في الذكرى الثلاثين لإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي لحرية الصحافة، تمّ إحراز تقدم في مجال تمكين الصحافة الحرة وحرية التعبير في جميع أنحاء العالم، وانتشرت وسائل الإعلام المستقلة في العالم بأجمعه، كذلك ظهرت التقنيات الرقمية التي تتيح التدفق الحر للمعلومات عبر الإنترنت، والتقدم في مجال احترام حقوق الإنسان والأطر الدولية ذات الصلة، وفقاً لليونسكو.
وعلى الرغم من الجهود الساعية نحو تعزيز حرية الصحافة، فقد شهدنا في العام 2022 انتهاكات كثيرة ضد صحفيين، أدت إلى مقتل بعضهم أحيانًا، كالصحفية شيرين أبو عاقلة، وصحفيين يغطون الحرب الروسية على أوكرانيا، وآخرين.
في استطلاع لحالة الحريات التي يتمتع بها الصحفيون في عام 2023، نجد أنّ الإحصائيات تقودنا لأصفار في رصيد الحريات، بينما ترتفع أرقام الانتهاكات، تبعاً لتقرير مؤسسة بيت الصحافة الفلسطيني فإنه تم تسجيل 297 انتهاكاً للحريات الإعلامية خلال الثلاثة أشهر الأولى من عام 2023 في فلسطين. كذلك رصدت لجنة دعم الصحفيين، خلال التقرير الشهري لحالة الحريات الصحفية في شهر نيسان/إبريل الماضي، أكثر من 50 انتهاكاً.
انتهاكات داخلية ضد الصحفيين
رصد المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى" خلال شهر مارس/آذار الماضي، مجموعة من الانتهاكات ضد الصحفيين الفلسطينيين، كان أبرزها اعتقال 3 صحفيين هم: الصحفي معاذ وشحة لعشرة أيام بعد استدعائه للتحقيق، والصحفي وهاج بني مفلح لثلاثة أيام بعد استدعائه للتحقيق وتعرضه للتعذيب وإساءة المعاملة، وكان قبل ذلك بأيام قليلة تعرض لاعتداء جسدي من قبل عناصر أمنية خلال تغطية جنازة وسط مدينة نابلس.
وفي قطاع غزة، اعتُقل الصحفي هاني أبو رزق لثلاثة أيام تعرض خلالها للضرب وإساءة المعاملة بحجة التصوير في إحدى المناطق من دون الحصول على تصريح.
وكان اقتحام مقر تلفزيون وطن ومنع صحفيين وطاقم العمل من تغطية مؤتمر لهم وحذف مواد مصورة عن هاتف أحدهم أبرز الانتهاكات الموثقة في فلسطين، فضلًا عن تلقي الصحفية نجلاء زيتون تهديدات من حساب مزور على موقع "فيسبوك".
كما أنه تم تسجيل انتهاك على وسائل التواصل الاجتماعي، تمثل بتلقي صفحة "ألترا فلسطين" إنذارات وتقييد محتوى منشوراتها لأسبوعين قبل أن تتمكن من العودة لنشاطها المعتاد.
مؤشر حرية الصحافة في فلسطين
- أظهرت نتائج المقياس للعام 2022 ثبات المؤشر: مواءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية الضامنة لحرية الصحافة، وعدم وجود نصوص قانونية تجرم قيام المسؤولين الحكوميين بالتحريض ضد وسائل الإعلام عند النقطة صفر.
- تراجع ثلاثة مؤشرات هي: عدد الصحفيين الذين تم استدعاؤهم من قبل أجهزة أمنية أو قضائية على خلفية عملهم الصحفي خلال العام 2022، ومؤشر حالات الاعتقالات بحق الصحفيين/ات و/أو العاملين/ات في وسائل الإعلام، وفرض قيود قانونية على تناول القضايا العرقية و/أو الدينية و/أو الأمن القومي.
- الحماية القضائية لحرية الصحافة ضعيفة وسلبية، مما أدى إلى تراجع بعض المؤشرات كمؤشر حجب وإغلاق المواقع الالكترونية.
- لا يتقدم الصحفيون بصورة عامة بشكاوى بشأن المخالفات والانتهاكات التي يتعرضون لها، وحتى إن تقدمت قلة منهم بشكاوى فإنه لا يتم التحقيق بها، ولا تتخذ إجراءات عقابية بحق من نفذوا هذه الاعتداءات.
- تعرّضَ صحفيون لضغوط عائلية أو اجتماعية على خلفية امتلاكهم معلومات معينة.
- تراجع في مجال الشفافية والحصول على المعلومات بسبب غياب قانون الحق في الحصول على المعلومات.
وخلُص التقرير الصادر عن مدى، إلى توصيات عدة كان أهمها:
- ضرورة أن تتوقف الحكومة وأجهزتها الأمنية عن سياسة اعتقال وتوقيف الصحفيين، وأن تقوم النيابة العامة بالتحقيق الجدي في كل الشكاوى التي تتلقاها، وأن تحيل الملفات إلى السلطات القضائية المختصة.
