يُعرّف المونتاج بأبسط صورة له بأنه فن تجميع وترتيب المحتوى بأشكاله داخل توليفة متناسقة في إطار زمني محدد، وهناك أبعاد أخرى لتلك العملية التقنية وترتبط بإمكانية محرر الفيديو (المونتير) في إعادة صياغة حبكة العمل وضبط إيقاعه وزرع مضامين مباشرة وغير مباشرة.
وخبرة المونتير وقدرته على خلق عناصر الجذب والتأثير، هي عوامل تؤثر على احترافية المونتاج، بالإضافة إلى مدى إدراكه للسيناريو وللرسائل التي يسعى المخرج لإيصالها إلى المشاهد، إما في دور السينما أو عبر التلفاز أو بمنصات التواصل الاجتماعي، وعلى إثر ذلك يصف البعض المونتير بـ"المخرج الثاني".
وتتمثل وظيفة المونتير في إيجاد أفضل إخراج لخليط من الفيديوهات والصور والأصوات وخلق الإحساس المطلوب، ليروي القصة بأكثر الطرق وضوحًا وجمالًا لعين المشاهد، مع تحقيق أعلى درجات الجذب للمحتوى.
ويعد المونتير من أكثر الأعمال التي تحتاج للموهبة والمهارة والشغف، ويجب أن يتمتع بقدرة عالية على التخيّل والإبداع وبثقافة عالية متنامية، وفق ما تحدث المونتير ومصمّم الموشن جرافيك محمد اللوح لـ"شبكة الصحفيين الدوليين"، ورأى أنّه "يجب أن يمتلك المونتير القدرة على توظيف المهارات والأساليب في عمليات الإنتاج كالقدرة على تحديد القَطع المناسب للقطات وتحديد الزمن الأنسب لكل لقطة وتجنب الإطالة الزائدة وصناعة أفضل انتقال بين اللقطة والأخرى بطريقة متناسبة ومتناغمة".
بالإضافة إلى ذلك، والحديث للوح "على محرر الفيديو اختيار البرنامج الأنسب للعمل، وكيفية ضبط أشكال الانتقالات بين اللقطات، ووضع التأثيرات على الفيديو بأكثر الطرق جمالية، وصولًا لتقديم وإخراج الفيديو بالصيغة المناسبة للعرض والنشر".
ويقسم اللوح أنواع المؤثرات التي يمكن استخدامها في المونتاج، إلى قسمين:
أولًا، المؤثرات البصرية وهي مجموعة من العمليات التي تُضاف وتُصنع من خلالها المشاهد خارج نطاق التصوير الحي عبر إضافة مشاهد وعناصر صناعية باستخدام تقنيات الجرافيك المعروفة اختصاراً بـ (CGI)، بهدف خلق مشاهد كاملة إنتاجيًا وبصريًا.
ثانيًا، المؤثرات الصوتية التي يستفاد منها بتعزيز المحتوى الفني والمشاهد في الفيديو، عن طريق إضافة أصوات ومؤثرات خارجية مصطنعة مسبقًا.
والأصوات تلك تختلف ما بين أصوات لكائنات حية (للبشر أو الحيوانات) مثلًا، أو للبيئة كـ(الرياح أو حركة الأشجار)، أو صناعية تنشأ من استخدامات الإنسان اليومية كـ(طرق الأبواب) أو تأثيرات موسيقية لإضفاء الواقعية والجمالية.
ويربط اللوح استخدام المؤثرات بعدة أسباب، أبرزها التأثير المباشر لمشاعر المتلقي وإيصاله إلى حالات عاطفية معينة والتي تتم إما عن طريق المؤثرات البصرية أو الصوتية على حدٍ سواء.
ويضيف اللوح: "المؤثرات تلك تعكس الحالة التي تمثلها اللقطات من حزن أو فرح أو هدوء أو غضب، من خلال عمليات صبغ اللقطات بألوان معينة أو استخدام مؤثرات خاصة تعزز من تأثر المشاهد بالمشاعر المرافقة للقصة".
ومن الظروف التي تدفع لاستخدام المؤثرات عدم إمكانية التصوير أو التكلفة العالية لتصوير المشاهد المطلوبة، فتتم الاستعاضة عنها باستخدام المؤثرات البصرية المعالجة حاسوبيًا لتكلفتها القليلة نسبيًا وانتشارها الواسع.
