الحق بالوصول للمعلومات في الأردن وفلسطين.. تحديات وشهادات صحفيين

par شفاء القضاة وعبدالرحمن محمود
7 févr 2022 dans حرية الصحافة
صورة

يهدف الحق في الوصول الى المعلومات المنصوص عنه في عدد من الصكوك الدولية، لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلى تحقيق أهداف مهمّة أبرزها تأمين الحقّ في التعبير، وتعزيز الممارسة الصحيحة للديمقراطية، المساهمة في تطوير مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة، مكافحة الفساد، وتعزيز النزاهة، وتطبيق أعلى معايير الشفافية بحسب منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو).

في هذا الإطار، بحثت شبكة الصحفيين الدوليين عن مدى قدرة الصحفيين والصحفيّات استخدام هذا الحق في بلدين عربيين هما الأردن وفلسطين، بعد مدّة من نشر تقرير حول جهود قام بها صحفيون وناشطون في العراق من أجل إزاحة العوائق التي تحدّ من استخدام هذا الحق، واضعين مسودّة لقانون يضمن حق الحصول على المعلومة، من أجل وضع البرلمان العراقي أمام مسؤولياته التشريعية.

بالعودة إلى العام 2007، يتبيّن أنّ الأردن سنَّ قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، ليكون بذلك أول قانون من نوعه في العالم العربيّ، وعلى إثره تشكّل مجلس المعلومات، وتقوم مهمته على ضمان وصول المعلومات إلى المتقدمين بطلبات الحصول على المعلومات ومتابعة الشكاوى المُقدمة منهم في حال عدم الحصول على رد؛ إذ أنَّ لكل أردنيٍّ الحق بالحصول على المعلومات التي يطلبها؛ وفقًا للقانون.

يمنح القانون الجهة التي يُقدم الطلب لها مهلة 30 يومًا للرد على مُقدّم الطلب بإعطاء المعلومات أو رفض ذَلك، وفي حال تم الرفض فعليها توضيح السبب، إذ أنَّ هناك معلوماتٍ لا يتم التطرّق لها والمصنفة على أنها سريّة، ولم يضع القانون أي عقوبات قانونية أو إدارية أو مسلكية على الأفراد (المصادر) إذا قدموا معلومات، غيرَ أنّ المادتين (14) و (15) من قانون حماية أسرار ووثائق الدولة نصّت على عقوبات يمكن استخدامها لتجريم مصادر المعلومات.

يتمّ تسليم الطلبات إلى "منسق المعلومات" في كل مؤسسة، والذي بدوره يتابع الطلب والحصول على المعلومات، وفي حال رفضت المؤسسة إعطاء المعلومات، يتمّ تقديم شكوى إلى مجلس المعلومات بعدَ مضيّ 30 يومًا من تقديم الطلب، ويقوم المجلس برد الشكوى أو الحصول على المعلومات المطلوبة خلال 30 يومًا وبعد عقد جلسةٍ لمناقشة ذَلك.

وعدّت مهلة الثلاثين يومًا طويلةً بالنسبة للعديد من الصحفيين الذين يحتاجون للمعلومات بشكلٍ عاجلٍ ويوميّ؛ لذا كان هذا واحدًا من التعديلات التي وافق عليها مجلس الوزراء الأردنيّ عام 2019 لمشروع قانون معدل لقانون ضمان حق الحصول على المعلومات لسنة 2019، تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب وإقراره وفق الأصول الدستورية.

وتضمّنت التعديلات تخفيض مدة الإجابة على الطلب من 30 يوماً إلى 10 أيام عمل فقط، بالإضافة إلى أن تشكيلة مجلس المعلومات شهدت توازناً بين التمثيل الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك بإضافة نقيبي الصحفيين والمحامين، وممثلين اثنين عن مؤسسات المجتمع المدني، إلا أنَّ مجلس النواب الأردنيّ لم يناقش التعديلات حتى الآن.

وتشمل المعلومات المطلوبة كافة أنواع المعلومات؛ سواءً كانت رقمية أو تحليلية أو توضيحية ويمنع القانون الكشف عن المعلومات في عددٍ من الحالات، من ضمنها؛ الأسرار والوثائق المحمية بموجب أي تشريع آخر، والوثائق المصنفة على أنها سرية ومحمية والتي يتم الحصول عليها بالاتفاق مع دولة أخرى، والأسرار الخاصة بالدفاع الوطني أو أمن الدولة، أو سياستها الخارجية، والمعلومات التي تتضمن تحليلات أو توصيات أو اقتراحات أو استشارات تقدم للمسؤول قبل أن يتم اتخاذ قرار بشأنها، والمراسلات والمعلومات المتبادلة بين الإدارات الحكومية المختلفة حولها. إضافةً إلى المعلومات والملفات الشخصية المتعلقة بسجلات الأشخاص التعليمية أو الطبية أو السجلات الوظيفية أو الحسابات أو التحويلات المصرفية أو الأسرار المهنية، والمراسلات ذات الطبيعة الشخصية والسرية سواء كانت بريدية أو برقية أو هاتفية أو عبر أي وسيلة تقنية أخرى مع الدوائر الحكومية والإجابات عليها.

