل الجمهور وتواصله.
وينصح الشباني بمتابعة هيئة الإذاعة البريطانية والتعلم من دروسها وكذلك يوصي بمتابعة ما ينشره المراسلون عبر موقع مراسلون بلا حدود.
14- الابتعاد عن وسائل الإعلام المؤدجلة: لا يمكن للمراسل الذي يطمح إلى النجاح أن يعمل في مؤسسة إعلامية ذات ايديولجية معينة لأنها ستؤثر على استقلاليته وتُسقط بريقه الصحفي وربما لن يستطيع التخلص من تبعاتها حتى لو ترك العمل فيها لاحقا.
15- الاعتماد على النفس: يجب على المراسل الصحفي أن يعتمد على نفسه وأن يكون مهيئا لكل المواقف ولا يجب الاعتماد على النقابات أو الاتحادات التي ينتمي لها الصحفيون في توفير الحماية أو استرداد الحقوق لأنها في النهاية منظمات مجتمع مدني لا تخلو من المجاملات والعلاقات الشخصية ويمكن اعتبارها فقاعة صوتية لا غير.
16- أسلوب خاص وأفكار إبداعية: إذا أراد المراسل الصحفي الحفاظ على نجاحه في العمل عليه أن يستخدم أسلوبا مبتكرا وخاصا يميزه عن غيره ولا بدّ من أن يجدد أفكاره لتتناغم مع الحداثة خاصة في الوقت الحالي الذي يشهد تفاعلا قويا في مجال مواقع التواصل الإجتماعي، إذ إن الكثير من مستخدمي مواقع التواصل ينقلون الأحداث بسرعة بدون اي ضوابط أو قيود، ونجحت تلك المواقع في جذب الجمهور بشكل فعال وهذا بحد ذاته يشكّل تحديًا للمراسلين الذين يجب ان يبذلوا جهودًا كبيرة في صياغة الأحداث والحقائق من زاوية مختلفة ومشوقة بدون المساس بجوهر الحقيقة.
17- الاطلاع على تجارب المراسلين: من الضروري جدًا أن يطلع المراسلون وبشكل دوري على تجارب المراسلين السابقين المحليين والدوليين لاستلهام العبر والدروس من مذكراتهم وأعمالهم.
تحديات ومعوقات:
بحكم تجربته الطويلة في العمل، استطاع الشباني أن يحدد أهم المعوقات والتحديات التي تواجه المراسلين خلال العمل وقد أوجزها بعاملين هما:
1- رغبات المجتمع وأهواؤه: إنّ معظم المجتمعات وفي بعض القضايا، تريد من المراسل مغالطة الحقائق والأحداث وعدم إظهار جانب الحقيقة الخفي الذي يناقض أهواءهم أو يكشف عن حقائق تتضارب مع رغباتهم ومصالحهم وربما معتقداتهم ومتبنياتهم، ولذلك غالبا ما يتهم المراسل الصادق والمهني بعدم المهنية أو يتعرض للنقد وربما التهديد أو التصفية الجسدية.
2- الأجهزة الأمنية: في بعض المناطق العراقية تعتبر الجهات الأمنية عقبة كبيرة بسبب ما تطلبه من إجراءات تعجيزية تعرقل وتحجب الكثير من المعلومات، حتى أن بعض الأجهزة تتعامل مع كاميرا المراسل وكأنها "عبوة ناسفة".
ولذلك يؤكد الشباني على أهمية وجود تشريعات وطنية رصينة توفر للصحفيين الحماية الضرورية وتتيح لهم حق الحصول على المعلومات والوصول إليها بدون عناء أو مشقة ومخاطر.
الصورة الرئيسية لـميثم الشباني مقتطعة من موقع يوتيوب.