ويتطرق اللوح في ختام حديثه إلى أبرز الفروق بين المونتاج للسوشيال ميديا، والمجالات الأخرى الإخبارية والبرامجية والدرامية، موضحًا أنّ "عملية المونتاج تتميّز بأنها (الفن الذكي) إن جاز التعبير، فهي تعكس لكل مجال هويته الخاصة والتي تتميز به كل عملية مونتاج عن الأخرى، ولكل مجال من هذه المجالات خصائصه وقواعده الإنتاجية".
وما يميّز عملية المونتاج الخاصة بالسوشيال ميديا هو قصر مدة الفيديو والبساطة والجمالية في العرض، وسهولة تلقي المشاهد لها والتحرر من أغلب القواعد التي تتقيد بها عمليات المونتاج للمجالات الأخرى.
وعملية تحرير الفيديو كغيرها من الأعمال التي واكبت التغيير الذي فرضته السوشيال ميديا اليوم كلغة وأداة تواصل جديدة في العالم.
وتمثلت تأثيرات عصر الإعلام الرقمي على المونتاج باتساع الأنواع والخدمات المطلوبة لمنصات التواصل، وكذلك بتطويع جميع أنواع المونتاج للتخصصات الجديدة وتقديمها للمشاهد بأبسط وأجمل طريقة ممكنة.
وفي الموضوع نفسه، يقول المونتير أنس الخطيب لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إنّ عملية المونتاج في عصر الإعلام الرقمي خرجت من قالب قص وترتيب اللقطات والمشاهد وفق تتابع زمني، إلى مفهوم أكثر شمولية وإبداعًا، بفضل الإمكانيات غير المحدودة من الأدوات الاحترافية والبرامج المساعدة.
وعملية المونتاج الناجحة ترتبط في ثلاثة معايير، الأول بتحويل الأحداث الطويلة إلى مادة قصيرة المدة مع الحفاظ على تكامل الفكرة والأهداف، ثم الانتقال السلس بين المواضيع واللقطات، وثالثًا بالدمج المرن للمؤثرات الصوتية والبصرية.
ويشير إلى أنّ المؤثرات الحديثة تفيد بتصحيح أخطاء التصوير، ومعالجة العيوب الموجودة في المحتوى، بالإضافة إلى جذب انتباه الجمهور بصورة أكبر وإضفاء التشويق والإثارة خاصة في زخم الأعمال المعروضة على منصات التواصل.
وغالبًا ما تتراوح مدة الأعمال المرئية المخصصة للتواصل الاجتماعي بتصنيفاتها المتعددة ما بين 5-15 دقيقة تزيد أو تنقص عن ذلك بقليل، مما يتطلب من المونتير سرعة في الأداء وقدرة على الإنجاز تحت الضغط إن كان العمل المراد طارئًا.
ومن واقع تجربته يرى الخطيب أنّ "اللمسات الإبداعية والخيال الواسع والاستعداد الذاتي للتجربة والتطوير مرة بعد أخرى، خصائص ذاتية وفنية يجب أن تكون حاضرة على الدوام عند المونتير، بالإضافة إلى دقة الأداء والتجاوب السريع إن تتطلب الأمر".
ويفرض التعامل مع الأعمال الخاصة بالسوشيال ميديا على محرر الفيديو تحديات عدّة، أبرزها:
- تقييد الوقت حسب السياسات الخاصة بكل منصة، فما يصلح للعرض على فيسبوك أو سناب شات قد لا يصلح لتويتر أو تيك توك، وهذا الاعتبار يضع المونتير أمام تحدي تعزيز عناصر الجذب والتأثير وخلق المحتوى المتخصص.
- خصائص الجمهور المتباينة عمريًا ووظيفيًا، الأمر الذي يتطلب فهمًا لواقعهم المشترك بهدف توسيع دائرة النشر والاستهداف المباشر أو عبر الطرق المدفوعة.
-
عدم ثبات مقاسات العرض والطول الخاصة والتغيير بين الحين والآخر، مما يؤثر سلبًا أحيانًا على حجم اللقطات وزوايا التصوير.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على بيكسيباي