ويعاني كثيرون من صعوباتٍ تتمثل بعدم الوصول إلى المعلومات أو الحصول عليها منقوصة أو التأخر في تسليمها لهم، أو الطلب المتكرر بإعادة إرسال الطلب، أو عدم إدراك العاملين في المؤسسات لهذا الحق وبالتالي صعوبة الوصول إلى منسق المعلومات أو إضاعة المسؤول للطلب وعدم تذكّره إلا في حالات إلحاح الصحفيّ المتواصل عليه أو طلب تغيير الأسئلة؛ كما تقول في حديثٍ لشبكة الصحفيين الدوليين الصحفيّة روان نخلة التي تقدّمت بأكثر من 30 طلب حصولٍ على المعلومات خلال 4 سنوات.

تعمل نخلة كصحفية مستقلة وتتعاون مع عددٍ من المؤسسات مثل صوت، وشبكة أريح للصحافة الاستقصائيّة، ومنظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان (JHR)، مما دفعها للتقدم للعديد من الطلبات باسم هذه المؤسسات نتيجة إنجازها للعديد من التقارير والأبحاث، وعلى الرغم من وضوح طلبها وأسئلتها إلا أنها عانت بتجاوب المؤسسات معها؛ على حدّ وصفها.

وتضيف أنها تلجأ للطلبات إذا ما رفض الناطق الإعلاميّ للمؤسسات تزويدها بالمعلومات أو طلب منها تقديم طلب، وذلك بعد تفتيش الانترنت وصفحات المؤسسة عن المعلومة التي ترغب بمعرفتها والتي غالبًا لا تجدها، مضيفةً أنّ "الحصول على المعلومات هدفه توثيقي بأنني قمت بكل محاولاتي لتوثيق الطلب، وأحيانًا أحتاج لمعلومات حقيقيّة وتفصيليّة".

وفي الوقت ذاته ينشط مركز حماية وحريّة الصحفيين في متابعة تعديلات القانون ورصد الحالات المتعلقة بتقديم الطلب، وعمل ضمن مشروع "اعرف" مع 23 وزارة ومؤسسة عامة على تطوير ومأسسة إجراءات حق الحصول على المعلومات في آليات عملها، بالإضافة لإصدار أكثر من دراسة متخصصة بالقانون، كان آخرها دراسة "الجواب المفقود" التي تناولت جودة المعلومات.

نقاط ضعف القانون في الأردن

من جانبه، يقول منسّق وحدة الأبحاث في المركز إسلام البطوش لشبكة الصحفيين الدوليين إنَّ المركز قد سجَّل ملاحظات عديدة على نقاط ضعف القانون مثل أنه لا يملك صفة السمو على القوانين الأخرى، فقد ورد بالقانون ما ينص على احترام التشريعات القانونية الأخرى المتعلقة بالمعلومات، وهذا يعني إفقاد القانون لقوته، فلم يعد قانونًا خاصًا يطبق ويقدم على ما عداه.

ويتابع أنَّ القانون توسّع في الاستثناءات والقيود المفروضة على حق الحصول على المعلومات، فالمادة 13 منه تنصّ على تسعة بنود يمنع الكشف عنها ويلاحظ أن هذه الاستثناءات توسعت في حماية الوثائق والمعلومات أكثر بكثير مما قصدت إليه المعايير الدولية والمتمثلة بالأمن القومي، والعلاقات الدولية، والصحة والسلامة العامة والتحقيق، والخصوصية للمصالح الاقتصادية والتجارية، والخصوصية الفردية، وحماية القضاء، وأيضًا فيما يتعلق بالمصلحة المشروعة أو السبب المشروع، فقد اشترط المشرع وجود مصلحة مشروعة أو سبب مشروع لدى طالب المعلومات، وأبقى صلاحية تحديد المشروعية وأسبابها مفتوحة بدون بيانها في مواد القانون، وهو ما يمنح الحق برفض طلب الحصول على المعلومات لكلّ من يطلبها تحت هذا التقييد الفضفاض.

ولا يملك مجلس المعلومات صلاحية إلزام المؤسسات العامة بإجابة طلبات المعلومات، وانتهاءً بتصنيف وفهرسة الوثائق، فالقانون اشترط أن تقوم المؤسسات العامة بتصنيف المعلومات وأرشفتها وفق معطياته، بحسب البطوش.

التوصيات:

  • إلغاء احترام التشريعات القانونيّة الأخرى بالمجمل، واستبدال ذلك بعبارة "على الرغم مما ورد في أي قانون آخر تطبق أحكام هذا القانون".
  • تخفيض المهلة من 30 إلى 10 أيام.
  • إتاحة المعلومات للأفراد بدون معيقات وفي كل الظروف.
  • تأهيل وتدريب موظفي المؤسسات العامة للتعامل مع طلب الحصول على المعلومات ومعرفة مهام مسؤول المعلومات.

