تفرض طبيعة عمل بعض الصحفيين تغطية موضوعات خطرة وصادمة مثل جرائم القتل، وحوادث الانتحار، والطرق، أو التغطية المباشرة لعمليات انتشال ضحايا ومصابين، والتي تؤثر بدورها على صحتهم النفسية وذلك من خلال تراكم التعرض لهذه الموضوعات، وبالتالي يجب أن يعي الصحفيون دورهم جيدًا أثناء أداء مهامهم الصحفية، وأن يلجأوا إلى أخصائي نفسي إذا تفاقمت بعض الأعراض لديهم.
وتقدم "شبكة الصحفيين الدوليين" دليلاً يتضمّن نصائح طبية ومهنية للصحفيين الذين يقومون بتغطية هذا النوع من الموضوعات للحفاظ على سلامتهم النفسية، وذلك ضمن برنامج "المرونة"، بالتعاون مع منتدى باميلا هوارد لتغطية الأزمات العالمية.
أشار موقع "Psychenet" إلى أنّ الصدمة النفسية هي الإصابة الجسيمة التي تصيب الشخص، والتي قد تكون نتيجة حادث يشكل عبئاً نفسياً على الفرد مما يؤدي إلى إصابته بصدمة نفسية، وخصوصًا إذا لم يستطع تخطي المَوقِف بسهولة، أو في حالة عجز المتضررين عن التصرف، حيث يتولّد عن ذلك عبئاً نفسياً جسيماً وغالِباً ما يجد الإنسان نفسه عاجزاً تماماً أو يصيبه خوف شديد أو رُعب، وهناك اختلاف في الحوادث التي تُشكِّل عبئاً نفسياً على الفرد والتي قد يتضرر من جراء حدوثها، إذ قد يكون هو المتضرر من ذلك، أو قد تَتِم هذه الحوادث بحضوره (عند تقديمه للمساعدة على سبيل المثال).
وفي هذا الصدد، يقدم "مركز دارت للصحافة والصدمات" دليلاً للعناية الذاتية للصحفيين المعرّضين للصدمات النفسية، يتضمن الاستعدادات التي ينبغي أن يقوم بها الصحفيون قبل قيامهم بمهمة صحفية، وأثناء إجرائها، وبعدها للوقاية من الأزمات النفسية:
- قبل القيام بمهمّة صحفية يجب عليك اتخاذ التدابير الآتية:
-تحدّث مع رئيس التحرير أو مديرك في العمل عن الانفعالات والعواطف التي تجازف بالتعرض لها، وتعامل معها بجدّية.
-اتّفِق مع رئيسك أو مديرك على كيفية البقاء على تواصل بشكلٍ منتظم، لا سيّما إذا طرأت صعوبات شديدة.
-يجب إعلام زميلك في العمل أو أحد أفراد أسرتك بأي جديد يطرأ عليك.
-حافظ على علاقات الدعم الاجتماعية وعلى شبكات متينة من الزملاء.
-تعامل مع الأزمات كتحدّيات يمكن التعلّم منها، وحافظ على رؤية تفاؤلية للمستقبل ونظرة إيجابية إلى قدراتك.
-تذكّر أنّ تغطية الصحافة للصدمات أمرٌ مهمّ، فما تقوم به أساسي وجدير بالاهتمام.
-بالنسبة إلى المصوّرين والعاملين في هذا المجال: كونوا على إلمام بكيفية استعمال معدّاتكم. فالأعطال، أو عدم القدرة على إرسال الملفّات، ستزيد الظروف العصيبة سوءاً.
- أثناء إجراء المهمّة الصحفية:
-اعلم أنّ الشعور بالحزن والمعاناة هو ردّ فعل إنساني طبيعي، وليس نقطة ضعف، ومعظم الأشخاص يتعافون منه بسرعة.
-تأكّد من أنك تنال قسطاً كافياً من النوم وأنك تأكل وتشرب كميةً كافيةً من السوائل، فكل هذه العوامل يمكن أن تؤثّر على طريقة تقييمك وإصدارك للأحكام في عملك الصحفي.
