دروس من مركز التوجيه: كيف حقق مشروع "أقواس" النجاح؟

26 janv 2023 dans استدامة وسائل الإعلام
صورة

عندما لمعت في مخيلتي فكرة إنشاء موقع محلي يجمع مختلف المعطيات والمعلومات والأخبار عن المنطقة التي أعيش فيها في الجزائر، كل ما سيطر على تفكيري آنذاك هو كيف أجسد الفكرة. لم يخطر ببالي البعد الاقتصادي للموضوع، وأقصد بالبعد الاقتصادي هو استدامة هذه الوسيلة، وكان هذا الأمر من بين الدروس المهمة التي ترسخت في ذهني خلال تجربتي مع مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة.  

فقد تخطر ببالك فكرة محددة وتباشر في تنفيذها وتلقى المساعدة اللازمة لتنطلق لكن، هل خططت فعلًا لتستمر؟  

رغم انطلاق مشروع أقواس نت الإعلامي بقوة عام 2017 وفي فترة قصيرة أثبت وجوده كإعلام محلي يرصد وينقل ما يحدث في المنطقة، إلا أنه عرف فترات صعبة من المد والجزر نظرًا لاختلاف العمل الإعلامي عن إدراة مشروع إعلامي وكذلك نقص الجهات المختصة للاستشارة في مجال إدارة المشاريع الإعلامية في المنطقة التي أعيش فيها، وهذا ما جعلني أكتسب معلومات من خلال العديد من الأخطاء التي مررت بها، من تأسيس الموقع إلى تكوين الفريق، إلى وضع خطة للاستمرار، إضافة إلى كيفية إدارة العمل في وقت الأزمات مثل كوفيد 19. وجاءت تجربة مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة في الوقت المناسب من أجل إعادة بعث المشروع وإنعاشه ووضعه على المسار السليم، لينطلق ويصمد.    

أول ما تتعلمه وقبل ولوجك إلى برنامج مركز التوجيه، هو طريقة التقديم للبرنامج، فخلال ملء استمارة التقديم عليك أن تكون واضحًا بشأن فكرة المشروع، والهدف منه، ويُطلب أيضًا أن تكون واضحًا مع نفسك بخصوص هدفك من المشاركة وتفرغك لها، وهذا الالتزام بحد ذاته لبنة أساسية نحو تطوير مشروعك.  

الفرق بين المشروع الإعلامي والمشروع التجاري: اعتقدتُ في بداية الأمر أنّ تنفيذ مشروعي الإعلامي يقتصر فقط على خدمة المجتمع والصحافة الحرة، وركزتُ على التغطيات الإعلامية، لكن عند إتلاف أي وسيلة من وسائل العمل كاكاميرا أو بطاقة الذاكرة  أو حتى الموبايل الشخصي، وعند احتياجك لضمان اجتماعي لأحد العاملين معك، يصفعك هذا الواقع لتعيد التفكير في خطواتك في هذا المشروع، فالمشروع الإعلامي لا يختلف عن أي مشروع  تجاري آخر، وهو يحتاج إلى رأسمال ولفريق عمل محمي قانونيًا ومؤمن اجتماعيًا، ويعتمد المشروع على خطط لجني مداخيل تضمن له الاستمرارية، وهذه النقطة التي لم تأخذ حيزًا كبيرًا في خطة عملي وأدت إلى توتر واهتزاز في سير المشروع. صحيح أنّ التركيز على تقديم محتوى جيد هو هدف المشروع لكن لا بدّ من وضع أهداف مادية تسند المشروع.  

تعلمتُ كيف أؤسس للمشروع: ينطلق كل مشروع من فكرة ولكن ليست كل فكرة تصلح لأن تكون مشروعًا، الشغف لا يكفي وحده، قد يدفعك للتهور والدخول في عالم المشاريع، لكن إن لم يكن هناك تأسيس لهذا الشغف ودراسة الاحتياجات التي باستطاعته تلبيتها، قد يبقى مجرد حالة ظرفية تنتهي بمجرد اعتقادك أنك حاولت، وفي أسوأ الحالات قد يصيبك الإحباط وتلقي اللوم على كل من حولك إلا نفسك. وقد أثبتت الدراسات أنّ مشروعًا واحدًا من بين تسعة مشاريع قابل للاستمرار.  

لهذا وجهنا المختصون بمركز التوجيه للمبادرات الناشئة لطريقة تحويل الفكرة إلى مشروع وذلك من خلال: 

تحديد الهدف الرئيسي للمشروع، وضرورة معرفة جمهورك والفئة المستهدفة بشكل دقيق، ومن خلاله تقوم بتحديد الأنشطة الرئيسية للمشروع، بالتالي تتمكن من رسم خطة للمشروع ومعرفة احتياجاته المادية والبشرية. ويفضل استشارة مختصين في المجال للمساعدة مثل محاسب مالي مثلًا. ويمكن الاستعانة بنموذج تصميم المشروع، وهو متاح على الإنترنت.  

الاهتمام بالعلامة التجارية لمشروعك، أو ما تعرف بالبراند، وهذا بهدف التميز ويكون من اختيارك لاسم المشروع ثم تصميم الشعار إلى طرق الترويج له.  

