مع مواكبة الصحافة للأحداث والقصص بشكلٍ لحظي خاصةً في البيئة المحلية المحيطة، صار من الضروري أن يستحدث الصحفيون أدواتاً وأساليباً تستوعب سرعة تراكم الأحداث وتفاقمها.
وبما أن في أيامنا هذه أعداد مهولة من شعوب العالم العربي تشهد معاناة التهجير، لذا وجب تفعيل دور الصحافة الإندماجية وتكريسها في الوسط الصحفي كي تُطبق مبادئها وأساسياتها على تلك الفئات المهجّرة أو النازحة التي تشعر في كثيرٍ من الأحيان بالتهميش أو التغييب.
يمكن تعريف الصحافة الاندماجية على الشكل التالي: "هي الكتابة عن أفراد يعيشون في مجتمع يختلف معهم، سواء كان هذا الاختلاف عرقياً أو دينياً أو قومياً أو إجتماعياً أو إقتصادياً أو غيرها من الاختلافات التي تميز هذه الفئة عن تلك، إضافةً إلى إشعارهم بأن وسائل الاعلام - التي تسلط الضوء عليهم - ترفض فكرة التهميش وتأبَّى إبقائهم في دوامة الإنعزال".
تكثر الحاجة الى هذا النوع من الصحافة في المناطق التي تكثر فيها التعددية على خلفيات متنوعة كنزوح الأهالي إلى غير مناطقهم على خلفية الحروب أو الهجرة القسرية أو كثرة وجود فئات مختلف عن المجتمع، كالمرضى النفسيين أو المعاقين أو الغجر على سبيل المثال لا الحصر وغيرهم طبعاً.
ولو اخذنا العراق نموذجاً على أهمية العمل في الصحافة الإندماجية لأغلبية الوسائل الإعلامية وخاصة المحلية منها؛ لما تتميّز محافظاته الوسطى والجنوبية الآمنة بكثرة توافد النازحين إليها من المناطق الغربية بعد اجتياح مناطقهم من قبل تنظيم داعش، فنلاحظ تعدّد كبير في الديانات والثقافات والقوميات والمذاهب، بالتالي كي لا تشعر هذه الفئات بتهميش إعلامي خاصةً عند إظهارهم من خلال الصور النمطية الخاطئة المأخوذة عن الكثير منهم، بهذه الحالة لا بد للإعلام والجسم الصحفي أن يلعب دوره في تكريس وغرس مفاهيم الحقوق لهذه الفئات سواءً عن طريق نقل قصصهم الإنسانية وتصحيح ما تمّ تداوله عنهم زوراً، بالإضافة إلى التسليط الاعلامي المباشر والندوات الحوارية حول هذا الشأن، وبالطبع هذا ينطبق على باقي البلدان التي مزقت الاختلافات والحروب نسيجها الاجتماعي ووحدتها البشرية.
تحديات عديدة تواجه الصحفيين الذين ينوون الكتابة عن هذه الفئات المتنوّعة في مجتماعتهم وإعطاء مجال التعبير لكل الافراد داخل المجتمع تحت مفهوم الصحافة الاندماجية. ومن أجل إذابة وتقويض هذه التحديات لابدّ من وضع أساسيات على الصحفي اتقانها عند الكتابة عن هذه الفئات، ولعلّ أهمّ الأمور التي يجب مراعاتها من قبل الصحفيين هي:
1- تعرف على الفئة المراد تسليط الضوء عليها (دينياً، عرقياً، قومياً). اعرف عن حياتهم، طقوسهم، حقائقهم، وما أُثير ضدهم من أمور خاطئة لكي تساهم في تغير الصورة بدون تحيّز أو عاطفة، لأنّ الحقيقة هي الواجب إظهارها من قبل الصحفي .
2- احذر من المفردات التي تسبب عكس ما تريد اظهاره من حقائق فبعض الكلمات تعتبر سلبية عند هذه الفئات او تكون ضدهم بالمعنى ، ففي العراق اصبح تسمية الاقلية معيبة للكثير من ابناء الديانات غير الاسلامية فبدأت الكثير من المنظمات تطلق تسمية (المكونات العراقية) بدل الاقليات، فعلى الصحفي اختيار الكلمات المناسبة وهذا يعتمد على دقة بحثه ومعرفته بالفئة التي يكتب عنها كما قلنا في النقطة الاولى .
3- أكتب قصص حقيقية عن أحوالهم وابتعد عن التأليف والنّقل والخيال لأنه سيؤدي بالنتيجة إلى فقدان مصداقيتك وعدم ثقة من كانوا محور قصّتك الصحفية، فتفقد اهتمامهم وإنصاتهم إليك. كما، لا تطلب منهم أن يتكلّموا حسب ما تريد أنت، اجعلهم يسردون قصصهم بطريقتهم الخاصة وخذ ما ينفع قصتك دون المسّ بالسياق العام لما قالوه لك.
4- لا تعتمد على المصادر فقط أو الأخبار الصادرة عن تلك الفئات بل حاول أن تتعايش معهم وتسمع منهم بصورة مباشرة وذلك عن طريق طرح الاسئلة التي تنفع قصتك الصحفية وحاذر من استخدام لغة الإهانة التي يستخدمها البعض ضدهم من باب الإستفزاز للحصول على إجابة.
5- عرّف الفئة التي تنوي الكتابة عنها بعملك وهدفك وحتى اهتماماتك من أجل إضفاء جو من الراحة ليتسنى لهم الحديث معك بكل حرية.
6- لا تكن مرشداً وناصحاً وتطلب منهم تغيير حياتهم أو طريقة معيشتهم تماشياً مع المجتمع، فهذا سيعطي صورة مخالفة عن مهنتك وتكون صاحب هدف إرشادي مأجور وليس نقل حياتهم الى الجمهور، وهذا هو دورك فقط.
7- في نهاية المقابلة، حاول أن تكون على استعداد لمقابلة آخرين قد يرشدوك من قابلتهم إليهم، أو أُطلب أنتَ ذلك بنفسك، فهذا يساعدك على جمع مصادر أخرى.
8- إفحص مدى صلاحية تسجيلك الصوتي أو المرئي حتى لا تضطر للرجوع إليهم بسبب خلل فنّي، لأنّ ذلك قد يسبب لهم الإرباك ويبعث فيهم بعض المخاوف؛ بالتالي لن تستطيع أخذ قصصهم كما سردوها لك في المرة الاولى، أو سيواجهونك بالرفض وعدم استقبالك.
في الختام الكل يعلم مدى تأثير الاعلام على المجتمع وعظم شأنه في حشد الرأي العام لقضية معينة وهذه الخصائص تحمله مسؤولية كبيرة أهمّها تعريف الناس ببعضهم البعض مما يؤدي إلى دمجهم في مجتمع واحد.
الصور لزيد الفتلاوي أثناء آداء عمله الصحفي مع النازحين في غرب العراق.
زيد الفتلاوي من العراق، هو أحد المشاركين في برنامج مركز التوجيه بدورته الثانية التابع لشبكة الصحفيين الدوليين بنسختها العربية بهدف تطوير مشروعه الإعلامي من ضمن مشاريع أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.