-لا تفرط في تناول الأدوية من تلقاء نفسك، فالمبالغة في استخدام الأدوية مؤشّر على أنّك لست على ما يرام.
-مارِس الرياضة إذا أمكن. فمجرّد الخروج للمشي كفيل بأن يخفّف من المواد الكيميائية التي يفرزها الجسم عند الشعور بالتوتّر والإجهاد.
-خذ استراحات، وشجّع الآخرين على القيام بذلك، فمن شأن ذلك أن يساعدك على جمع المواد المتوفّرة لديك بشكل أفضل ويُمكّنك من التفكير بوضوح.
-اعترف بمشاعرك، فمن شأن الإقرار بما تشعر به أن يُغني عملك الصحفي ويساعدك على فهم الصدمة النفسية التي تختبرها.
-تحدّث إلى الآخرين، خصّص وقتاً للتفكير في ما شاهدته وطريقة تعاملك معه، وتحدّث عن ذلك مع زملائك إذا أمكن وشاركهم أفكارك.
-اتّصل بأهلك، وحافظ على التواصل مع أحبّائك وأقرانك، لا سيما خلال قيامك بمهمّات طويلة.
-اتّخذ قراراتك مباشرة من دون أن تُطلق فرضيّات حول ما سيحدث. وأعد التقييم في وقت لاحق إذا دعت الحاجة.
-لا تنظر إلى الصور البشعة مطوّلاً.
-اطمئن إلى صحة الآخرين في فريقك.
-اعرف ما هي حدودك وإمكانياتك، واطلب شخصاً ينوب عنك إذا دعت الحاجة.
-إذا كنت تشعر بالحزن والقلق، لا تُخفِ ذلك، فهذه ردود فعل إنسانية لا تنمّ لا عن الضعف، ولا عن قلّة الاحتراف، كما أنّ الإقرار بها لن يهدّد مسيرتك المهنية.
وبالنسبة للمصوّرين والعاملين في هذا المجال: تعوّدوا أن ترتّبوا معدّاتكم في نهاية كل نهار كنشاط لإزالة التوتّر والضغوط، وحافظوا على تواصلكم مع مقرّ عملكم، وكذلك مع زملائكم المصوّرين والعاملين في هذا المجال للحصول على الأفكار والملاحظات، ولا تفكّروا كثيراً في ما فاتكم من فرص.
وأشار الدليل إلى أن ردود الفعل التي تحدث للشخص جراء تعرضه للصدمة تدل على حاجة الشخص إلى الاستراحة، وإذا استمرت هذه الأعراض لفترة من 3 إلى 4 أسابيع وبشكل كبير فيجب الذهاب إلى أخصائي نفسي لتلقي العلاج.
- بعد تنفيذ المهمّة الصحفية:
-تحدّث مع شخص تثق به، اختر شخصاً يُحسن الإصغاء، ولا تكبت مشاعرك في داخلك.
-راقب أي ردود فعل قد تظهر في وقت متأخر، فقد تتفاجأ بظهورها في وقت لاحق.
-حافظ على روتينك اليومي وأنشطتك الاعتيادية، لكن من دون تسرّع، واعتنِ بنفسك.
تقول نهى لملوم صحفية ومدربة بشبكة مدربي "الاتحاد الدولي للصحفيين" بالشرق الأوسط على برنامج سلامة وأمن الصحفيين، ومؤسسة مبادرة "الأمان الرقمي والسلامة المهنية للصحفيين بالعربي" على فيسبوك لـ"شبكة الصحفيين الدوليين": "طبيعة عملنا كصحفيين تعرضنا في كثير من الأوقات للتعامل مع ملفات وقضايا تؤثر بشكل كبير على صحتنا النفسية، وليس بالضرورة أن تكون مراسلًا حربيًا أو تقوم بتغطية إحدى مناطق النزاع؛ فالتغطية الميدانية لحوادث الطرق أو التغطية المباشرة لعمليات انتشال ضحايا ومصابين، وتغطية أخبار جائحة كوفيد19 أو حتى التعامل مع موضوعات ذات طبيعة إنسانية يقترب فيها الصحفي من معنفين وناجين، تؤثر بدورها على صحتنا النفسية وذلك من خلال تراكم التعرض لهذه الموضوعات".