تحديات في فلسطين

على الرغم من إعلان الحكومة الفلسطينية في مناسبات عدّة أنها مستعدة للمباشرة بإجراءات إقرار قانون حق الحصول على المعلومات وفق أسس قانونية معتمدة، ومع وجود اتفاقيات دولية موقعة في هذا المجال باعتباره أحد المتطلبات الفلسطينية، إلا أنه لم يتم إقراره حتى وقتنا هذا كقانون.

وتقول الصحفية ليندا ماهر الشويكي لشبكة الصحفيين الدوليين: "المفارقة العجيبة أن تتغنى الحكومات بحرية الرأي والتعبير بدون إقرار حق الحصول على المعلومات الذي يعدّ تطبيقًا أساسيًا وأوليًا لحرية الرأي والتعبير والذي يضمن حرية العمل الصحفي والحريات العامة".

ومن واقع تجربتها في العمل الاستقصائي على مدار أكثر من 5 أعوام، تضيف ماهر: "العاملون في مجال التحقيقات الاستقصائية هم أكثر من يواجهون صعوبة وقيودًا في حرية الحصول للمعلومات، التي تمنعنا من أن نمارس حقنّا الصحفي والولوج إلى الحقيقة".

وبناء على شهادات عدد من الصحفيين، فمن النادر توفر المعلومات على شبكة الانترنت أو إتاحة الوصول لها بدون تعقيدات، وأحيانًا يكون جزءًا منها منقوصًا، كأن تتوفر بعض التقارير لسنوات معينة موجودة وأخرى غير موجودة.

ففي تشرين الأول/أكتوبر 2021، تعطّل الموقع الإلكتروني الخاص بـ"ديوان الرقابة المالية والإدارية"، بعدما رصدت وسائل إعلام محلية شبهات فساد في مواضيع تتعلق بعمل السلطة والحكومة، تضمّنها التقرير السنوي الذي أصدره الديوان عن سنة 2020.

وأثار التعطل المفاجئ للموقع استغراب وتساؤلات الصحفيين، خاصة وأنه عاد للعمل بعد بضع ساعات، ولكن بعدما جرى حذف التقرير السنوي الذي وثق التجاوزات التي ارتكبتها مؤسسات السلطة الفلسطينية في ملفات عدّة.

وتعلّق ماهر: "الكثير من المعلومات التي نحتاجها تكون ضمن إطار طلب الوصول للمعلومات، هذا الأمر يعود دون أن نحصل على ما نريد ومن غير تطبيق له مما يجعلنّا لا نمارس دورنا الصحفي الاستقصائي بسهولة ويتطلب منّا الأمر الكثير من المجهود والمتابعات مع الجهات المسؤولة والتي في معظم الأوقات لا نحصل على ردود أو معلومات منّها، تحت حجج كثيرة".

وخلال إعداد ماهر لأحد التحقيقات لصالح شبكة أريج للصحافة الاستقصائية، أرادت الحصول على معلومات من جهة حكومية ما، وبعد 5 شهور من الانتظار والتسويف، جاء الجواب النهائي أنّ "الجهة غير مسجلة لدى وزارة الداخلية" لتمنع بذلك من حق الوصول للمعلومات. وتشير إلى أنّ الحملات والمبادرات التي تدعم حق الوصول إلى المعلومات من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية قليلة جدًا، وتظهر بين الحين والأخر، إلا أنّ الواقع في فلسطين بحاجة "لتفعيل حقيقي وعاجل".

وتضيف أنّ "غياب هذا الحق يدفع الكثير من الصحفيين إلى استخدام وسائل أخرى في الحصول على المعلومة كالتصوير والتسجيل السري، مما يضعهم تحت طائلة المسؤولية والملاحقات القانونية والأمنية".

وتختم الصحفية ليندا حديثها بالتأكيد على أنّ الواقع العام في فلسطين يحتاج إلى:

  • تنفيذ حملات ومبادرات من مؤسسات إعلامية ومدنية من أجل تفعيل حق الوصول للمعلومات بشكل عاجل وحقيقي.
  • توعية الصحفيين بأهمية تفعيل هذا الحق لهم وكيفية المطالبة به.
  • الإعلان عن مسار منظم ومستمر للضغط لإقرار حق الوصول إلى المعلومات ليتمكّن الصحفيون من تطبيق عملية المساءلة المجتمعية ومبدأ النزاهة والشفافية.
  • التأكيد على حق حرية الرأي والتعبير وممارسة العمل الصحفي بحرية.

تعاون في إعداد هذا المقال الكاتب عبدالرحمن محمود من فلسطين والكاتبة شفاء القضاة من الأردن.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة جانكو فرليك.