الفبركة الصحفية في الكتاب صفر.. كواليس وكوابيس!

30 oct 2018 dans أساسيات الصحافة

في الصحافة والإعلام لا صوت يعلو فوق صوت "الفبركة"، كل المنتديات والجلسات الصحفية والاعلامية حول العالم المعنية بمستقبل المهنة يتسيدها النقاش حول سبل مكافحة الأخبار الكاذبة بعد أن تحولت لظاهرة تؤثر سلبًا على المجتمع، وباتت مصداقية الاعلام والصحافة على المحك.

الصحفي محمد عبدالرحمن رئيس تحرير موقع إعلام دوت اورج قام بإصدار كتابه الأول "الكتاب صفر.. كواليس وكوابيس الفبركة الصحفية" عن نفس الظاهرة.

حاول عبدالرحمن أن يقدم من خلال فصول كتابه الستة صورة لحال الصحافة في العشرين سنة الأخيرة من واقع تجربته، والتي يُشرّح من خلالها المرض الذي أصاب الصحافة في مصر والعالم العربي وجعلها في هذا الوضع المتردي.

في هذا الكتاب المؤلف لا يعطيك النصيحة - على طريقة 5 قواعد للنجاح- لكنه يرسل رسائل هامة للصحفيين والاعلاميين من واقع تجربته، ويسمح لهم باستخراج القواعد بأنفسهم من بين السطور.

في الفصل الأول، "فبركة الزمن الجميل"، يتحدث الكاتب عن الفبركة الصحفية ما قبل عصر التكنولوجيا وظهور الانترنت، وكيف كان تزييف الأخبار والمواد الصحفية غير إبداعي، موضحًا أنه وقع نفسه في هذا الخطأ في بداياته.

يقول عبدالرحمن: لم أدرس قواعد التحقق من مصدرين على الأقل قبل النشر في كلية الاعلام، لكنني تعلمتها في أروقة القنوات والمواقع غير المصرية بعد التخرج بسنوات.

قسم الفبركة في عصر ما قبل الانترنت إلى: فبركة لمحتوى الخبر، فبركة للمصدر نفسه سواء باختلاق اسم وصفة غير موجودين، أو بكتابة تصريح على لسان مصدر متوفى كما سماها "تصريح خاص من المرحوم".

 تحت عنوان  "مقدمة في علم السبوبة" يطرح المؤلف أحد أهم أسباب انتشار الفبركة وهي "السبوبة" التي بدأت في مصر في منتصف الثمانينات -على حد تعبيره- وهي الحقبة التي تغيرت فيها ملامح الشارع الصحفي، بعدما فتح الباب لمكاتب الصحف العربية للعمل من القاهرة، وما صاحبها من مولد إصدارات صحفية جديدة بترخيص أجنبي، وخلق سوق موازية للسوق الصحفي النمطي الذي يضم الصحف القومية والحزبية.

بانتشار تلك الصحف والمكاتب ازدهرت الفبركة الصحفية بعدما صار الصحفي يعمل في عدة صحف بجانب صحيفته الأصلية، وكان الكثير يستغلون اختلاف جمهور وإدارات الصحف التي يعملون بها لينشروا موضوعًا واحدًا عدة مرات بنسخ معدلة، أو بطريقة السرقة الصحفية بنشر موضوعات صحفية لآخرين بعد تعديلها، وهو ما كان يصعب في عصر ما قبل جوجل اثباته إلا بالصدفة.

"62 ميسد كول" يتحدث فيه المؤلف من خلال ما مر به من تجارب عن قواعد التعامل مع المصدر من خلال نموذج الفنانين، والذي اختاره بحكم عمله في قسم الفن، وكيف يسيء بعض الصحفيين غير المثقفين أو المعنيين بصورة "سيلفي مع الفنان" للترويج لأنفسهم إلى المهنة.

في الفصل الأخير يطرح محمد عبدالرحمن أبرز عيوب المحررين الجدد أو راغبي دخول المهنة، ويؤكد على أن "فايسبوك" و "تويتر" أضرّا كثيرًا  بالجيل الجديد، ما لخصه بقوله إن هذا الجيل يظن أن الصحافة تبدأ من "انبوكس" رئيس التحرير وليس من التعلم في مقر الجريدة أو الموقع، فضلاً عن عدم إلمام هذا الجيل التكنولوجي إلا بقشور التكنولوجيا التي تسمح له بالتواجد لكنها لا تصنع منه صحفيًا الكترونيًا.

قسم عبدالرحمن المتدربين الصحفيين إلى عدة أنواع وقال إن أطرفهم المتدرب "الفتك" -بكسر الفاء- : يظن أنه أذكى من رؤسائه ويرسل مواد صحفية منسوخة بالحرف من مواقع إلكترونية أو صحف أخرى، وبرغم أنه يكشف سريعًا إلا أنه لا يتوانى عن الاستمرار في الكذب والفبركة والسرقة الصحفية.

واختتم الكتاب بعبارة تلخص المشكلة أن الأزمة الكبرى التي يعاني منها المستجدون في مهنة الصحافة هذه الأيام هي عدم معرفتهم أصلاً بقواعدها واصرارهم على تنفيذ قواعد أخرى صنعوها في خيالهم، أو تلقوها من آخرين لا يقلون سذاجة عنهم وتكون النتيجة دائمًا "محلك سر".

وتحدث  محمد عبدالرحمن عن أهم سبل مكافحة الفبركة الصحفية، قائلاً إن الحل لا بد أن يكون جذريًا، بمنع وصول التلوث الصحفي من المنبع بداية من أن تطبق الوسيلة الصحفية أو الاعلامية القواعد المهنية في سياساتها التحريرية، وأن تكون ذات القواعد حكمًا في اختيار المحررين بعيدًا عن المجاملات من خلال اختبارات مهنية تفرز المتقدمين للالتحاق بالمهنة ولا تبقي إلا على من يستحقون.

وأضاف رئيس تحرير "إعلام دوت اورج" أنه لا بد من استحداث وظيفة داخل وسائل الاعلام وعلى رأسها الصحف والمواقع "مراقب جودة صحفية"، على أن يتمتع شاغل الوظيفة بالخبرات التي تمكنه من تقييم المواد الصحفية والإعلامية المقدمة وفرزها، وتكون مهمته الأساسية هي فلترة تلك المواد واستبعاد المفبركة أو الكاذبة منها من خلال استخدام كافة الوسائل التكنولوجية المتاحة، مشيرًا إلى أن تطبيق كل ما سبق وغيره دون وجود عقاب رادع يقضي باستبعاد المفبركين أو مختلقي الأخبار يلقي بكل جهود مكافحة هذه الظاهرة في العراء.

الصورة الرئيسية لغلاف الكتاب.