وتستكمل لملوم حديثها قائلةً: "يجب أن يدرك الصحفي طبيعة دوره ويحدد مسؤولياته في المهام الصحفية التي يغطيها، وأنه لا يملك العصا السحرية لإيجاد الحلول، لأن الكثير من الصحفيين يتكبدون عناء القضايا التي يتابعونها مما يصيبهم بالفشل والإحباط".
وتقدم مجموعة من الإرشادات للصحفيين أثناء تغطيتهم للموضوعات الخطرة، مثل:
-تحديد وقت محدد للمهام الصحفية المتعلقة بتغطية الموضوعات الخطرة حتى لا تتأثر صحتك النفسية.
-حدد دورك في المهمة الصحفية، فإذا كنت مصورًا صحفيًا، فعليك التقاط الصور ومغادرة المكان، أما إذا كنت صحفيًا تغطي الحدث؛ فكن على دراية بأنك ستكون عرضة لبعض التفاصيل المؤلمة، واحرص على عدم تعريض نفسك لأحداث مشابهة في فترات زمنية متقاربة.
-تقييم المخاطر الخاصة بسلامتنا النفسية من خلال تقييم بيئة العمل، والمخاطر المحتملة حتى يصبح الشخص مؤهلًا نفسياً لتغطية الحدث، وعلى وعي بأنه من المحتمل أن يشاهد أحداثًا عنيفة وصادمة.
- لا تخجل من الاعتذار عن المهمة الصحفية إذا كنت بحالة جسدية ونفسية غير جيدة.
- تجنب مشاهدة الأخبار العنيفة أو التعرض للصور والفيديوهات الصادمة خاصة قبل النوم.
وتختم لملوم حديثها معنا قائلةً: "يجب أن تقوم نقابة الصحفيين بدورها المنوط به لتقديم خدمات الدعم النفسي للصحفيين، وذلك من خلال عقد الدورات التدريبية التي تؤهلهم لمعرفة مخاطر مهنتهم، وكيفية التعامل مع اضطرابات ما بعد الصدمة، كما يجب توفير استشارات نفسية مجانية للصحفيين، وأن تكون هناك سياسات واضحة وبروتوكول لإدارة المخاطر النفسية والصدمات التي يتعرض لها الصحفيون".
وبالإضافة لما سبق، تقدم د.داليا الشيمي، مديرة مركز عين على بكرة للمساندة النفسية والتنمية الأسرية، ولديها أكثر من 20 عامًا من الخبرة في المجال النفسي بعض النصائح للصحفيين الذين يقومون بتغطية القصص الصادمة والمؤلمة، مثل:
-عمل تفريغ نفسي لإخراج الطاقة السلبية التي قد تملأ الإنسان مما يُسهم في التخفيف من حدة التوتر، والقلق، والتخلص تدريجيًا من الضغوط النفسية.
-المشاركة في مجموعات الدعم النفسي لأهميتها في تبادل الخبرات بين الأعضاء الذين تعرضوا لصدمات نفسية.
-ممارسة تمارين الاسترخاء.
-أن يحدد الصحفي مدى جاهزيته لتغطية الكوارث والأزمات، وغيرها من الموضوعات الخطرة وأن يتلقى التدريب النفسي لتجنب آثارها الجانبية، وعلى الصحفي أن يدرك أنّ الصحافة مهنة لها أعباء نفسية ضاغطة.
-أن يلجأ الصحفي إلى طبيب نفسي إذا استمرت بعض الأعراض لمدة أسبوعين أو 3 أسابيع، مثل تعرضه للأرق، أو نوبات الهلع.