- ضرورة أن تسارع المحاكم الفلسطينية في البت بالقضايا المتعلقة بحرية الصحافة وبوجود قضاة متخصصين والتي تتم فيها ملاحقة صحفيين على خلفية النشر وقيامهم بواجبهم المهني.
- تشكيل مجلس أعلى للإعلام مستقل عن الحكومة يضمن احترام حرية الصحافة وتنظيم وسائل الإعلام.
- ضمان حقوق كافة الصحفيين الذين أُغلقت المؤسسات الإعلامية التي يعملون بها، ومراجعة قانون الشركات بما يضمن وجود كفيل لحقوق العاملين في هذه المؤسسات في حال إغلاقها.
- إجراء انتخابات حرة ونزيهة لنقابة الصحفيين، وتفعيل دور النقابة في حماية حقوق الصحفيين باعتبارها الجسم الرسمي التنظيمي الممثل للصحفيين.
- مواءمة التشريعات المحلية مع المعايير الدولية المتعلقة بحرية التعبير التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها فلسطين.
- إلغاء أي تشريعات قانونية نافذة تتيح إغلاق المواقع الإلكترونية من دون حكم قضائي، وإقرار التشريعات الضامنة لحرية الصحافة وفقاً لما نص عليه القانون الاساسي الفلسطيني.
- إشراك الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، في أي نقاش رسمي حول تعديل القوانين المتعلقة بحرية الصحافة أو إصدار قوانين جديدة.
الرقابة الذاتية انتهاك أكبر
الرقابة الذاتية Self-Censorship هي النتيجة التي يصل لها الصحفي بعد انتهاكات عدة له وللصحفيين عموماً، فيتولَّد لديه هاجس الخوف من العواقب، يُصبح مراقباً لتصرفاته ومقيّداً لعمله الصحفي ومهنيته، يحيد عن دوره الأساسي بالبحث والاستكشاف ونشر الحقائق، فيتجه لدور العلاقات العامة والأخبار الإعلانية والدعائية.
في هذا السياق، أكدت دراسة للمركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى" ارتفاع نسبة الرقابة الذاتية في فلسطين، حيث يمارس حوالي 80% من الصحفيين الفلسطينيين الرقابة الذاتية على أعمالهم، بسبب ما يتعرضون له من مضايقات سياسية واجتماعية.
لماذا من المهم تسليط الضوء على الرقابة الذاتية؟
لفهم الأُسس والأسباب التي تقوم عليها، ومدى خطورتها على مهنة ورسالة الصحافة في العالم، وكيف يمكن للرقابة الذاتية "السلبية" أن تقود باتجاه إخفاء معلومات مهمة عن الجمهور، مما قد يؤثر على إدراك ما يحدث حوله ويؤثر على قراراته كالانتخابات على سبيل المثال.
وشدّد الأستاذ نشأت الأقطش، في جامعة بيرزيت، في دراسة له حول الرقابة الذاتية للصحفيين الفلسطينيين، على أن نتائج هذه الرقابة تتلخص في التالي:
- الرقابة الذاتية تؤدي إلى تشكيل قناعة مهنية لدى الصحفيين لا يمكن الخروج عن قواعدها؛ كمحدد مهني، فيتحول الصحفي إلى شخص نمطي لا يفكر خارج الصندوق.
- أسهمت الرقابة الذاتية في تدني مستويات المهنية والتأثير على المنظومة الإعلامية الفلسطينية وإخراجها من مفهومها الأساسي والنظري كسلطة رابعة. توازياً، قلما نجد تغطيات جريئة لقضايا حساسة، وإن وُجدت فإما أن يكون الصحفي عاملًا مع مؤسسة أجنبية توفر له غطاء الحماية، أو أن ينشر أعماله بأسماء مستعارة.
لذا من الضرورة للخروج من أزمة الرقابة الذاتية تحلِّي الصحفيين بالشجاعة ومواجهة الانتهاكات، بالتبليغ عنها، استثمار وسائل الإعلام الرقمية والتواصل الاجتماعي من أجل تشكيل رأي عام ضاغط باتجاه دعم الحريات وفضح الممارسات الخانقة، لا سيما على الصحفيين، كذلك أهمية التأكيد على احترام حرية التعبير مع الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمجتمعية.
روابط ذات صلة، إحصائيات وتقارير حول الانتهاكات والحريات الإعلامية:
التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2023 تقرير مراسلون بلا حدود
التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2022 تقرير مراسلون بلا حدود
تقرير الحريات الإعلامية والانتهاكات لعام 2022 "بيت الصحافة الفلسطيني"
الرقابة الذاتية تحد من تطور الإعلام "مدى"
تقرير الحرية في العالم 2023 "فريدرم هاوس".
تمّ إعداد الصورة الرئيسية على كانفا.