تقنيات يشاركها خبراء دوليون: لماذا يجب على الشركات الناشئة اعتماد نموذج خطّة العمل الليّن؟

20 juin 2023 dans استدامة وسائل الإعلام
صورة

تمّ نشر هذه المقالة ضمن سلسلة تبحث في تطوير المشاريع الإعلامية الناشئة.

لماذا يجب على الشركات الناشئة اعتماد نموذج العمل اللّين (Lean Startup Canvas) بديلًا عن نموذج العمل التقليدي (Business Model Canvas)؟ كان هذا السؤال المحوري للجلسة الرابعة ضمن دورة تدريبية حول "تطوير أفكار المشاريع" التي أشارك فيها منذ شباط/فبراير الماضي ويقدّمها "منتزه الابتكار" (Innovation Park) بالمعهد الفيدرالي للتكنولوجيا بلوزان - سويسرا (EPFL). 

الإجابة عن السؤال نجدها في مقالة تفصيلية لمجلّة "هارفارد بيزنس ريفيو" بعنوان "لماذا يغيّر نموذج العمل اللّين كلّ شيء؟" وفيه يشرح الكاتب ستيف بلانك، وهو أستاذ مساعد استشاري في جامعة ستانفورد، وأحد مهندسي حركة بدء الأعمال الرشيقة لماذا من شأن نموذج العمل الليّن، باعتباره منهجية أسرع وأكثر ذكاءً لإطلاق الشركات، أن ينهي عصر نماذج الأعمال التقليدية. 

قبل الاستطراد في الحديث عن نموذج العمل أسوق الملاحظة التالية: في الاستخدامات العربية وفي مجال التسويق تحديدًا، وجدت ترجمات حرفية عديدة لمصطلح Lean Startup Canvas على غرار " لوحة الأعمال الخالية من الهدر" و"لوحة بدء التشغيل النحيلة"، و"حركة بدء الأعمال الرشيقة". وعدا عن الترجمة الأخيرة، فإنّ بقية الترجمات تحمل صبغة "سلبية" نوعًا ما، لذلك أستسمحكم في استخدام هذه الترجمة "نموذج العمل اللّين" التي أراها تعكس جوهر النموذج المقصود بدون طبعه بصبغة سلبية (نحيل، هزيل إلخ..). وبما أنّنا سنرى أنّ أهمية هذا النموذج تكمن بالأساس في ليونته، أي قابليته للتأقلم والتغيير المستمرّ، فقد انتهيت إلى أنّ استخدام وصف "ليّن" هو الأنسب. 

الفروقات بين نموذجي العمل

بالعودة للمقال المذكور أعلاه، يشير الكاتب ستيف بلانك إلى أنّه في السابق كان مؤسّسو المشاريع يكتبون خطة عمل، كاملة مع توقّعات مدّتها خمس سنوات، ويستخدمونها لجمع الأموال، ثم ينتقلون إلى "وضع التخفي" (stealth mode) لتطوير عروضهم، كل ذلك بدون الحصول على الكثير من التعليقات والتغذيات الراجعة من الأشخاص الذين يعتزمون بيع خدماتهم/منتجاتهم لهم. 

في المقابل، تبدأ الشركات الناشئة التي تعتمد نموذج العمل اللّين أوّلًا بالبحث عن نموذج العمل الأنسب لها. هذا يعني أنّ مؤسّسيها يختبرون الفرضيات ويراجعونها ويعتمدونها أو يغيّرونها بناء على التغذية الراجعة المستمرّة من قبل العملاء. أي أنّهم لا يتوقفون عن إعادة تصميم وهندسة منتجاتهم أو خدماتهم بناءً على الآراء والتعليقات المتلقّاة. "تقلّل هذه الاستراتيجية إلى حدّ كبير من إمكانية أن تهدر الشركات الناشئة الكثير من الوقت والمال في إطلاق منتجات لن يدفع أحد مقابلها بالفعل".

ويبيّن ستيف بلانك أنه إذا تمّ اعتماد نموذج العمل الليّن على نطاق واسع، فإنه سيقلّل من حالات فشل انطلاق المشاريع الناشئة. بل ويعتقد أنّه، إذا ما تمّ جمعه مع اتّجاهات أخرى، مثل البرمجيات مفتوحة المصدر ودمقرطة تمويل المشاريع، فإنّ نموذج العمل الليّن يمكن أن يتمخّض عن اقتصاد جديد أكثر تشجيعًا لريادة الأعمال. 