إرشادات طبية للإجهاد النفسي بعد الصدمات
أشار موقع "كلايفلاند كلينك أبوظبي" إلى أنه لا يوجد علاج واحد فعال لجميع الناس؛ ففي حالة شعور المريض باحتمالية إصابته بالإجهاد النفسي بعد الصدمة، ينبغي عليه التحدث مع طبيبه أو مقدم رعاية الصحة النفسية لتحديد أفضل طرق العلاج المناسبة له، وهناك بعض الإرشادات الطبية التي يمكن للصحفيين الذين قاموا بتغطية القصص الصادمة أو المؤلمة تطبيقها لتجاوز أزماتهم بسلام، وذلك كما يلي:
- علاج المواجهة المُطول: يمكنك بدء هذا العلاج إذا كنت تعيش حالة خوف من الصدمة وتتفادى الأفكار، والمشاعر، والمواقف التي تذكرك بها. ويهدف هذا العلاج إلى تقليل شعور المريض بالخوف من ذكرياته، وتدريبه على كيفية السيطرة على أفكاره ومشاعره حيال الحدث المأساوي. ويعتمد أسلوب العلاج على العناصر التالية:
-التوعية وسبل العلاج.
-ممارسة تمارين التنفس التي تساعدك في التعامل مع حالة القلق.
-التدريب على التعامل مع مواقف حياتية مرتبطة بالصدمة.
-أن تتحدث باستفاضة عن تجربة الصدمة.
- المعالجات السلوكية المعرفية: تساعد هذه المعالجة على تحكم المريض بالأفكار والمشاعر المزعجة، وتُكسبه القدرة على تفهم الصدمة وآثارها بشكل أفضل، وذلك من خلال: أن يقوم المعالج النفسي أو الطبيب النفسي بمراقبة أفكار المريض ومشاعره لمساعدته في تغيير نظرته لنفسه، ولغيره، وللعالم، إضافة إلى تطوير مهاراته لمساعدته على تغيير الأفكار الهدّامة التي تعيق شفاءه، وإعادته لمبادئه التي تزعزعت نتيجة الصدمة، مثل الشعور بالأمان والثقة بالنفس والآخرين وتقدير الذات.
- إعادة البناء المعرفي: يساعد هذا العلاج في تحديد أنماط الأفكار غير السوية والاعتقادات الناجمة عن الصدمة ومن ثم تغييرها، ويمكن للصحفيين تطبيق هذا النهج من خلال استخدام مفكرات يومية لتدوين أفكارهم وأحاسيسهم، وعليهم أن يتعلموا سُبل التعامل مع مشاعر الغضب والذنب والخوف، وغالبًا ما تتحسن أعراض الصدمة لديهم بعد أن يدركوا المفاهيم المتعلقة بالصدمة ويعملوا على تغييرها.
- إبطال التحسس وإعادة المُعالجة بحركات العين: هي عبارة عن طريقة مُعالجة تجمع بين عناصر طريقتي العلاج بالمواجهة والعلاج المعرفي، ويعتمد هذا النهج العلاجي على استخدام طريقة معالجة الدماغ للمعلومات للتخلص من ردود الفعل الناجمة عن الصدمة. وتركز جلسات المعالجة على مساعدة الأشخاص على التفكير بالحدث، وتحديد الأفكار السلبية المرتبطة به، والتفكير بالنواحي الايجابية، وتحريك العين من جانبٍ لآخر بصورة سريعة، مع التركيز على الصدمة المُراد علاجها. وتستخدم هذه المعالجة دومًا الأصوات إلى جانب الطرق الأخرى التي تعمل على تفعيل التحفيز في نصفي الدماغ والتي أثبتت أنها على الدرجة نفسها من الفعالية في علاج الحالة.
وهناك بعض الإرشادات الطبية التي أشار إليها موقع "webteb" للتغلب على اضطرابات ما بعد الصدمة من ضمنها:
- قم بممارسة التمارين الرياضية.
- تناول نظامًا غذائيًا متوازنًا.
- اتبع أسلوب حياة صحي للتغلب على اضطراب ما بعد الصدمة.
- تجنب أي شيء يمكن أن يجعل التوتر أو القلق أسوأ.