دراسة الجانب المالي للمشروع وطرق الحصول على تمويل، لعلّ من أكثر المحاور التي أرقتني في المشروع، والتي كادت أن تؤدي إلى نتائج وخيمة، عدم اطلاعي الكافي وفهمي لإدارة الجانب المالي في المشروع، بداية من تحديد الميزانية اللازمة إلى طرق الحصول على التمويل، ومن خلال خبراء مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة والويبينارات المقدّمة فيه، تطرقنا بشكل محدد إلى معرفة  تحديد الإطار المالي للمشروع، سواء كان المشروع بودكاست، أو تصوير قصصي، أو تحقيق استقصائي. كل مشروع له احتياجات مادية وبشرية، والمطلوب منك كمدير للمشروع أن تحدد هذه الاحتياجات بدقة، بالإضافة إلى معرفة حصرها في جدول احترافي واضح، لتكون على دراية بحيثيات المشروع وتسهل عملية توصيل الفكرة للمستثمر أو للجهة الممولة.   

إلى جانب ما تقدّم، يجب وضع خطة واستراتيجية بحيث يكون للمشروع عائدات مادية ليدعم نفسه بنفسه في حالة غياب التمويل.  

تكوين فريق العمل، حتى وإن كنت تجيد فعل كل شيء لوحدك، يحتاج المشروع لفريق عمل من أجل الاستمرار، لهذا فإنّ تقسيم المهام يساعد في إتقان العمل في وقت مريح. لذلك اختيار فريق العمل يكون بناءً على دراستك الدقيقة لمشروعك، وهذا لا يعني أنك ستلقي بكافة المهام عليهم، بل على العكس ستعمل غالبًا بشكل مضاعف لأنك تسعى لنجاح مشروع بوجودهم، فستفكر في استقرارهم واستدامة المشروع.  

الاطلاع على خبرات وتجارب الآخرين، يعتبر هذا الأمر هدية مشاركتنا في برنامج مركز التوجيه، فليس هناك أفضل من أن تتعلم من تجارب الآخرين بأخطائهم ونجاحاتهم، وخاصة كيف تغلبوا على تحدياتهم، ولأنّ المركز يجمع بين مشاركين/ات من مختلف الدول فتسنى لنا مشاركة تجاربنا وتحدياتنا، واستفدنا من النصائح التي وجهت لهم. فمعرفة أنني لست الوحيدة التي تعيش مغامرة إدارة مشروع إعلامي، ووجود نساء أخريات في المجموعة، أعطى نوعًا من الدفع المعنوي والسند أيضًا. فرغم اختلاف البيئة وجدنا نقاطًا مشتركة بيننا، في البحث عن ممولين، والتوتر الذي يصاحبنا فيما إذا كنا اتخذنا القرار الصحيح أم لا، وبقينا على تواصل حتى بعد الجلسات التدريبية من أجل التشاور والحديث عن مشاريعنا وسبل تطويرها. 

كيف استفاد مشروعي؟

منذ بداية الجلسات مع الموجهين في برنامج مركز التوجيه رمزي تسدل وأحمد عصمت، بدأت في إعادة بناء المشروع مجددًا،  خصوصا وأنه كان في أصعب حالاته، فكانت البداية على ورقة بيضاء مع مراعاة التجربة وما مررنا به سابقًا، فحددت من جديد من نحن وماذا نقدم، وأرسيت نموذج الأعمال الخاص بنا، ألممت قدر الإمكان بكل جوانب المشروع، وأعطيت كل محور حقه من الوقت في الدراسة، مثل أنشطة المشروع الرئيسية خاصة تلك التي لها عائدات مادية، الاحتياجات المادية والبشرية وطريقة تكوين فريق الذي يدفع بعجلة المشروع للأمام، وبفضل توجيهات المدربين، أعددت مسودات لمقترح تمويل، إلى أن أصبت، وتوجهت بالمقترح لعدة جهات ممولة، ونحن في مراحل متقدمة من أجل عقد شراكات.   

 بعد نهاية البرنامج، يبدو مشروعي وكأنه خرج من غرفة إنعاش، بطاقة متجددة وصورة أوضح على استعداد للمواصلة وخوض المغامرة.  

واليوم أنا ممتنة لهذه الفرصة التي بفضلها استطعنا الحصول على منحة من الصندوق الأوروبي للديمقراطية، ما ساعدنا على إطلاق مجموعة من الدورات التكوينية لفائدة المهتمين بالصحافة من الفتيات والشباب في المنطقة ستدوم لمدة 12 شهرًا، واستقبلنا عشرات الطلبات للمشاركة، كما تمت دعوتنا لتغطية أهم الأحداث الدولية في المنطقة، مثل الملتقى الدولي حول الإمام الشيخ المغيلي وهو من أبرز علماء المنطقة وله صيت إفريقي، وكذلك ليالي مسرح الصحراء الدولية التي كنا فيها  شريكًا إعلاميًا واكب الحدث من بدايته لنهايته، وقريبًا سنعقد شراكة مع منتدى مسار للصحفيين والإعلاميين الجزائريين من أجل فتح دورات تكوينية في الصحافة والإعلام.  

الصورة الرئيسية لحنان بطاش خلال تغطية إعلامية.