أحد الاختلافات الجوهرية بين نموذج العمل الليّن ونموذج العمل التقليدي هو أنه بينما تنفذ الشركات القائمة نموذجًا تجاريًا معدًّا مسبقًا، تبحث الشركات الناشئة عن نموذجها التجاري. يقع هذا التمييز في صميم نهج نموذج عمل الشركات الناشئة الليّن، ويمثّل تعريفًا بسيطًا لها: "منظمة مؤقتة مصمّمة للبحث عن نموذج أعمال قابل للتكرار وقابل للتطوير"، وفق مقال "لماذا يغيّر نموذج العمل اللّين كلّ شيء؟" أيضًا. 

ويشير المصدر نفسه إلى أنّ نموذج العمل الليّن يقوم على 3 مبادئ أساسية: 

·      أوّلًا: بدلاً من قضاء أشهر عديدة في التخطيط والبحث، يقرّ روّاد الأعمال أنّ كل ما لديهم هو سلسلة من الفرضيات غير المختبرة والتخمينات الجيّدة. لذلك، وبدلاً من كتابة خطّة عمل معقدة، يلخّص المؤسّسون فرضياتهم في "نموذج العمل الليّن". وهو ما يمكن اعتباره رسمًا تخطيطيًا لكيفية قيام الشركة بخلق القيمة لنفسها ولعملائها. 

·      ثانيًا: الإنصات للعملاء. خلال مرحلة تطوير العميل (customer development)، تبحث الشركة الناشئة عن نموذج العمل الناجح الأنسب لها، بحيث أنه إذا كشفت ملاحظات العملاء أنّ فرضيات العمل الخاصة بالشركة خاطئة، فإنّ مؤسّسيها يقومون بمراجعتها أو يوجّهونها نحو فرضيات جديدة. وبمجرد إثبات النموذج، وعندها فقط، تبدأ الشركة الناشئة في التنفيذ، وبناء مؤسسة رسمية. "كل مرحلة من مراحل تطوير العميل هي تكرارية: من المحتمل أن تفشل الشركة الناشئة عدة مرات قبل العثور على النهج الصحيح".

·      ثالثًا، تُمارس الشركات الناشئة القائمة على نموذج العمل الليّن أمرًا يسمّى "التطوير السّريع"، والذي نشأ في خضمّ صناعة البرمجيات. يعمل التطوير السريع جنبًا إلى جنب مع تطوير العملاء. وعلى عكس دورات تطوير المنتجات المعتادة التي تستغرق عامًا والتي تفترض مسبقًا معرفة مشاكل العملاء واحتياجات المنتج، فإنّ التطوير السريع يزيل الوقت والموارد الضائعة عن طريق تطوير المنتج بشكل متكرر ومتزايد. إنها العملية التي تنشئ من خلالها الشركات الناشئة الحد الأدنى من المنتجات القابلة للتطبيق التي تختبرها.

ويمكن توضيح الفروقات بين نموذجي العمل فيما يلي:

خطوات إعداد نموذج العمل الليّن (Lean Startup Canvas)

يتكوّن نموذج العمل الليّن من العناصر التالية: 

·      المشكلة: وصف موجز لأهمّ 3 مشاكل تعالجها بشركتك الناشئة 

·      شرائح العملاء: من هم العملاء/المستخدمون؟ وهل يمكنهم تدقيقهم بشكل أكبر (مثال: تحديد إذا كانوا مصوّرين هواة أم مصوّرين محترفين؟) 

·      عرض القيمة الفريدة: ما هو السبب الذي يجعل منتجك/خدمتك فريدة من نوعها؟ 

·      الحلّ: ما هي الميزات التي تقدّمها لتحلّ المشكلة عبر القيمة الفريدة الخاصّة بك؟ 

·      النشاط الرئيسي: وصف الأنشطة الرئيسية لشركتك التي سيستفيد منها العملاء.

·      القنوات: ضع قائمة بالقنوات المجانية والمدفوعة التي يمكنك استخدامها للوصول إلى عميلك.

·      هيكل التكلفة: قم بإدراج جميع تكاليفك الثابتة والمتغيرة.

·      تدفقات الإيرادات: تحديد الإيرادات الخاصة بك (نموذج – اشتراك، إعلانات...)  

·      الميزة التنافسية (وفي نسخ أخرى: غير العادلة) هذا العنصر، الذي يتميّز به نموذج العمل الليّن ويعني المزايا التنافسية الحقيقية، عادة ما يكون الأصعب لملئه. ولكن نجد في مقالة "المزايا غير العادلة الحقيقية" تعريفًا جيّدًا وهو "المزايا غير العادلة الحقيقية هي فقط تلك التي لا يمكن نسخها أو شراؤها". وهنا يستنثني المقال المزايا التالية من أن تكون غير عادلة: سنحصل على براءة اختراع، نحن الأفضل في تحسين محرّكات البحث، نحن متحمّسون، نحن نعمل بجدّ، نحن أرخص. في المقابل، ينصّ على أنّ المزايا غير العادلة قد تتضمّن إمكانية الوصول إلى معلومات من الداخل عن منتج أو مجال ما، لديك خاصيّة فردية لمنتجك ولا تقبل المساومة حولها (مثلًا، شركة آبل قد تتنازل عن الكثير من أجل الحفاظ على تصاميم منتجاتها، وفق المقال)، أو أنّ لديك فريق الحلم الذي قد يرغب كل مستثمر في دعمه وكلّ عميل في الاستفادة من خدماته.

لمزيد فهم خطوات تعبئة نموذج العمل الليّن للشركات الناشئة، يمكن مشاهدة هذا الفيديو الذي يشرح نموذج العمل الخاصّ بشركة "أوبر". 

المقابلات الاستكشافية: حجر الزاوية في تطوير أفكار الشركات الناشئة 

بما أنّ أهمّ ميزات نموذج العمل الليّن تكمن في استمرارية الحصول على التغذية الراجعة وآراء العملاء والفاعلين المحتملين، فقد خصّصت إحدى جلسات التدريب للتعمّق في تقنيات إجراء المقابلات الاستكشافية. أمّن الجلسة جيريمي بايس (Jeremy Pace) الخبير المستقلّ في آراء المستهلكين (Consumer Insight Expert). 

هذه المقابلات كما يدلّ اسمها ضرورية في المراحل الأولى لبعث الشركات الناشئة. وعلى الرّغم من أن النماذج والأمثلة المذكورة في التدريب تمسّ منتجات وخدمات تجارية بالأساس، إلاّ أنها قابلة للتطبيق على المنتجات والخدمات الإعلامية، خاصّة تلك التي تروم إيجاد حلّ لمشكل أو نقطة ألم (pain point) موجودة لدى جمهور محدّد. 

يقول بايس إنّ "المقابلات الاستكشافية مع العملاء [المحتملين] مفيدة بغرض الاسترشاد وليس التقييم. إنها ليست لقياس [فكرة المشروع]، بل للحصول على الإلهام. يمكن للعملاء إخبارك بما يعجبهم/لا يحبونه، أو يفهمونه، ولكن ليس كيفية إصلاحه أو مدى شعبيته، ولا ما إذا كان مناسبًا استراتيجيًا لعملك".

ويضع جيريمي بايس قواعد أساسية لإجراء المقابلات الاستكشافية، هي كالتالي: 

·      اِعرف هدفك: ماذا تريد أن تتعلمّ من المقابلة؟

·      كن محترمًا 

·      كن محايدًا: حافظ على الانتباه والاهتمام بدون أو توافق أو تعترض على ما يقوله المتحدّث. 

·      اطرح أسئلة مفتوحة إلى حدّ كبير: سيسمح ذلك للمحادثة بالتدفق بسلاسة أكبر.

أمّا عن هيكل المقابلات، فيشدّد الخبير في آراء المستهلكين على ضرورة أن تتضمّن: 

سؤالاً مفتوحًا، مثلا: "ما الذي يعجبك في المنتج كذا؟ ". وهنا يمكن التعقيب على ردّ الشخص الذي تتمّ محاورته ضمن المقابلة عبر طلب التوضيح: على غرار: "ماذا تقصد بـ[الذوق]؟"، "عندما تقول [كذا] فأنت تقصد [كذا؟]، .. أو بطلب معلومات إضافية: مثلًا: "ما الذي تفضله أيضًا؟"، ثمّ تكرار كلّ ذلك حتى الوصول إلى مرحلة الإشباع (أي لا يعود هناك معلومة جديدة يمكن الحصول عليها).

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة داريا نيبرياكينا.